تحتل الاراضي الجافة 41 في المئة من مساحة اليابسة، وتؤوي اكثر من ملياري نسمة بينهم نصف فقراء العالم. وقد أعلنت الأمم المتحدة 2006 سنة دولية للصحارى والتصحّر، واختير شعار "لا تهجروا الأراضي القاحلة" ليوم البيئة العالمي في 5 حزيران (يونيو) 2006 الذي تجرى احتفالاته الدولية في الجزائر. هنا أحدث الحقائق والأرقام حول الصحارى والتصحّر.
قلة من الناس تعيش في الصحارى، لكن العديد من الأنواع النباتية والحيوانية تأقلم مع الحياة في بيئتها الجافة القاسية. الضفادع الصحراوية تحفر جحوراً في الرمل وتسبت فيها طوال شهور حتى يأتي المطر، فتخرج لتتغذى وتضع البيض وتتكاثر. ولبعض اللبائن (الثدييات) الصحراوية آذان طويلة أو أعضاء أخرى لتبديد حرارة الجسم. وتحصل لبائن أخرى على كل الرطوبة التي تحتاج اليها من الطعام الذي تأكله. وفي ناميبيا، تسحب نبتة Welwitschia mirabilis الرطوبة من الضباب اليومي الذي يزحف فوق الصحراء.
القليل معروف وموثَّق حول الصحارى من حيث الخصائص البيولوجية والايكولوجية والثقافية. وتختلف صحارى العالم في فرادتها من حيث المنشأ والتاريخ التطوري والأنماط المناخية. وهي تحتاج الى ادارة وسياسات مصممة خصيصاً لحمايتها.
التصحر: جوع وفقر
تندرج الصحارى ضمن منظومة الأراضي الجافة، التي تتميز بانخفاض هطول الأمطار وارتفاع معدلات التبخر، وتحتل 41 في المئة من مساحة اليابسة على الأرض، وتؤوي أكثر من ملياري نسمة 90 في المئة منهم في بلدان نامية. ويعيش نصف فقراء العالم في مناطق جافة حيث يعتمدون على موارد الطبيعة للحصول على حاجاتهم الأساسية. ويبلغ معدل وفيات الأطفال الرضَّع في المناطق الجافة نحو 54 وفاة من أصل كل 1000 ولادة حية، أي ضعفا المعدل في الأراضي غير الجافة و10 أضعاف المعدل في البلدان المتقدمة.
هذه المناطق الهشة معرضة للتصحّر، حيث تتدهور الأراضي نتيجة عوامل متعددة، بما في ذلك الاختلافات المناخية ونشاطات الانسان. ويؤدي التصحر الى انخفاض أو خسارة الانتاجية البيولوجية أو الاقتصادية للأرض، ويؤثر في ثلث سطح هذا الكوكب وفي حياة أكثر من مليار نسمة.
من نتائج التصحر والجفاف انعدام الأمن الغذائي والجوع والفقر. ومن شأن التوترات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الناشئة عن ذلك أن تخلق نزاعات وتسبب مزيداً من الفقر وتدهور الاراضي. ويهدد تنامي التصحر في أنحاء العالم باضافة ملايين أخرى الى الفقراء الذين يُرغمون على البحث عن مواطن جديدة وأسباب للعيش. لقد تدهور ما بين 10 و20 في المئة من الاراضي الجافة. وتقدر المساحة الاجمالية للاراضي المتأثرة بالتصحر بين 6 ملايين و12 مليون كيلومتر مربع.
ضياع تربة مئات السنين
تحتوي الاراضي الجافة على 43 في المئة من الاراضي الزراعية في العالم. وتقدر خسارة الانتاج الزراعي التي يسببها التدهور بنحو 42 مليار دولار سنوياً. وقد تم هجر ثُلث الاراضي الزراعية في العالم خلال السنوات الأربعين الماضية لأن انجراف التربة جعلها غير منتجة. وتشهد كل سنة خسارة 20 مليون هكتار اضافية من الأراضي الزراعية التي إما تصبح متدهورة الى حد يجعلها غير صالحة لانتاج المحاصيل وإما تُفقد بسبب التوسع العمراني.
خلال العقود الثلاثة الماضية، أدت الحاجة الى محاصيل اضافية لاطعام العدد المتزايد لسكان العالم الى اشتداد الضغط على الاراضي والموارد المائية. وبالمقارنة مع سبعينات القرن العشرين، يحتاج 2,2 مليار شخص اضافي الى طعام حالياً. وقد استطاع انتاج الغذاء مجاراة النمو السكاني حتى الآن، لكن استمرار التوسع يعني أننا قد نحتاج الى طعام اضافي بنسبة 60 في المئة خلال السنوات الثلاثين المقبلة. والحاجة المتنامية الى أراض زراعية مسؤولة بنسبة 60 الى 80 في المئة عن تعرية غابات العالم.
التصحر موجود الى درجة معينة في 30 في المئة من الاراضي الزراعية المروية، و47 في المئة من الأراضي الزراعية التي يرويها المطر، و73 في المئة من أراضي الرعي. ويخسر العالم سنوياً 1,5- 2,5 مليون هكتار من الاراضي المروية، و3,5- 4 ملايين هكتار من الاراضي الزراعية المطريّة، و35 مليون هكتار من المراعي، بسبب تدهور الاراضي.
عودة التربة التي تفقد نتيجة الانجراف عملية بطيئة. فقد يستغرق تكون طبقة تراب بسماكة 2,5 سنتيمتر نحو 500 سنة. وتشكل العواصف الغبارية مشكلة متفاقمة في مناطق كثيرة، مما يؤثر على صحة الناس والنظم الايكولوجية محلياً وحتى مسافات بعيدة. على سبيل المثال، العواصف الكثيفة التي تهب من صحراء غوبي تؤثر على أجزاء كبيرة من الصين وكوريا واليابان، فتسبب تزايداً في حالات الحمى والسعال والتهاب العينين أثناء موسم الجفاف. كما تبين أن الغبار المنبعث من الصحراء الافريقية الكبرى يسبب مشاكل تنفسية في مناطق بعيدة، حتى أميركا الشمالية، ويؤثر على شعاب مرجانية في البحر الكاريبي.
نحو ميثاق عالمي لمكافحة التصحر
أعلنت الأمم المتحدة 2006 سنة دولية للصحارى والتصحر. وهي أيضاً الذكرى العاشرة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، التي باتت تضم في عضويتها 191 طرفاً يمثلون جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وتتكثف الجهود هذه السنة بشكل خاص للتصدي للتصحّر، الذي تشمل عواقبه ما يأتي:
· تضاؤل انتاج الغذاء، وتراجع انتاجية التربة، وانخفاض المرونة الطبيعية للاراضي.
· تزايد فيضان مجاري الانهار، وتراجع نوعية المياه، وترسب الطمي في الأنهار والبحيرات والسدود وقنوات الملاحة.
· تفاقم المشاكل الصحية بسبب الغبار الذي تذروه الرياح، بما في ذلك التهابات العينين والعلل التنفسية وأمراض الحساسية والاجهاد العقلي.
· خسارة موارد الرزق مما يرغم الناس المتأثرين على الهجرة.
"لا تهجروا الأراضي القاحلة" شعار يوم البيئة العالمي لسنة 2006. وتستضيف العاصمة الجزائرية الاحتفالات الدولية في 5 حزيران (يونيو) الجاري. وقد أشار الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الى رمزية إقامة هذه الاحتفالات في القارة الافريقية، "التي تغطي الصحارى والأراضي الجافة مساحات كبيرة منها، مما يجعلها الأكثر تأثراً بالعواقب المدمرة لتدهور التربة الخصبة". ولفت الى "الثروات الطبيعية والبشرية التي قلما تستغل وكثيراً ما يساء استعمالها، مما يحتم على أفريقيا مواجهة تحديات العولمة، خصوصاً ما يتعلق بحاكمية أفضل وتنمية مستدامة يكون البعد البيئي عمود ارتكازها". ودعا المجتمع الدولي الى دعم الشراكة الجديدة لانماء افريقيا (NEPAD) كمبادرة نموذجية في التنمية الصديقة للبيئة، والى تبنّي ميثاق عالمي للصحارى ومكافحة التصحّر.
منع التصحر أسهل من عكسه
وتبقى الأراضي الجافة فقيرة للأسباب الآتية:
· سكانها الفقراء، ولا سيما النساء، نادراً ما يكون لهم صوت سياسي قوي. وهم يفتقرون غالباً لخدمات أساسية مثل الرعاية الصحية والارشاد الزراعي والتعليم، وثمة تمييز مجحف بحق النساء في أنظمة ملكية الأراضي.
· كثيراً ما يفتقر سكان الأراضي الجافة لضروريات زراعية مثل الأدوات والأسمدة والمبيدات والمياه والبذور. وهم لا يستطيعون الوصول الى الأسواق بالشكل المناسب، ونادراً ما يبيعون منتجاتهم بأسعار معقولة لتدني نوعيتها نسبياً.
· غالباً ما تُحرم المجتمعات المحلية من فوائد الموارد المحلية الأخرى، مثل المعادن المستخرجة والمقاصد السياحية.
· الوصول الى المياه وحقوق استغلالها كثيراً ما تكون غير كافية. وغالباً ما تدار الموارد المائية على نحو سيىء مما يؤدي الى زيادة الاستهلاك والتملح.
· كثيراً ما تتعرض الأراضي لاستغلال ورعي مفرطين، يضعفان إنتاجيتها.
· التجمعات السكانية في الأراضي الجافة تتأثر بالجفاف بشكل حاد، وكثيراً ما تعتمد على المواشي أو المحاصيل الكفافيَّة الضئيلة لقوتها اليومي، وتفتقر لاحتياطات من الطعام أو المال لتتحمل السنوات العجاف.
ان مكافحة الفقر في الأراضي الجافة تتطلب التصدي لجميع هذه المشاكل في وقت واحد. وفي كلمة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لمناسبة يوم البيئة العالمي إشارة الى ما ورد في "تقرير الألفية لتقييم النظم البيئية العالمية"، أن من الصعب عكس مسار التصحر، لكن من الممكن منعه، مضيفاً: "لن تخفف حماية الأراضي الجافة واستصلاحها من العبء المتزايد على المناطق الحضرية في العالم فحسب، بل انهما سيساهمان في إحلال مزيد من السلام والأمن في العالم، وسيساعدان أيضاً في حفظ المناظر الطبيعية والثقافات التي يعود تاريخها الى فجر الحضارة وتشكل جزءاً أساسياً من تراثنا الثقافي".
فستق الأطلس
بقايا ماضي الصحراء الجزائرية
شجرة مثمرة مقاومة للتصحر تستحقّ عناية خاصة لتنمية البادية ودعم صمود أهلها
فتيحة الشرع (غرداية، الجزائر)
تنتشر في الجنوب الجزائري منخفضات يطلق عليها اسم الضايات (جمع ضاية) ينمو فيها غطاء نباتي متنوع خاص بفضل توفر المياه التـي تتجمع في الشتاء وتشكل خزاناً أرضياً. مشهـد علوي مـن نافذة طائرة يظهـر الضايات نقاطاً خضراء متناثرة، يغلب عليهـا وجـود نباتات شوكية وشجرة فستق الأطلس Pistacia atlantica.
ارتبطت شجرة فستق الأطلس، أو البطم، بالمناطق الصحراوية الجافة. بعضها يعمّر ألف سنة ويطلق عليه علماء النبات تسمية "بقايا الماضي". وهي تقاوم درجات الحرارة المرتفعة، وتتأقلم مع فترات الجفاف الطويلة، ويمكنها أن تنمو في الأماكن الصخرية. ولا تتأثر بملوحة المياه والتربة، بل تتكيف مع هذه الأوساط.
في حضانة السدر
ترتفع شجرة فستق الأطلس بين 7 و10 أمتار، ويوحي منظرها من بعيد كأنها فطر عملاق. تاجها مستدير، جذعها قصير يمكن أن يتجاوز قطره المتر، وتشبه قشرتها المتشققة شجرة الدردار. أما الأوراق فهي من النوع المركب، وريقات مجنحة قليلاً تتساقط كلياً في فصل الشتاء. زهورها المذكرة والمؤنثة ترتكز على دعائم مختلفة. ولها ثمار بحجم حبة البازلاء، تكون حمراء في البداية ثم تأخذ اللون الأزرق عند نضجها. وتمتد جذورها إلى أعماق تصل إلى 40 متراً، تاركة المياه السطحية لنباتات السدر الشوكية التي تربطها بها علاقة نفعية عجيبة.
الدارس لتاريخ شجرة فستق الأطلس يلاحظ أنها تطورت مع مرور الزمن واكتسبت خاصيات جعلتها تقاوم ظاهرة تصحر محيطها وتبقى صامدة. غير أن مساحة تواجدها في تقلص مستمر من جراء عدة عوامل، أهمها الاستغلال البشري الجائر، وهي حالياً مهددة بالانقراض.
لوحظ منذ سنوات أن عملية تكاثر فستق الأطلس وتجدده تكاد تكون منعدمة. ويعود هذا الى احتمالين، إما انتشار البذور بصورة سيئة، وإما تلف الفروع الأولى برعي الماشية. وما نشاهده اليوم من شجيرات حديثة النشأة يرجع الفضل في نموها وبقائها، حسب ما يروى، إلى طيور تتغذى على ثمارها وتطرح فضلاتها داخل السدر الشوكي. وشيئاً فشيئاً يشتد عود الشتول الطالعة وتضغط على السدر فيزول تاركاً المجال لشجرة الفستق كي تواصل نموها.
في أولى مراحل النمو تكون النبتة هشة طرية تنجذب إليها قطعان الماشية، وخاصة الماعز. وهي لا تنجو من ذلك إلا إذا نمت وسط نباتات السدر الشوكية التي تضمن لها الحماية. وبفضل الروث التي تتركه الماشية عندما تحك مؤخرتها على السدر، تجد نبتة فستق الأطلس مكاناً غنياً بالعناصر اللازمة لنموها.
استغلال حتى الانقراض
يتميز خشب فستق الأطلس بالقساوة، مما ساعده في الصمود أمام عمليات القطع. وهو يستخدم كوقود تنبعث منه رائحة متميزة. كما يدخل في صنع الحلى التقليدية ذات الألوان الطبيعية، خاصة عند قبائل الطوارق في أقصى الجنوب. ويصنع منه سكان البادية ركائز لخيامهم وبكرات للآبار. وتعطى الأوراق علفاً للماشية والإبل، أما الحويصلات التي تتشكل على الأوراق فتدخل في صناعة الحبر، وفي الصيف تقطر منها مادة صمغية (راتنج) يمضغها سكان البادية كاللبان. وتطحن ثمار فستق الأطلس تطحن وتؤكل مع التمر، كما يستخرج منها نوع من الزيوت النباتية.
لكن علاقة أهل الصحراء بفستق الأطلس وصلت إلى القطع الجائر لإحلال محلها الزراعات الموسمية. يروى أن رجلاً كان يعمل حارساً للآبار أخذ بعض البذور ووضعها في وسط السدر وواظب على سقيها ورعايتها حتى كبرت وامتلأت المنطقة بشجر فستق الأطلس. وقد تم تكريم الرجل، ولكن للأسف لم يفكر أحد في تقليده!
اختفى طائر النعام في أرض الجزائر، والغزال في طريق الزوال، ويبدو أن فستق الأطلس هو الآخر سيصبح من ذكريات الصحراء.