أقامت وزارة الأوقاف الأردنية، كعادتها كل سنة، صلاة استسقاء استجلاباً للمطر، في منتصف شهر كانون الثاني (يناير) الذي كان جافاً في معظم أيامه مما زاد من مخاطر تعرّض الأردن إلى صيف مائي شحيح كما في السنوات السابقة، خاصة أن الأردن يصنَّف عالمياً بأنه الدولة الأكثر فقراً في مصادر المياه.
في خطبته التي ألقاها بعد الصلاة، أشار وزير الأوقاف الأردني إلى ضرورة تجنُّب المعاصي والذنوب والفواحش، حتى يساعد ذلك على هطول الأمطار بشكل أكبر. ومع أنّ هذا الربط قد يبدو تقليدياً في التفكير المتديّن الفطري، فإنّه ومن وجهة نظر التفكير العلمي يدعو إلى الحيرة، خاصة عندما تأتي تلك الملاحظة من وزير في حكومة دولة كانت دائماً تتباهى، إلى سنوات قليلة، بأنها الأكثر تقدماً في مجالات التعليم في العالم العربي.
من ناحية فلسفية، يمكن القول إنّ ملاحظة الوزير صحيحة جزئياً. التراجع في هطول الأمطار في العالم العربي بالذات هو نتيجة واضحة وحتمية لتغيُّر المناخ. تلعب ذنوب الإنسان دوراً كبيراً في تغيُّر المناخ وتراجع هطول الأمطار، نتيجة استنزاف الموارد وإطلاق غازات الدفيئة الملوّثة إلى الجو. ولكن هذه الذنوب لم يرتكبها المواطن الأردني المطالَب من قِبل وزيره بالتوقف عن الذنوب والمعاصي، بل من قبل الشركات الصناعية الكبرى في العالم المتقدم، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة، حيث، وللمفارقة، نشهد أكثر هطول للأمطار في العالم. العدالة المناخية تعمل بطريقة تعاكس تماماً عدالة السلوك البشري. فالأكثر ثراءً هم الذين تسببوا في تغيُّر المناخ، بينما من يعاني أشدّ الآثار هم الأكثر فقراً ممن لم يشاركوا حتى الآن بشكل حاسم في هذا التغيُّر.
يشعر المواطن الأردني بالحيرة. فما هي الذنوب التي يرتكبها وتؤدي إلى نقص هطول الأمطار، بينما تسقط تلك الأمطار مدراراً في كل دول أوروبا وأفريقيا وآسيا، خاصة تلك الدول التي تقع على خط الاستواء؟ هل يمكن القول إن ذنوب المواطن الأردني، بمقياس المتشددين، تتجاوز ما يحصل في احتفالات الريو في البرازيل، حيث أكبر هطول للأمطار في العالم؟ لا أعتقد أن الوزير قادر على تقديم جواب مُقنِع من دون العودة إلى حقائق العِلم والطبيعة.
العِلم والطبيعة يقولان إنّ العوامل الحاسمة في سقوط الأمطار ليست المعاصي والذنوب، بل الجغرافيا والمناخ والسياسة والإدارة. وفي حال لا نستطيع تغيير الجغرافيا لمواجهة تغيُّرات مناخية من الصعب تغييرها، فإن خياراتنا تكمن في السياسة وفي الإدارة وفي استدامة الموارد. يمكن لنا أن نستمر في الحياة في حال ارتكاب بعض المعاصي الإضافية، والله غفور رحيم. ولكن لا يمكن البقاء من دون إدارة حصيفة للموارد تقودها الحكومات وتساعدها الشعوب.
الخطاب الديني مهم جداً في التوعية، لأن العاطفة الدينية للناس هي الأشد تأثيراً على سلوكهم. وفي التراث الديني لمنطقة الشرق الأوسط، مهبط الأديان التوحيدية، الكثير مما يمكن الاستعانة به في مساءلة الحكومات وأولي الأمر حول تقصيرهم في الحقوق المائية والبيئية والتنموية، وكذلك تحفيز المواطنين العاديين لتطبيق مبادئ "الاستخلاف على الأرض" ومبادئ المحبة والرحمة، التي تعززها القيم الدينية، في التأكد من حماية الموارد الطبيعية للأجيال الحالية والقادمة. لكن باستثناء مبادرات قليلة ومبعثرة، لم يطوِّر الخطاب الديني في العالم العربي سردية ثقافية وعلمية قادرة على وضع العاطفة الدينية القوية في موقع القوة الدافعة نحو الاستدامة البيئية.
الخطوة الأولى في مواجهة المعاصي والذنوب هي في تحقيق العدالة المناخية، والعمل الجماعي لحماية الكوكب، لأن ذنوبنا الصغيرة في الحياة لا تُذكر مقارنة بذنوب تلويث الأرض.
* كاتب أردني يعمل في مجالات البيئة وتغيُّر المناخ والاقتصاد الأخضر. المقال المنشور يمثّل رأيه الشخصي.
|