Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
الحسن بن طلال نحو إدارة شاملة للموارد  
أذار (مارس) 2006 / عدد 96
 الكلمة الافتتاحية التي ألقاها سمو الأمير الحسن بن طلال بواسطة الأقمار الاصطناعية في مستهل أعمال المنتدى الوزاري، الذي عقد في شباط (فبراير) 2006. وقد خص بها مجلة "البيئة والتنمية"، التي ترجمت النص إلى العربية.
تعاني البيئة في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا بسبب الخلاف السياسي وعدم الاستقرار الاجتماعي، إضافةً إلى عدم تعزيز الأمل بحياة أفضل لأجيال المستقبل. لكن الاعتقاد بأن الموارد لا حدود لها وأن البيئة دائمة العطاء والتجدد هو اعتقاد لا أساس له من الصحة. فالوقت يمضي سريعاً، والتخطيط المبني على قرارات غير مدروسة لا مكان له في سيناريو التدهور البيئي.علينا أن نتعالى على السياسات الفئوية الضيقة، وأن نتجاوز النظر إلى منطقتنا على أنها مجموعة مضطربة من الدول والأعراق. إن تحقيق الرخاء والازدهار لشعوبنا يعتمد على حسن إدارة البيئة البشرية.
نحن في غرب آسيا وشمال إفريقيا وآسيا الكبرى بحاجة ماسة إلى تعاون فوق قطري لتحقيق توازن بين الموارد من ناحية والحاجات البشرية والمادية من ناحية أخرى. فالحاجات البيئية لمجتمعاتنا لا يمكن تلبيتها إلا من خلال تعاون إقليمي في مجالي المياه والطاقة، بعيداً عن المصالح الخاصة بكل من هذه الدول.
يظن البعض أنني أعرض آمالاً واهمةً، ولكن هل يجوز لومي لكوني أسعى إلى إيجاد بدائل لإنشاء خطوط أنابيب البترول والغاز حيث يجد المنتجون والمستهلكون وأولئك الذين يعيشون حول مرافق إنتاج الطاقة وخطوط نقلها أنفسهم وسط خطر كبير؟
إن بلدان آسيا وشمال إفريقيا في أمس الحاجة إلى ميثاق للمياه والطاقة خاص بها لتحسين الوضع البشري العام وضمان أمن الطاقة الإقليمي. وبالنظر إلى المستقبل البعيد، لا بد من العمل على التنسيق بين المواثيق القائمة حالياً في إطار هيئة عالمية لتنظيم الاستثمار في الطاقة فضلاً عن الاتجار بها ونقلها.
في العام 1946، عقد الزعيم الهندي جواهر لال نهرو في دلهي مؤتمراً للعلاقات الآسيوية بهدف استكشاف سبل التعاون بين دول منطقتنا الغرب آسيوية وجنوب آسيا. نحن بحاجة إلى ما هو أفضل من السياسات الجزئية التي تركز بشكل محدود على تبادل النفط والأيدي العاملة إذا شئنا أن نحقق تطوراً في نوعية حياة مواطنينا.
وفي العام 1988، أقر بيان صدر عن المجلس التشريعي الياباني ما لاحظه نهرو قبل نحو أربعة عقود، وهو أن أمن قارتنا واستقرارها يتوقفان على تحقيق تفاهم حول الموارد المشتركة بين الدول النفطية والدول المجاورة غير المنتجة للنفط. وتبدو الحاجة اليوم أكبر من أي وقت مضى إلى برامج لتنمية الموارد البشرية بغية تأمين فرص عمل في منطقتنا.
ينص تقرير البنك الدولي لسنة 2005 بشأن آخر التطورات والآفاق المستقبلية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على أن المنطقة بحاجة إلى توفير قرابة 100 مليون فرصة عمل خلال السنوات العشرين المقبلة. ولتحقيق هذا الهدف، على المنطقة أن تحقق نمواً اقتصادياً مستمراً بمعدل 6 أو 7 في المئة سنوياً.
إن السبيل الأمثل لمعالجة الركود الاقتصادي هو الاستجابة للمتطلبات التي تخص البشرية بأسرها ولا تقتصر على شعب دون سواه. ولا بد لسياسات أمن الطاقة من أن تعنى بالجانب الانساني بالإضافة إلى إهتمامها بمرافق إنتاج الطاقة وخطوط نقلها. وقد يصح تسمية هذا الأسلوب، الذي يجمع بين الحاجات البشرية والمادية لكل الشعوب، بأنه "سياسة من أجل البشرية".
في اعتقادي أن التجمعات التي تنظمها هيئات مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة هي المنتديات الملائمة لطرح الأسئلة حول متطلبات شعوب منطقتنا وتطلعاتهم، في حين نلمس عدم الاستجابة السريعة لأصحاب القرار في العمل على تشكيل مؤسسات دائمة للتعاطي مع الحاجات الإقليمية.
في إطار هذه اللقاءات القيّمة، ركز اجتماع دبي للمنتدى البيئي الوزاري العالمي والذي عقد تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، على ثلاثة تحديات رئيسية تواجه بيئتنا البشرية والمادية وهي: أمن الطاقة، تغير المناخ، تأمين الحصول على الطاقة في العالم النامي لتعزيز النمو الاقتصادي ونوعية الحياة.
أود أن أشير هنا إلى تقرير "حدود النمو" الذي رُفع إلى نادي روما عام 1972 وتمت مراجعته وتجديده بعد ما يقارب الثلاثين عاماً. لقد تنبأ التقرير الأولي بتراجع اجتماعي واقتصادي وبيئي، وأكد بعد ثلاثة عقود أن البشرية تجاوزت على نحو خطير حدود قدرة كوكبنا على التحمل. كما أن هنالك تقريراً هاماً آخر بعنوان "التعليقات حول تغير المناخ" من إعداد ديفيد واسديل. ومن أجل الصالح العام، ينبغي أخذ هذه التقارير وغيرها من الدراسات القيمة على محمل الجد، إضافة إلى تنقيحها والعمل بها من قبل الحكومات والمنظمات غير الحكومية على حد سواء.
لا يخفى علينا أن كوكبنا بأسره يعيش أزمة حقيقية تقع في مركزها البلدان الإفريقية الصحراوية. ومن مظاهر هذه الأزمة انعدام الأمن الغذائي وتزايد الفقر وارتفاع معدل وفيات الأطفال والأمهات، واكتظاظ أحياء البؤس. أما قارتنا الآسيوية فإنها تبدو الأكثر ديناميكية من حيث الأهداف الإنمائية للألفية، التي أقرتها الأمم المتحدة. لكن بالرغم من التطور العمراني، لا يزال مئات الملايين من الأشخاص يقطنون أحياء الفقر المدقع.
ويؤكد المتشائمون أنه حتى لو استوفيت الأهداف الإنمائية للألفية، ففي العام 2015 سيضطر نحو 900 مليون شخص إلى السير مسافة كيلو مترين يومياً للحصول على مياه الشرب، وسيفتقر حوالي 6,1 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي. وفي العام 2020، سيعيش أكثر من ملياري شخص في أحياء بؤس داخل المدن.
من ناحية أخرى، تنعم الدول المتقدمة بالنصيب الأكبر من الازدهار. لكن كيف يمكن لنا أن نقبل بأن ينتج 20 في المئة من سكان العالم ما يعادل 80 في المئة من تدهوره البيئي. إن تنامي استخدام الطاقة وتضاؤل قدرة البيئة على تحييد ما ينتج من ثاني أوكسيد الكربون، من شأنهما أن يؤديا إلى تفاقم التحديات البيئية.
الواقع أن لا خيار أمامنا سوى تركيز قدراتنا على تخفيف معاناة الإنسان والبيئة، علماً بأن الطاقة الإجمالية السنوية المستخدمة في العالم اليوم تعادل 8 مليارات طن من النفط وغيره من مصادر الطاقة، ويتوقع أن ترتفع إلى 40 ملياراً بحلول العام 2060. بعدئذ، ستكون المخزونات النفطية المعروفة حالياً كافية فقط للسنوات الثمانين أو المائة التالية، وذلك يتوقف على مدى سرعة الاستهلاك.
لا يجوز للمبادرات والقوانين البيئية الصادرة عن البلدان الغنية أن تسلب من شعب آخر حق استهلاك وقوده الأحفوري، الأمر الذي يرفع كميات الكربون في الغلاف الجوي، كما يحرم قطاعات واسعة من الأسرة البشرية من حقها في الحد الأدنى من حاجاتها الأساسية.
هنالك العديد من البحوث التي تُظهر أن التكنولوجيا اللازمة لتوفير الطاقة البديلة موجودة حالياً. وقد أفادت النتائج التي توصلت إليها دراستان علميتان بتكليف من الحكومة الألمانية بإمكانية توفير كافة الاحتياجات المتعلقة بتوليد الطاقة وتحلية مياه البحر في منطقتي الشرق الأوسط ـ شمال إفريقيا والاتحاد الأوروبي، عن طريق اعتماد تكنولوجيا الطاقة الشمسية المتوافرة في الصحارى مصادراً بديلة للطاقة.
متى ستصادق الأمم المتحدة على ميثاق الأرض (Earth Charter)، أي على إعلان القيم والمبادىء العالمية الضرورية لمستقبل عادل وآمن؟ لقد وضعت مسودة هذا المستند الحافل بالرؤى المستقبلية خلال لقاءات دولية مفتوحة استمرت من مطلع 1997 حتى آذار (مارس) 2000. ولم تلق هذه المسودة المصادقة الرسمية إلى الآن. ينبغي علينا القيام بمبادرة لإدارة البيئة، والخطوة الأولى هي الحوار وفق جدول زمني محدد من أجل إحراز تقدم حقيقي، بسبب عدم إسراع الأمم المتحدة في النظر في هذه القضية.
في آذار (مارس) 2006 سيتم عقد مؤتمر في عمان تحت عنوان: "أصوات من آسيا: تشجيع الحوار والجهد المتبادل". هذا الاجتماع جزء من مشروع مشترك متواصل مع مؤسسة ساساكاوا اليابانية للسلام، يهدف إلى تشجيع الشراكة ضمن منطقة شرق آسيا وغرب آسيا، والتي تشمل إفريقيا من الناحية الثقافية.
إن مبادرة كهذه ضرورية لدفع الإدارة السياسية إلى تبّني برنامج إنساني مشترك يتضمن المسؤولية نحو البيئة كعنصر أساسي. ومما يزيد هذه المبادرة إلحاحاً مخاوف الكثيرين في منطقتنا من أن الصراع من أجل أمن الطاقة يضع أفقر سكان العالم في حالة سبات سياسي واقتصادي.
هنالك حاجة ماسة إلى المزيد من التعاون والتفاعل ليس بين الحكومات فقط، وإنما أيضاَ بين مجموعات المفكرين والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني. ونأمل أن تتقارب منطقة آسيا وإفريقيا مع جنوب آسيا وشرقها من خلال جهد مشترك يهدف إلى توطيد العلاقات ليس على أساس النفط فحسب، بل على أساس التراث الثقافي الزاخر في هذه المناطق. وبهذا يتسع "المجال" أمام حل القضايا العاجلة، كمسألة الأمن البيئي وعملية السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي وإعادة إعمار العراق.
إنّ التعطش إلى الطاقة خصوصاً من جانب الولايات المتحدة وأوروبا والصين، والخوف من نتائج هذا الاندفاع لتأمين مصادر الطاقة، يفرض علينا سياسات قاسية تحرم الأغلبية التي تم إسكاتها في آسيا من الأمل في مستقبل أفضل.
إن أمن البيئة البشرية في المستقبل يتوقف على المشاركة الشعبية الفاعلة. ولن يحدث هذا إلا بتفعيل دور المواطن كشريك معني ببيئته العمرانية والطبيعية. وبذلك نخطو نحو بناء المجتمع المدني وتحقيق التحول الديمقراطي المتوازن.
الحسن بن طلالرئيس منتدى الفكر العربي ورئيس نادي روما
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.