نظرت إلى غصن الرمان بين يدي أبي عواد وهو يذرع الأرض جيئة وذهاباً. يمشي بتؤدة كرجل يحمل هموم العالم وهو يفكر فيها، بينما تركيزه منصبّ على الغصن المتشعّب إلى فرعين صغيرين أحكم قبضتيه عليهما. فجأة، بدأ الغصن يميل أمامه نحو الأسفل. ومع ميلان الغصن التمعت ومضة في عيني أبي عواد وارتسمت ابتسامة عريضة على محياه.
"هنا! البئر يجب أن يُحفر هنا بالتأكيد!" صرخ أبو عواد. كانت كلماته تحمل من الثقة ما جعل قلبي يقفز فرحاً. أما عقلي فبدأ يرسم مستقبلاً أخضر لهذه الأرض البور التي اشتريتها قبل أسابيع. هذه لحظة الحقيقة التي سقطت عندها توقعات جميع الأصدقاء ونصائحهم بعدم صرف مدخراتي على أرض لا ترتوي من نهر مجاور أو من بئر قائمة. لقد كنت كمن يشتري السمك في الماء، وها هي كلمات أبي عواد تغمز صنارتي لتعلن أن السمك موجود فعلاً!
"ماذا نفعل الآن؟" سألت أبا عواد.
أجابني: "أمامك خياران. الأول هو أن تستخرج رخصة رسمية لحفر البئر، وهذا سيكلفك الكثير من الوقت والمال، كما أن إدارة الموارد المائية ستقوم بتركيب عداد على البئر لتلزمك بدفع المال لقاء ضخ الماء. أما الخيار الثاني فهو أن تستعين بأبي المجد ليحفر لك البئر على ضوء القمر، لا من رأى ولا من سمع".
بعد ثلاثة أيام كنت على موعد مع أبي المجد، الذي جاء قبل حلول الظلام في شاحنته التي تحمل حفارة على ظهرها. أكثر ما لفتني في شاحنة أبي المجد هو ما خطّه على واجهتها الأمامية: "وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون". سألت أبا المجد عن سر اختياره لهذا الآية الكريمة، خاصة وأن العاقل يتمنى أن يكون جميع الناس حوله مبصرين لكي لا تقع معه حوادث على الطريق. فأجابني: "هو دعاء أرجو به الله أن يكف عني أعين رجال الضابطة المائية وشرطة المرور، فيريحني من تسلّطهم الذي يقطع رزقي على الدوام".
أشرت لأبي المجد إلى المكان الذي يجب حفر البئر فيه. فباشر على الفور في نصب حفارته مبدياً إعجابه بأبي عواد: "غصن الرمان بين يدي أبي عواد لا يخيب أبداً، فجميع المواضع التي يحددها أعثر تحتها على الماء. أرسل أبا عواد إلى الربع الخالي مع غصن رمان، وستجد دول الخليج تصدّر الرز والقطن بعد بضع سنوات. لو أن "ناسا" استعانت بأبي عواد لاكتشفت الماء على كوكب المريخ منذ زمن بعيد. باختصار، أبو عواد زائد غصن رمان يساوي ماء".
أعجبني ما قاله أبو المجد على رغم المبالغة الكبيرة في كلماته. وقد اتفقت معه على أن أنام في بيتي في المدينة القريبة، وأعود إليه صباح اليوم التالي.
في الثامنة صباحاً انطلقت بسيارتي عائداً إلى الأرض وأنا أمنّي النفس بشرب الماء من البئر. وعلى الطريق أدرت المذياع لأستمع إلى نشرة الأخبار المحلية، التي تصدَّرها خبر عن انقطاع المياه عن المدينة نتيجة حصول تخريب في أنبوب جرّ مياه الشرب. فأخذت أحدث نفسي: «خبر مؤسف أن تنقطع المياه لعدة أيام. لقد أتى البئر في وقته تماماً، ويبدو أن أسرتي وجيراني سيشربون منه أيضاً خلال فترة الانقطاع هذه".
اقتربت من الأرض، فهالني ما رأيت. المكان يغص بالناس، رجال شرطة، ورجال الضابطة المائية، وموظفي البلدية، وقد أخبرني أحد الأهالي عن وجود المحافظ في المكان. نظرت فرأيت نافورة ماء ضخمة ترتفع ستة أمتار في الهواء. ومن وسط الحشد خرج أبو المجد وهو يصرخ: "أعمى الله بصرك وبصيرتك يا أبا عواد. أرض مترامية الأطراف، جرداء قاحلة لا يوجد فيها ماء، فكيف استطاع غصنك اللعين أن يعثر فيها على أنبوب جر المياه؟"
|