ما زالت المؤشرات تطارد البيئة العربية، لكنها هذه المرة دفعتها صعوداً نحو الأفضل. فمؤشر ''الاستدامة البيئية'' تحوّل هذه السنة إلى مؤشر ''الأداء البيئي''، وجاء معه بالحظ السعيد إلى معظم الدول العربية. والمؤشران يصدران في تقرير سنوي يقدمه إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس فريق من الباحثين ينتمي إلى جامعتي ييل وكولومبيا الأميركيتين.
تقرير سنة 2006 عن الأداء البيئي يشرح أنه لا يلغي التقارير السابقة عن الاستدامة، لكنه يكمّلها. ففي حين يدرس مؤشر الاستدامة البيئية قدرة الدول على الاستمرار في استثمار ثرواتها الطبيعية في المدى البعيد على نحو متوازن، يركّز مؤشر الأداء على الوضع الراهن. وعلى الرغم من هذه الاشارة، تبقى بعض الفروقات في النتائج بين التقريرين مدهشة.
تقرير 2005 غطى 146 بلداً، أما تقرير 2006 فغطى 133 بلداً فقط. لبنانحقق القفزة الكبرى، بانتقاله من المركز 129 في مؤشر الاستدامة، وهو بين الدرجات الأدنى، الى المركز 36 في مؤشر الأداء. تليه الامارات، التي انتقلت من المركز 141 الى المركز 110 في مؤشري الاستدامة البيئية لعامي 2002 و،2005 إلى المركز 47 في مؤشر الأداء البيئي لسنة .2006 السعودية انتقلت من 136 الى ،59 والأردن من 84 الى ،64 وعُمان من 83 الى 60 والمغرب من 105 الى 60 والجزائر من 96 الى 70 ومصر من 115 الى .85 تونس هو البلد العربي الوحيد الذي تراجع في المؤشر الجديد إلى مرتبة 82 من 55.
هل تعني هذه التغيّرات، بالضرورة، تبدّلاً في الأوضاع البيئية؟ واضعو التقرير يحذرون من الوقوع في هذا الخطأ. ففي حين يقيس مؤشر الأداء الوضع الحاضر، يحاول مؤشر الاستدامة استشراف المستقبل. هنا أذكر حادثة حصلت معي أثناء مناقشة تقرير الاستدامة البيئية لسنة 2002 في عاصمة بلد عربي مزدهر، كان ترتيبه في ذلك التقرير في واحدة من أدنى الدرجات. فبعدما اتهم أحد الحضور معدي التقرير بالتحامل على العرب، استنجد بي لنصرته، متسائلاً: كيف يمكن أن نحصل على هذا الترتيب المتدني، ونحن نعيش في حالة ازدهار اقتصادي ورخاء اجتماعي؟ كانت أمامي عبوة ماء، سألت الصديق بعدما شربتها حتى آخر نقطة: ''هل يمكنك أن تصف وضعي في هذه اللحظة بالعطش؟'' وعندما أجاب بالنفي، شرحت أنه إذا كانت هذه العبوة هي كل ما لدي من ماء حتى نهاية الأسبوع، فأنا في وضع سيء جداً من حيث الاستدامة. إذ قبل أن أشرب كمية المياه الوحيدة المتوافرة دفعة واحدة لإرواء عشطي الآني حتى الثمالة، كان عليّ التروّي والبحث عن مصادر مياه أخرى تكفيني حتى نهاية الأسبوع.
كانت مجلة ''البيئة والتنمية'' سباقة في مناقشة تقارير الاستدامة البيئية، وقدمت ملاحظات عدة في السنوات الماضية الى الباحثين في جامعتي ييل وكولومبيا تم الأخذ بكثير منها، فكان تقرير 2005 أكثر تعبيراً عن الواقع من تقرير 2002 الذي سبقه. ومع هذا، بقيت بعض المعطيات ناقصة، في جعل السودان واليمن والمغرب مثلاً تحصل على تقدير مرتفع في الكفاءة البيئية والطاقة، فقط لأن النشاط الصناعي واستخدام الوقود فيها منخفض بسبب الركود. ولا شك أن التقارير السابقة ظلمت بعض الدول العربية.
أما الثغرات في تقرير 2006 فكثيرة، أهمها أنه أهمل دراسة الآثار الصحية للمواد الكيميائية وادارة النفايات ونوعية التربة والتدوير، وحصر الانبعاثات الغازية بثاني اوكسيد الكربون. وفي دراسته للمياه، ركز التقرير الجديد على توافرها حالياً وليس إداراتها الرشيدة للمستقبل، فحصل أحد البلدان العربية على 89 درجة من أصل مئة في بند المياه في تقرير الأداء، مقارنة بـ10 درجات فقط في تقرير الاستدامة. وفي قياسه للصحة البيئية، اعتبر التقرير إبعاد مياه المجارير عن البيوت نجاحاً، ولم يهتمبمعرفة إلى أين تذهب وكيف تُعالج. هكذا حصل أحد البلدان العربية مثلاً على علامات مرتفعة جداً في الصحة البيئية، مع أن 95 في المئة من مجاريره تنقلها الشبكات إلى الأودية والأنهار والبحر والمياه الجوفية بلا معالجة.
مبروك. وكل مؤشر وأنتم بخير.
|