Sunday 01 Sep 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
اليس في بلاد العجائب
هذه مساحة حرّة مفتوحة لتعليقات بيئية بين الهزل والجد
 
رجب سعد السيد بلاد نمنم من حكايات جدتي | 04/12/2014
كانت لي جدة تُجيد الحكيَ. ومن حكاياتها التي كانت ترويها لأحفادها، ببساطة وسلاسة كاملتين، حكاية "بلاد نمنم"، عن سكان تلك البلاد من أكلة لحوم البشر. كنت الحفيد الوحيد الذي يُقبِل على هذه الحكاية بالذات، ويطلبها في كل جلسة سمر مع الجدة. كان الحفدة الآخرون يخافون، ويلوذون بأمهاتهم، بينما أروح أنا في جولة خيالية، يتجسد لي فيها أولئك البشر الذين يأكلون لحوم الغرباء ممن أوقع بهم الحظ التعس في تلك البلاد.

وربما كانت حكاية جدتي الدافع وراء حرصي على تتبع كل ما يتصل بأكلة لحوم البشر. فعثرت أولاً على كتاب يروي قصصاً لبعض المستكشفين والروّاد الأوائل لأفريقيا والأميركتين تحتوي على أوصاف لآكلي لحوم البشر، مثل قصص كريستوفر كولومبس عن مجموعة منهم اسمها "كاريبس" كانت تعيش فى منطقة سان فينسنت وبعض الجزر المحيطة بها.

ثم قرأت في مجلة علمية ملخصاً لأبحاث توصلت إلى أن بعض سكان جبال بابوا نيوغينيا كانوا من أكلة لحوم البشر حتى نهاية خمسينات القرن الماضى! وقد فنيت تلك الجماعة بسبب وباء "كورو" الذي انتشر بين أفرادها، وهو مرض يقضي على من يصاب به في غضون سنة. ولا ينتقل ميكروب هذا الوباء إلى الإنسان إلاّ من مصدر وحيد هو اللحم الآدمي! وجاء في الملخص نفسه أن أولئك القوم لم يكن في سلوكهم قتل الآدميين من أجل لحومهم، بل إنهم لم يكونوا يأكلون الغرباء، ولكنهم كانوا "يكرمون" أصدقاءهم وأقاربهم بعد وفاتهم، فيأكلون قطعاً معينة من أجسادهم.

وفي العام 1982، كان فريق من علماء الأنثروبولوجيا، تقوده الدكتورة باولا فيللا الأستاذة في جامعة كولورادو الأميركية، يعمل في أحد الكهوف القديمة في جنوب فرنسا، فعثر على عظام آدمية عمرها ثمانية آلاف سنة، أي من العصر الحجري الحديث. وتعرّفوا في تلك العظام على هياكل لثلاثة عشر آدمياً، من الرجال والنساء والأطفال، بالإضافة إلى بقايا عظام حيوانات مدفونة في الموقع ذاته. وبمقارنة العظام البشرية بالحيوانية، تبيّن أن في كل من النوعين علامات غائرة لا يمكن أن تكون ناتجة عن قوى ضاغطة وقعت على الجثث المدفونة. فالعلامات تشي بأنّ ثمّة آلات قطع أُعملتْ في تلك العظام بأسلوب عمدي، يؤكّد أن الذي قطّع الحيوانات ليعدّها لغذائه هو ذاته الذي قام بهذا العمل أيضاً عندما فشل في صيد الحيوانات، فجاع، فلم يجد أمامه إلاّ بعضاً من أبناء جنسه. كما لاحظ أفراد الفريق العلمي أن ذلك الإنسان المتوحّش القديم لم يفرّق، في عملية الدفن، بين بقايا ضحاياه من بني جلدته وبقايا الحيوانات، مما يؤكّد أن "النوعين" لم يكونا بالنسبة إليه سوى مادة قابلة للالتهام. كما أظهرت العظام الحيوانية والآدمية أن آلات حادة استخدمت بطريقة واحدة، فتركت علامات بالعمق ذاته والشكل ذاته والموقع ذاته وزاوية المعالجة ذاتها.

بقي أن نشير إلى تعليق لأحد علماء جامعة بالتيمور الأميركية يقول إن أكلة لحوم البشر لم يكونوا يتناولون اللحم البشري بطريقة خاصة، أو مصحوباً بطقوس احتفالية. وفي ذلك دليل على أنهم لم يعتبروا "فرائسهم" من الآدميين بشراً مثلهم، بل مجرّد مصدر للطعام.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.