في أســطورة قديمة تحكـي نشـــأة مدينـة رومــا، أن التـوأمين "رومولوس" و"ريموس" وهمـا إبنـا أميرة رومانية مـن إلــه الحـرب "مارس"، تـمَّ الفصــل بينهمـا عنـد مولدهمـا، وبـدلاً من أن يـرثـا الثـروة والجــاه ربيا في كنــف ذئبـة. فلمـا كبـرا وشـرعا في تأسـيس مدينة، نشـــب بينهما خـلاف حـول موقعهـا، وأدى الخـلاف إلى عــراك انتهــى بقتـل رومولوس لأخيه التـوأم، مكرساً بذلك ســــلوك التصفيـة الجســدية بيـن الأشــقاء.
إنه سلوك شائع في عـالــم الحيــوان، نراه في نماذج متعددة، من الجـراد المتعبد والنمل الأبيض إلى الكـلاب والخنازير البرية والضبـاع الرقطـاء. ويصل هـذا الســلوك إلى قمتـه في حالـة الظبـي الأميركـي المتشعب القرنين، الذي لا ينتـظــر حتـى يخـرج إلى الحيــاة، بل يتخلَّـص من أخيـه التـوأم وهمـا لا يزالان جنينين فـي رحــم أمهمــا، بـأن يخِــزَهُ حتى الموت.
لا يزال اغتيـال الأشــقاء يمثل لعلمـاء البيولوجيـا لغـزاً محيِّـراً. لمـاذا تشــيع هذه الظاهـرة الشــديدة القســوة بين أشــقاء يشــتركون في نصـف الصفات الوراثية التي يحملها كـل منهمـا، كمعدل وسطي. فمعنـى أن يقتـل الشـقيقُ شــقيقَـهُ إهـدارُ فرصـة اســتمرار هـذا الكمِّ من الصفـات الوراثية، بينما المفترض أن يكون هـو أول الحريصين على تقويتهـا واســتمراريتهـا.
يرى بعض العلماء أن قتل الأشقاء في عالم الحيوان هـو نوع من الموازنة بين المكاسـب والخسـائر بالنسبة إلى الأخ القاتل. وهـو إحدى الآليـات التي تلجـا إليهـا الحيوانات لتضمن استمرارها بالوجود، في بيئـات محددة وتحت ضغوط بعينها. وفي كتاب حول التاريخ الطبيعي لمزاحمة الأشــقاء*، يقول المؤلفان إن الأبوين يعمدان إلى إنجـاب العديد من الصغار، ويكون على هـؤلاء الصغار أن يتنافســوا على مـوارد محـدودة ومن أجل الاســتئثـار برعاية الأبوين، في حالة الحيوانات التي تعتني بصغارها في مراحلهـا العمرية المبكِّـرة. وهـذا التنافس هـو الذي يـؤدي إلى هذا التوجه إلى إزاحة المنافس بالقتل، من دون اعتبـار لرابطـة الأخـوة.
ويـلاحظ المؤلفـان، دوغلاس موك من جامعة أوكلاهوما الأميركية وجيفري باركر من جامعة ليفربول البريطانية، أن اســتهداف الأبوين للذرية الكبيرة العـدد يتضمن ثـلاث ميزات:
أولاً، الســماح بتنشـئة أكبر عدد ممكن من الصغـار الأصحـاء الأقوياء، في ظروف لا يتوافر فيها الغـذاء كـل الأوقـات. فمع شــح الغذاء تنشـــأُ تلك المزاحمة الشـرســة بين الأشــقاء، ولا يفوز فيها إلاَّ الأقـوى، القـادر على حمل رسـالة اســتمرار النوع في خريطـة الحيــاة. وفي حالة الضبـع الأرقط، يتقاتل الأشــقاء قبل أن يخرجـوا من الجحر الذي ولدوا فيه لتوهـم. والمعروف أن صغـار هذا النوع من الضبـاع تولد بأنيـاب على درجة كبيرة من التطور. فما إن تخـرج من البطـن ذاته حتى يبـدأ القتـال باستخدام الأنياب الحادة، وينتهي بالتخلص من الجراء الضعيفة، فتُـطـرد خـارج الجحـر محرومة من رعاية الأبوين، وتتضـور جـوعـاً وتظـل تعـانــي من جـراحـهــا الثخينـة حتـى تمـوت.
ثانياً، في الأوقـات الصعبة، يمكن أن يصبـح الأشــقاء والشقيقات الضعفاء مصـدر غـذاء حيوياً للأقـويـاء منهم، وربمـا للآبــاء أيضــاً.
ثالثاً، في الأعـداد الكبيرة من الأبنـاء تأمين للنـوع في وجه خســارة أعداد منهم في مراحل ما قبل البلوغ.
* The Evolution of Sibling Rivalry. By Douglas Mock, University of Oklahoma & Geoffrey Parker, University of Liverpool. Oxford University Press, 1997.
|