تتحمل شجرة الغاف الصحراوية الحر الشديد والرياح الحارقة وفقد الماء، وهي مثالية لمكافحة التصحر، لكن يهددها رعي الجمال والماعز وقطع الأغصان. وينادي باحثون في الامارات باعتبارها رمزاً وطنياً كحافز لحمايتها. هذا المقال عن الغاف ينشر بالتنسيق مع الصندوق العالمي لحماية الطبيعة وجمعية الامارات للحياة الفطرية
رشمي دي روي (أبوظبي)
خلال فترات الجفاف الطويلة، عندما تكون معظم نباتات الصحراء في سبات، تنشر شجرة الغاف (Prosopis cinervaria) أغصانها الوارفة مثقلة بالأزهار والثمار. فهذه الشجرة تستطيع العيش في ظروف قاسية، متحملة الحرارة الحارقة والرياح اللافحة والتبخر العالي. وهي تعتبر حلاً لمشكلة التصحر، أذ تثبت الكثبان، وتحسن التربة، وتتكاثر تلقائياً باطلاق فروع جديدة من جذورها الأصلية.
ارتبطت شجرة الغاف بالعادات والتقاليد العربية واحتلت مكانة في الفولكلور. ولكن يدمرها حالياً الرعي الجائر والافراط في قطع أغصانها، وتهدد غياضها مشاريع التنمية المدينية وتوسيع البنى التحتية. وتقول رزان المبارك، مديرة جمعية الحياة الفطرية في الامارات: "لقد ارتأى العلماء منذ زمن طويل إعلان شجرة الغاف "رمزاً وطنياً" وحمايتها لمنزلتها الثقافية والجمالية والبيئية في الامارات".
الغاف نوع متوطن من الأشجار، خصوصاً في الامارات وعُمان والسعودية. تتحمل الجفاف، ودائمة الاخضرار، وقد تكون النبتة الأقوى في البيئة الصحراوية القاسية. وهي تنمو على الكثبان الرملية الخفيضة وصفحات الرمال المتموجة وأطراف السهول الحصوية، لا سيما في إمارات أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة.
وجود الغاف في منطقة ما مؤشر على توافر مياه جوفية. فهذه الشجرة تمتص الماء المحتبس عميقاً في الرمال، اذ تتغلغل جذورها الى عمق 30 متراً لبلوغه. لذا هي قادرة على تحمل شح الأمطار والبقاء خضراء. لكن مدى قدرتها على الصمود في حال استُنزفت المياه الجوفية لم يتأكد بعد.
فوائد الغاف
أزهار الغاف وثماره وأوراقه وأغصانه ولحاؤه وجذوره موارد وموائل لتشكيلة من النباتات والحيوانات المتوطنة. هذا يجعله نوعاً أساسياً تعتمد عليه سائر الأنواع، ويؤدي دوراً مكملاً للسلسلة الغذائية في النظام الايكولوجي، اذا زال أحدث انقراضاً نهائياً لأنواع أخرى في ذلك النظام.
تبني طيور كثيرة أعشاشها في شجر الغاف. ومنها البومة النسرية الصحراوية والغُداف البني الرقبة والدوري والصقر الطويل القائمتين. وتعشش أنواع أخرى في تجاويف الجذوع والأغصان. وتلجأ طيور كثيرة الى هذه الأشجار لتبيت فيها. وتقيم يرقات الخنافس والفراشات على ثمارها. ويدخل أبو بريص (سام أبرص) شقوقاً في لحائها الخشن ليستريح أثناء النهار، كما يضع بيضة فيها. ويجني النحل رحيق أزهارها لينتج عسلاً رفيع الجودة. وتمتص الزيزان العصير من لحائها، فيما تستخلص يرقاتها الغذاء من الجذور.
وتتخذ نباتات شجيرية ومتعرشة من أشجار الغاف دعامات تنمو عليها. وتوفر ظلالها مناخاً موقعياً مؤاتياً لكثير من الحيوانات في حر الصيف الحارق. وتؤوي الجذور جراثيم تثبت النيتروجين الجوي في التربة مما يزيد خصوبتها.
سكان الصحراء استفادوا تقليدياً من الغاف، فكانوا يأكلون ورقه ويستخدمون خشبه وقوداً ومادة للبناء والأثاث، ويقيمون حظائر مواشيهم في غياضه. واليوم أضيفت الى قيمته الاقتصادية ميزة جمالية في بعض المدن والقرى حيث بات يزرع بكثافة. لكن استغلاله بشكل جائر يجعل تجدده متعذراً ويعرضه للزوال في بعض المواقع. والخطر الأكبر الذي يهدد الغاف هو رعي الجمال والماعز، والافراط في قطع الأغصان لاستعمالها علفاً خصوصاً اثناء الصيف. ويشكل الافراط في استخراج المياه الجوفية تهديداً آخر لم يتضح أثره بعد في المدى البعيد، لكنه قد يكون مدمراً اذا أصاب طبقات التربة التي تمتص منها الجذور المياه.
الانحسار المتسارع لشجر الغاف والأراضي الغابيّة في الامارات يعني إلحاق الضرر بالارث الثقافي والبيولوجي. ويعدّ الصندوق العالمي لحماية الطبيعة- مكتب الامارات لاطلاق حملة لحماية الغاف البري. ويعتبر أن إضفاء صفة "رمز وطني" على شجرة الغاف من شأنه أن يبرز أهميتها الجمالية والثقافية والبيئية ويدفع الى حمايتها.