صيد بهيج لسرطانات البحر وأكلة ممتعة تشارك فيهما العائلة خلال أيام العطلة

للسرطانات البحرية تسميات متعددة، ربما بتعــدد الدول العربية. ويســـمِّيها الناس في مدينتي – الإسكندرية- "كابـوريـاً" وأحياناً "أبو جـلامبـو". وفي صباي، كانت سـرطانـــات البحــر تُعرض على عـربات الباعة الجائلين، وتباع "بالكومة" نظيـر بضعة قروش. الآن، يصل ثمن الكيلوغرام الواحد إلى أربعين جنيهاً (7 دولارات). والأهم من ارتفاع سعرها قلةُ المعروض منها في الأسواق.

غير أنني أعرف كيف أصل إلى هذه الكائنات القشـرية البحرية الشـهية، من دون كلـفــة تذكر، لأعـدَّ منهـا وجبة مغذِّيـة. وفوق ذلك، يتم هذا في نزهة بحرية، يحيطها جو من البهجـة بصحبة الأسـرة أو مجموعة من الأصـدقـاء.

يتطلَّـب الأمـر زورقاً أو قارباً صغيراً. لا تبتعد كثيراً عن الشـاطئ، بل أبحر موازياً لـه. أمَّـا وسـيلة الصيد فبسـيطة جداً، ويمكن تصنيعها يدوياً. وهي لا تزيد عن إطـاريـن دائريين من الحديد الرفيـع، قُطـر أحدهمـا ضـعفا قُطـر الآخر، ويربط بينهما نسيج شبكي مناسـب. تُغـطَّـى مسـاحة دائرة الإطـار الأصـغر بالنسيج ذاته بحيث يكوِّنُ الإطـاران ـ عندما يتباعدان ـ ما يشـبه السـلَّة الشـبكية المسـتخدمة في لعبة كرة السـلة، ولكن من دون فتحة في الأسفل.

جهِّـز ثـلاث قطـع متسـاوية من الحبـال الرفيعة، واربطهـا في ثـلاثة أماكن على محيط الإطـار الأكبـر لشـبكتك، وصِلْهـا ـ مجتمعةً ـ بحبل طويل مناسـب هـو حبـل الجـرّ.

قبل أن تلقي الشبكة، لا تنسَ الطُعـم. ضـع في قاع السـلة بعضـاً من بقايا رؤوس الأسماك أو رقاب الدواجن. والآن، ألق بشـبكتك إلى خلـف الزورق. إنهـا تتهـادى نازلةً إلى القاع. ثبِّـت حبـل الجـر. دع الزورق يسير ببـطء. وهنـا، يمكن للصغـار، إذا كانوا مشـاركين في الرحلة، أن يســاهموا في عملية الصيد بتناوب الإمسـاك بحبل الجـر. إنه فعل بسـيط، ولكنه كان يسـعد أطفالي كثيراً.

الآن، تتدحرج السـلة فوق القاع فاتحةً ثغرها، والطعم فيها يغـري السـرطانات بالدخول. فتتشـابك أرجلُهـا وأذرعُـهـا ذوات الكلاَّبـات بحبـال الشـبكة، ولا تستطيع الخروج. وتزداد محاولات الفرار صعوبةً عندما يتراكم في الشـبكة عدد كبير من هذه القشـريات البحرية. ويترجم هذا في النهاية محصـولاً جيداً برمية واحدة.

إذا لم يتوفر لك الزورق، فـلا بـأس، يمكنك اسـتخدام الشـبكة من فوق رصيف مينـاء أو من شـاطئ خليـج. وإن كنــت من هـواة الغـــوص، فيمكنك أن تلتقــط السـرطانات البحرية من أرض البحر، في الميـاه القليلة الغور، حيث تعيش الكابوريا مع غيرها من الكائنات ســكَّان القـاع.

تعمِّـر السـرطانات البحرية طويـلاً نســبياً. فالنوع الأزرق، المفضَّــل كغـذاء، واســـع الانتشـــار فـي مـواقــع عديدة في العـالم ويعيش ثـلاث سـنوات. وخلال هذا العمر، تضع الأنثى البيض مرَّةً أو أكثر، ويتراوح عدد البيض كل مرة بين مليون وثلاثة ملايين، ويتجمَّـعُ في كتلة يبلغ حجمها ثلث حجم الأم. وفي موسـم وضـع البيض، تترك الكابوريا الميـاه البحرية أمام مصبَّـات الأنهـار متَّجـهـة إلى الميـاه الأكثـر عمقـاً وملوحـةً. لذلك، وخلافاً للارشادات العامة المراعية للاستدامة، يستهدف بعض الصيادين الاناث البيوضـة في الميـاه العميقـة. ويمكنك أن تميَّـز الإناث عن الذكور من هيئـة غطـاء قشـريٍّ على النصف السفلي من البطن، فتجده قلميَّـاً في الذكر، ومثلَّـثـاً متسـاوي الأضـلاع في الأنثى. وللإنـاث قيمة غذائية أعلى، ففيها كمية أكبر من اللحـم، وتزداد قيمتهـا إذا كانت محمَّلـة بكتلـة البيـض.

عندما يفقس البيض، تخرج منه يرقـات دقيقة الحجم تســعى في الميـاه ســابحةً بادئةً رحلة الحيـاة. وتمر بعـدة عمليـات تغييـر وانسلاخ لغطـائهـا القشـري، حتى يكتمل نضجهـا بعد 12 ـ 14 شـهراً.

وعلى رغم هذه الوفرة في عدد البيض، فإن نســبة قليلة منه تكتب لها النجاة والنمو الى سرطان كامل. فاليرقات، وحتى السرطانات اليافعة، تشكل غذاء أســاســياً لكائنـات بحرية أخرى مثل السـلاحف وأنواع عديدة من الأسـماك.

الآن، إســحب الشــبكة المليئة بالصيـد. حـاذر كـلاَّبـات الســرطانات عند تفريغها. ويمكنك أن تحتفظ بصيدك في حالة جيدة لمدة يوم أو يومين (إن طالت رحلة الصيد) إذا وضعـت السـرطانات الحيّة في أوعية مغطَّـاة بنسـيج مبلل، أو بالطحالـب المنـدَّاة، حمايةً لهـا من التأثير الضـار لضـوء الشـمس المباشـر.

وعند رجوعك إلى كوخك الشـاطئي في المصيـف، أو إلى منزلك، أطلب من الأهـل والأصدقـاء أن يمهلوك سـاعةً أو أقـلَّ، ريثمـا تـعـِـدّ لهـم صحائـف الســرطانات الشـهيَّة. فإلـى المطبــخ.

ثمَّـة عـدة طـرق لإعـداد الكابوريا، أقدم لك اثنتين أعرفهمـا.

تســتلزم الطريقة الأولى توفير المواد الآتية : كوبان من الصلصـة البيضـاء، كوبان من لحـم الكابوريا، شـرائح قـرن واحد من الفلفل الأخضر الحـلو وآخر من الفلفل الأخضـر الحـار، ملح وفلفل أســود، كوب من الجبن المبشـور، ملعقة كبيرة من البقدونس المهروس. والطريقة: تخلـط كـل المكونات، ما عدا الجبن، وتوضع في وعاء في الفرن. ثم يُرش الجبن المبشور على وجه الوعاء، ويوضع في الفرن لمدة 30 دقيقة. والقرص الناتج يكفي لإطعـام أربعـة أفـراد.

أما الطريقة الثانية، والمفضَّـلة لديَّ، فهي الطريقة "البلدي": توضع الكابوريا كما هي – بعد غسلها جيداً – في مـاء يغلـي، مـع بعـض التوابـل مثل الخردل والكزبرة والفلفل الحـار وكبش القرنفل، التي تكسـبها نكهة خاصة محببة. وعندما تنضـج، يضاف بعض الملح وشـرائح الليمون. ويتم التعامل معها باليد مباشـرةً، وهي تتطلَّـب مهـارة خاصـة تكتسـب بالخبرة الطويلة، في اســتخلاص اللحم الأبيض الطري والعصـارة الشهية من درقـة الســرطان البحري وكلاباته. هذه الطريقة تســتغرق وقتـاً أطـول، وبالتأكيد أســعد، إذ تتناثر التعليقـات المبهجة من الآكلين، الذين يجب أن يزوَّدوا بعدد كـاف من مناشــف المائدة لحماية ملابســهم من عصارة الكابـوريا.