النحل من أكثر الحشرات "تقدماً". يعيش في مجموعات متعاونة فائقة التنظيم، تبدي سلوكيات راقية وتستخدم طرقاً فعالة للتواصل. النحل ينتج العسل والشمع، ويلقح معظم الأشجار والأزهار. لذلك يضع النحّالون قفرانهم في البساتين والحقول. ويقول الخبراء ان هذه الحشرات لو اختفت من الوجود لكانت العاقبة كارثية على كثير من المحاصيل.
يتعاون النحل على بناء القفران وجمع الطعام وتربية الصغار. ويعيش في مستعمرات يصل عدد أفرادها الى عشرات الألوف. وفي كل مستعمرة ثلاث "طبقات" مميزة هي الملكة والذكور والعاملات. العاملات اناث صغيرة الحجم تصطاد الرحيق وتصنع العسل والشمع وتبني القفير وتصونه وتعتني بالملكة واليرقات. أما الذكور فلا دور أساسياً لها، باستثناء ذكر واحد يلقّح الملكة، والدة الجميع.
يبني النحل البري قفرانه في حجور داخل الصخور وجذوع الأشجار وعلى الأغصان. ويعيش النحل العسّال في مدينة مصغرة من الشمع الذي تصنعه العاملات بواسطة غدد تحت بطونها. ويحافظ على درجة من البرودة داخل القفير بتحريك أجنحته كمراوح أو احضار الماء اليه لترطيبه. كما يقوم بحركات ارتجافية لانتاج مزيد من الحرارة في الأيام الباردة.
تضع الملكة البيض في القفير، وغالباً ما يعزل داخل خلايا واقية. يفقس البيض يرقات دودية، واليرقات تصبح خادرات، والخادرات تتحول الى بالغات. وينتج البيض غير الملقح ذكوراً والبيض الملقح عاملات وملكات. وعندما تظهر ملكات جديدة ، تغادر الملكة القديمة القفير مع جماعة من العاملات في سرب كبير بحثاً عن موقع تعشيش بديل.
تحصل اليرقات في الأيام الثلاثة الأولى على الهلام الملكي، الذي تصنعه العاملات غذاء للملكة، وهو غني بالبروتين والسكر ومصنوع من غبار الطلع والرحيق ممزوجاً بافرازات لعابية من أفواه العاملات. بعد ذلك تُطعم اليرقات التي ستصبح عاملات أو ذكوراً "خبز النحل" المصنوع أساساًً من غبار الطلع. أما اليرقات التي ستصبح ملكات، فتبني لها العاملات خلايا ملكية مخروطية، هي أكبر من الخلايا السداسية التي تشكل معظم قرص العسل. وتطعم اليرقات الملكية عشرات المرات أكثر من يرقات الخلايا الأخرى، ويقتصر إطعامها على الهلام الملكي، مما يجعل للملكات مبيضات كبيرة بدلاً من "جيوب" العاملات التي تجمع فيها غبار الطلع.
حين تعثر النحلة العاملة على زهور غنية بالرحيق، تعود الى القفير وتؤدي رقصة خاصة لتبليغ رفيقاتها عن موقعها. تدل الرقصة الدائرية على أن الزهور قريبة من القفير، وتعني الرقصة الاهتزازية أن الزهور بعيدة، مع إشارات دقيقة الى الموقع.
ويستخدم النحل الضوء فوق البنفسجي الذي لا يراه الانسان. نحن نرى في الزهرة مثلاً تويجات بيضاء منتظمة، لكنها تبدو للنحل خطوطاً فوق بنفسجية على خلفية بيضاء. هذا مؤشر توجيهي يرشد النحلة الطائرة الى مخزون الرحيق المخبأ داخل الزهرة، كأضواء المدرج التي ترشد الطائرات الى المطار، وهذا يضمن لها أن الطريق الذي تسلكه سيلطخها بغبار الطلع، الذي تعود به الى القفير وتصنع منه العسل.
|