يتقاطر ملايين الحجاج كل عام إلى المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، حيث ضريح النبي محمد. وقد شهد المسجد عمليات توسيع مستمرة منذ قرون، لكنها لم تجارِ تزايد أعداد الحجاج الذين يحتشدون في ساحاته. وكان موسم الحج قبل سنوات يصادف أشهر الخريف والشتاء الأكثر برودة، لكن هذا الإطار الزمني يتغير تدريجياً، فوفق التقويم القمري يتقدم زمن الحج إلى أشهر الصيف الشديدة الحرارة.
ومع مقاربة الحرارة في الصيف خمسين درجة مئوية، تصبـح الساحات الرخامية التي يحتشد فيها الحجاج موقعاً قائظاً. هنا برز تحد مزدوج: كيف يمكن تحسين المناخ المحلي الطبيعي حول المسجد من دون المسّ بميزاته المعمارية؟
وكان الحل غرس «غابة» من المظلات الواقية.
تعاقدت مجموعة بن لادن السعودية على التخطيط البنيوي للمشروع مع شركة SL–Rasch الألمانية للتصميم. وكان واضحاً منذ البداية أن النسيج PTFE (بولي تترافلورو إيثلين) سيكون وحده قادراً على تلبية المتطلبات الاستثنائية، فأي نسيج آخر لا يوفر حماية كاملة من الأشعة فوق البنفسجية المؤذية أو يلبي المواصفات الصارمة المطلوبة. كمـا يجب أن يتمتع النسيج بمقاومة عالية جـداً للشد بسبب قوة الرياح، وبمرونة وثبات لوني ومقاومة للحريق وتظليل فعال ونفاذ ضوئي مناسب. النسيج PTFE الأبيض البالغ المتانة، الذي طورته شركة Sefar للهندسة المعمارية خصيصاً لهذا المشروع الضخم، لا يجوز أن يكون أبيض اللون بسبب شدة الضوء، ولأن النفاذية القوية يمكن أن تبهر الأشخاص الموجودين تحت المظلة. لذلك تم اختيار نسيج رملي اللون بدلاً منه. وإضافة إلى ذلك، اقتضى تزيين الوجه الأسفل للمظلات بزخارف مشرقية مصنوعة من أشرطة PTFE زرقاء.
منذ أيلول (سبتمبر) 2010، تم تركيب 250 مظلة في المنطقة المحيطة بالمسجد، تبلغ المساحة السطحية لكل منها 25.5 x 25.5 متر وارتفاعها 15 متراً. وإذ تنفتح هذه المظلات معاً، تشكل منطقة مظللة مساحتها 143 ألف متر مربع.
ومثل الأزهار المتفتحة، تمَّت برمجة المظلات لتنفتح وتنغلق بحيث تتأخر الواحدة عن الأخرى فترة وجيزة جداً تمنع تصادم أجزائها المتحركة. وتم تنسيق تشغيلها شبه الصـامت آليـاً مع التغيرات في درجة الحرارة اليومية. فهي تنفتح كل صباح مشكلة سقفاً شبه شفاف، وتنغلق كل مساء تاركة غابة أنيقة من 250 عموداً وسط ساحات عامة. وتستغرق عملية الفتح والاغلاق ثلاث دقائق فقط.
توفر المظلات المفتوحة في الصيف تظليلاً خلال النهار، فتعكس مقداراً كبيراً من إشعاع الشمس. وعندما تنغلق ليلاً، ترتدّ الحرارة المتخلفة التي تمتصها الأرضيات الرخامية والجدران إلى الجو. وتنعكس العملية شتاء، فعندما تكون درجة الحرارة منخفضة نسبياً، تنغلق المظلات نهاراً كي تدفئ الشمس الموقع، وتنفتح ليلاً لتحتجز الحرارة قرب سطح الأرض.
وتؤدي أعمدة المظلات عدة وظائف. فالمظلة المفتوحة توجه المطر إلى وسط العمود الموصول بشبكة التصريف. وتوفر المصابيح في تيجان الأعمدة الإنارة في الليل.
وقـد نجـح هذا المشروع بتخفيض الحرارة في ساحات المسجد نهاراً 8 درجات مئوية على الأقل.