في رواية "دكتور نــو"، لمؤلـف روايات الجواسيس الشهير إيان فليمنغ، يتعـرَّض بطلـه الأشـــهر جيمــس بـونــد لحالـة مرضـية حـادة. ويكتشـــــــف الطبيــــب أنه تنــــاول جرعة كبيـرة من سُـــمِّ تترودوكسين المستخرج من سمكة يابانية تدعى فيوغو. وهي سمكة غريبـة المظهـر، يـعرفها ســكان المناطـق السـاحليـة في معظم بحـار العالم بأســـــــماء مختلفــة، منها الفهـقة والسمكة النفَّاخــة والسمكة المتورِّمـة.

 

يتعامل الصيادون مع الفهقـات بحـذر شــديد، فهي سـامة، لكنهـا تحظى باهتمـام خـاص عنـد اليابانييــن الذين يشــتهون لحمهـا ويعرفونه طعاماً منذ مئـات السنين. ويحتـل طبق الفيــوغو موقعـاً متميزاً في قائمة طعام المائدة اليابانية، بتقاليدها المرعية. ولليابانيين رصــيد كبيـر من الحكايـات والطقوس المرتبطة بتنـاول وجبـة من لحـم هـذه السمكة السـامة. ومعظـم هـذه الحكايات عن أفـراد عاديين، أو وجهـاء يابانيين، غامروا، ففقدوا حياتهم مقابل أكلة فيوغو. وينعي شاعر شعبي ياباني صديقاً لـه، فيقول :

بالأمـــس، تنــــاولنــا معــاً لحــم الفيوغـو

واليــوم شــــاركــت في تشـــييع جثمـانـه

 

إذا لم يعدّ لحــم السمكة إعداداً جيداً، ويُنتَـزع الســم منه، فـإن من يأكله هالك لا محالة، وتظهـر عليـه أعراض التســمم قبل أن يغـادر مائدة الطعام. وتقول إحصـائيات إن 60 في المئة من حالات التسمم بالفيوغو انتهت بالوفــاة.

 

فلمــاذا يحتـفـظ اليابانيــون، وهم المشهورون بحرصهـم على الصـحة العامة، بتقليدهم المصرّ على أكل هذه الســمكة المميتـة؟ ومـا مصــدر الغـوايــة أمـام ســمكة تحمــــل لهـم المـوت ويضعونهــــــا في صــدارة موائدهـم؟ إنه أمر يحير غير اليابانيين، الذين قد يخف عجبهم أو لعله يتزايد، إذا علموا أن كهنـة الشــــينتو، وهي ديانة اليابان الأصلية التي تقدس القوى الطبيعية وأرواح الموتى، يقيمون الصلوات في معابدهم تبجيلاً وتعظيمــاً لسمكة الفيوغـــو. وقد رأينا في وسط حديقة شهيرة بالعاصمة اليابانية طوكيــو تمثالاً كبيراً لهذه السمكة. وبالقرب من مدينة أوساكا أقام اليابانيون نُصُبــاً تذكارياً تحيةً للفيوغو، ربما تخليداً لضحاياها المجهولين. ثم إن المثــل الياباني يقـول: "مـا أحمـق هــؤلاء الذيـن يتنـاولـون حســــاء الفيـوغـو. أما أولئك الذين لم يعرفـوه، فهـم حمقـــى أيضـــاً".

 

إن حياة هواة لحم الفيوغو معلَّـقة بين أصابع الطهـاة في المطاعـم التي تقدم هذا الطعـام الغريب. لذلك، فإن التعامل مع هذه السمكة محظــور على غير الطهـاة المؤهَّـلين، المرخَّــص لهـم بأداء هذه المهمة الحرجة، بعد انتظامهم في دورات تدريبية خاصة تستغرق عامين، واجتيـاز العديد من الاختبـارات.

 

كادت وجبة من لحم الفيوغو أن تودي بحياة الرحالة الشهير الكابتن جيمس كــوك. ففي إحدى رحلاته حول العالم عام 1774، حصـل أفراد بعثته العلمية على سمكة فهقة. وبعد أن أتموا دراسـتها ورســمها، أعدوا كبدها ومناسلها للعشاء. وأصيب كوك وعلماء بعثته بالتسمم، وقضوا ليلة مزعجة، وكادوا يلقون حتفهم. لكنهم، لحسن حظهم، تقيأوا الطعـام في بداية شعورهم بأعراض التسمم، ثم أفرزوا عرقاً غزيراً، ويبدو أن ذلك كان السبب في تحســن أحوالهـم مع انبلاج الصباح.