Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
وحيد مفضل كسوف الشمس  
أيار (مايو) 2006 / عدد 98
 كسوف الشمس في 29 آذار (مارس) 2006 ألقى ظلاً على أربع قارات، بادئاً في شرق البرازيل، عابراً المحيط الأطلسي الى شمال أفريقيا وبعض اوروبا، فالشرق الأوسط وآسيا الوسطى وغرب الصين ومنغوليا
كسوف الشمس، الذي شهده العالم في 29 آذار (مارس) الماضي وأمكن متابعته في أكثر من بلد عربي، ظاهرة فلكية نادرة تتجلى فيها دلالات كثيرة لا تخلو من تناقض. فمشهد الكسوف في ذاته لا يخلو من جاذبية، على رغم وحشة معناه الدال عليه اختفاء قرص الشمس. وهو كان مثار بهجة وفرح لكثيرين باعتباره حدثاً نادراً وطريفاً، مع أن فيه من الظلمة والقتامة ما يكفي للتذكير بمشهد نهاية العالم.
من الملاحظات التي أثارت الانتباه في ذلك اليوم الحشد الإعلامي والجماهيري غير المسبوق في المنطقة العربية، الذي تمثل في نقل معظم الفضائيات والقنوات التلفزيونية لوقائع المشهد وتطوراته، خصوصاً من الصحراء الليبية حيث شوهد الكسوف كاملاً. وهذا تماماً عكس ما رافق كسوف آب (أغسطس) 1999 الذي ملأ الدنيا رعباً.
ترى ما هي هذه الظاهرة؟ وما فوائدها وأضرارها؟ وما سبب المتناقضات الثائرة حولها؟
كسوف الشمس حدث فلكي فريد وإن كان غير استثنائي. فهو يحدث مرتين على الأقل كل عام، في بداية الشهر القمري أو نهايته. وعادة ما ترافقه، قبله أو بعده بنصف شهر، ظاهرة أخرى أقل جاذبية هي خسوف القمر. ويحدث الكسوف عندما يحتل القمر موقعاً متوسطاً بين الشمس والأرض، فيحجب ظله قرص الشمس ـ ظاهرياً ووقتياً ـ عن الجزء المواجه له من الأرض. ونظراً لضآلة حجم القمر مقارنة بالشمس، واستحالة أن يغطي ظله كامل وجه الأرض، فإن ظاهرة الكسوف لا يمكن رؤيتها إلا من خلال مواقع محددة، تختلف من كسوف إلى آخر اعتماداً على وضع الأرض وحركتها بالنسبة للشمس والقمر. واعتماداً على هذا، وأيضاً على مقدار المساحة المحتجبة من الشمس، فإن الكسوف ينقسم إلى أنواع ثلاثة، هي الكسوف الكامل والجزئي والحلقي.
بالنسبة إلى كسوف 29 آذار (مارس) 2006، فقد أمكن مشاهدته بشكل كامل أولاً في منطقة ناتال شمال شرق البرازيل. وتتابع ظهوره بعد ذلك في نحو 11 دولة تنتمي إلى أربع قارات، قاطعاً نحو 14,500 كيلومتر خلال أكثر من ثلاث ساعات، هي الفترة التي استغرقها الكسوف من لحظة ميلاده الى أفوله.
وكان آخر كسوف كامل عاصرته المنطقة العربية سابقاً هو الذي حدث في آب (أغسطس) 1999، واستبق بالعديد من التحذيرات "العلمية" التي وصلت بالناس إلى درجة الرعب، ما أعاق الملايين عن مجرد الخروج الى الشوارع أثناء حدوثه. أما الكسوف الكلي التالي الذي ستتاح متابعته في المنطقة فموعده سنة 2027 أي بعد 21 عاماً.
هل من فوائد للكسوف؟
كسوف الشمس، كظاهرة فلكية نادرة، يمكن الاستفادة منه في أكثر من مجال وتطبيق، ومن ذلك:
-        ضبط التقويم القمري، ومن ثم تحديد بدايات الشهور العربية بدقة، وهو ما يفيد في الرؤية الفلكية للأعياد والمناسبات الدينية الإسلامية المتعددة.
-        إجراء بعض القياسات والأرصاد الفلكية التي يصعب إجراؤها في الظروف العادية أو التي تستحيل محاكاتها من خلال التجارب.
-        تدقيق التوقيت الزمني بين الدول، من واقع رصد زمن حدوث الظاهرة في الأماكن المتعاقبة التي تمر بها.
-        تنشيط الحركة السياحية في عدد من الدول، خصوصاً في الأماكن التي يمكن منها رؤية الكسوف الكامل.
وفي المقابل، ليست للظاهرة أضرار جسيمة تذكر، اللهم سوى اضطراب محدود ووقتي في سلوك بعض أنواع الطيور والحيوانات النهارية، وانخفاض درجة الحرارة على سطح الأرض لدقائق معدودة، وإن كان بشكل حاد ومفاجئ نسبياً، إضافة إلى الأضرار التي يمكن أن تصيب أعين الأشخاص ممن يطيلون النظر الى مشهد الكسوف دون أخذ الاحتياطات اللازمة. وليست للظاهرة تداعيات أو توابع يمكن أن تؤثر في استقرار الأرض أو تسبب بركاناً أو زلزالاً أو أي كارثة أخرى، كما يعتقد كثيرون.
معانٍ في الثقافات والحضارات
على رغم تقدم معظم الحضارات القديمة في رصد الظواهر الفلكية وعلوم الفلك عموماً، إلا أن تفسير ظاهرة كسوف الشمس ظل لقرون طويلة أمراً محيراًً ومبعث معتقدات ومفاهيم خاطئة، تم تداولها وتمريرها بين عامة الناس وخصوصاً من قبل الكهنة، تارة عن عمد بغرض الترهيب والتهويل، وطوراً عن اعتقاد أصولي بأن ما يحدث هو بالضرورة غضب من الإله أو إشارة الى حيود الشعب أو الحاكم عن الطريق القويم. من هنا تباين تفسير الظاهرة من حضارة إلى أخرى ومن ثقافة إلى غيرها عبر التاريخ الإنساني.
فالصينيون القدماء، على سبيل المثال، كانوا يعتقدون أن الظاهرة تعود إلى محاولة تنّين ضخم ابتلاع قرص الشمس، لذا كانوا يسارعون إلى قرع الطبول وإطلاق المقذوفات النارية لإرهاب التنين المهاجم ودفعه بعيداً عن الشمس! وكان لدى قبائل الفندا في بريتوريا، عاصمة جنوب أفريقيا، تفسير مشابه، إذ اعتقدت أن الكسوف ما هو إلا طائر شارد عملاق يحاول أيضاً ابتلاع قرص الشمس. أما الفايكنغ، قراصنة البحار الاسكندينافيون، فأرجعوا الظاهرة إلى مطاردة الشمس والقمر لذئبين شريرين، وأن الكسوف الكلي يحدث عندما ينجحان في الإمساك بهما.
ومثلما كانت هذه الظاهرة عرضة للتفسير الخاطئ، ظلت مدلولاتها حقلاً للتأويلات ومبعثاً للخرافات والأساطير المغرقة في التشاؤم. في جنوب أفريقيا، مثلاً، يعتبر بعض القبائل كسوف الشمس نذير شؤم وأمارة سيئة على قرب وقوع أمور محزنة، كوفاة زعيم أو حدوث مجاعة أو انتشار وباء.
وفي الهند معتقدات بأن كل من وجد ممسكاً بسكين أثناء الكسوف سوف تؤول به الحال إلى قتل نفسه، وأن كل الطعام المطهو الذي لم يؤكل قبل الكسوف يجب التخلص منه لأنه أصبح فاسداً. حتى النساء الحوامل لم يسلمن من تلك المعتقدات، فهناك خرافة شائعة تقول بأن أي امرأة حامل تكون خارج دارها أثناء الكسوف سوف تلد طفلاً أعمى أو مشقوق الشفة.
بيد أن النظرة لم تكن دائماً سلبية أو قاتمة. فبعض القبائل في أميركا الجنوبية، على سبيل المثال، تعتقد أن الشمس والقمر يتركان موقعهما أثناء الكسوف بغرض مراجعة شؤون الأرض والتأكد من سيران الأمور في نصابها. وتؤمن قبائل أخرى في الأمازون بوجود حالة حب بين الشمس والقمر، وأن هذا سبب تقاربهما وتقابلهما بهذا الشكل.
ومع تقدم علوم الفلك ونجاح العلم في إعطاء  تفسيرات مقنعة للظواهر الحادثة، تبدلت الحال وبهتت غالبية الأساطير والأباطيل الشائعة. وهذا ما ساعد لأن يصبح مشهد كسوف الشمس مقصداً سياحياً ومناسبة للترويج والتفريح والاحتفال.
عند العرب والمسلمين
خلافاً لمعظم الثقافات والمجتمعات الأخرى، يمكن القول انه لا توجد خصوصية معينة أو معتقدات محددة لظاهرتي كسوف الشمس وخسوف القمر في المعتقد أو الفكر الشعبي العربي والإسلامي. وهذا يعود إلى سببين أو موروثين أساسيين. الأول ديني قائم على تعاليم الإسلام، الذي تتشكل منه غالبية سكان المنطقة، وكان له موقف محدد وحاسم من هذه الظاهرة. فقد أشار الرسول الكريم إلى أن ما يحدث هو من تدبير الله ولا علاقة له بأي حدث إنساني آخر، وذلك بقوله "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته". وفي المقام ذاته يوصى الرسول باللجوء الى الصلاة والتدبر والتصدق عند رؤية مشهد الكسوف، وذلك بقوله "فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا"، مشيراً إلى أنه مشهد من مشاهد يوم القيامة.
الموروث الثاني علمي، ويعود إلى ريادة العلماء العرب في علم الفلك، وهي ميزة ساعدت مبكراً على إيجاد تفسير علمي منطقي ومقنع لظاهرة الكسوف وغيرها من الظواهر الفلكية الأخرى الغامضة. ولعلنا في هذا الصدد نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، أن العالم العربي الفلكي والرياضي الحسن بن الهيثم (965م ـ 1041م) ألف كتاباً خاصاً عن الكسوف والخسوف، شارحاً أسبابهما وكيفية حدوثهما وصفاتهما. ولا شك أن هذا العمل وغيره مما سبق أو لحق قد ساهم بشكل مباشر في عدم نشر معتقدات خاطئة أو أباطيل بشأن معنى الظاهرة ومدلولاتها.
الدكتور وحيد محمد مفضل باحث في المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد في الإسكندرية، مصر.
 
 

التعليقات
 
محمد ابو صلاح
شكرا يا حوت
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
مرسيليا – "البيئة والتنمية" تحديات المياه في أوروبا المتوسط
إنصاف عثمان الزاكي - الخرطوم حصاد المياه في السودان
يوسف مسلماني (دمشق) الضجيج في المدن السوريـة
أ.يانكيفيتش، د. غولوبيف CDB ME RUBIN
أماندا بيك (سان فرنسيسكو) نانوتكنولوجيا وصحة البشر
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.