في مسابقة ملكة الجمال التي شاركت فيها الممثلة الأميركية ساندرا بولوك بدور محققة متخفية في فيلم "ملكة الدماثة" (Miss Congeniality)، كان سؤال لجنة التحكيم للمتسابقات: "ما هو أهم شيء يحتاج إليه مجتمعنا؟" وقد جاءت إجابات جميع المرشحات أن هذا الشيء هو "السلام العالمي"، باستثناء ساندرا التي كانت إجابتها: "أهم شيء هو فرض عقوبات أشد على مخالفي إطلاق السراح المشروط". وقد صمت الجميع مستنكرين هذه الإجابة الغريبة، فما كان منها سوى المتابعة بعبارة "والسلام العالمي"، التي جاءت كتعويذة سحرية جعلت الجمهور يهتف لها بحماسة.
في مسابقة ملكة جمال لبنان التي تم تنظيمها مؤخراً، كان السؤال الموحّد للمتسابقات هو: "أي مطلب يمكن أن تتبنيه كملكة جمال لبنان وتنزلي من أجله إلى الشارع؟" أجمعت إجابات المشاركات على مسألة غاية في الأهمية، ليست السلام العالمي كما جرت العادة، ولا تشديد العقوبات على مخالفي إطلاق السراح المشروط كما اقترحت ساندرا بولوك، بل "إدارة النفايات"، بكل بساطة.
قد تكون هذه الإجابة أغرب ما يمكن توقعه في مسابقات الجمال، والفضل في ذلك هو لتوقف أعمال ترحيل النفايات من شوارع مدينة بيروت لبضعة أسابيع. في بلداننا العربية، إجابات من شاكلة "إدارة النفايات، تأمين مصادر الطاقة، الحد من تلوث الهواء" لن تجد أحداً يستهجن طرحها، وإذا كانت ثمة غرابة فيها، فهي في عدم استتباعها بعبارة "السلام العالمي" الذي نحن في أمس الحاجة إليه.
للمفارقة، لم تكن المشاركات في مسابقة ملكة جمال لبنان الوحيدات اللواتي اعتبرن أن معالجة إحدى المشاكل البيئية تأتي في طليعة الأولويات. ففي برنامج "60 دقيقة" استنكر المذيع على ضيفه الرئيس الأميركي باراك أوباما ألا يقوم باتخاذ أي إجراء معتبر تجاه التحدي العسكري الذي تبديه روسيا في أوكرانيا وسورية باعتبار أن ذلك هو تحدٍ لقيادة الولايات المتحدة للعالم. إجابة الرئيس الأميركي كانت ميكيافيلية، حيث رأى أن "قيادة العالم تكون في مسألة التغير المناخي بهدف الوصول إلى اتفاق دولي من المرجح أن نحققه في باريس"، حيث تستضيف العاصمة الفرنسية القمة العالمية حول تغير المناخ في كانون الأول (ديسمبر) 2015.
ولكن هل يستطيع أوباما قيادة العالم إلى اتفاق معتبر حول التغير المناخي في ظل تحدٍ عسكري من روسيا ومزاحمة اقتصادية من الصين؟ أم أن قضية التغير المناخي ليست أكثر من غطاء تعتمده إدارة أوباما الميالة نحو "التحفظ المتزايد في إطفاء النيران العالمية، والتدخل فقط في إطفاء قلة من النيران التي تهدد مصالح الولايات المتحدة بشكل صريح"، كما ورد حرفياً في كتاب "الاتجاهات العالمية 2030: عوالم بديلة" الصادر عن مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي عام 2012.
لقد أسقطت المشاركات في مسابقة ملكة جمال لبنان عبارة "السلام العالمي" من إجاباتهن، واكتفين بمسألة إدارة النفايات، وكذلك فعل الرئيس الأميركي عندما اعتبر أن التغير المناخي هو الهدف الأهم في قيادة العالم. ولكن في المقابل، كيف نستطيع مواجهة مشكلة التغير المناخي بشكل فاعل إذا كان "السلام العالمي" في خطر؟
|