من أرز لبنان الى فلّين اسبانيا وسنديان تونس والغابات الاستوائية في أميركا الجنوبية، تؤوي الأحراج والغابات تنوعاً نباتياً وحيوانياً هائلاً وتقدم خدمات بيئية واقتصادية مجانية تهددها ممارسات البشر. في هذا المقال نماذج من غابات العالم وما فيها من ثروات وما يتهددها من أخطار ومبادرات أطلقها الصندوق العالمي لحماية الطبيعة من أجل ادارة حكيمة لغابات العالم
"البيئة والتنمية" (غلاند، سويسرا)
صون الغابات حفاظ على الحياة. فهي تمدنا بمجموعة مذهلة من الموارد الطبيعية، مثل الأخشاب والألياف والنباتات الطبية. وهي تنقي الهواء الذي نتنفسه، وتحمي مستجمعات الأمطار وتعزز إمدادات المياه العذبة، كما أنها تثبت التربة وتمنع الانجراف وتقلل من خطر حدوث انزلاقات أرضية.
نحو 1,6 مليار نسمة في أنحاء العالم يكسبون رزقهم من الغابات. ويعتمد عليها أيضاً 60 مليون شخص من الشعوب الفطرية للعيش والبقاء. وهي تشكل لكثيرين غيرهم ملاذات للراحة والاستجمام والالهام. والغابات مستودع للتنوع البيولوجي وموئل ثلثي جميع النباتات والحيوانات.
جدار يصدّ الصحراء
انظر الى شجرة الفلين المهيبة هذه التي تفرد أغصانها تحت لهيب الشمس. تعيش هذه الشجرة من 200 الى 300 سنة، وتغلّ محصولها الأول من لحاء الفلين عندما يبلغ عمرها 20 الى 25 سنة، ولكن يجب أن يقارب عمرها الخمسين قبل ان تنتج فليناً جيد النوعية. وتنتج الشجرة العادية مئات الكيلوغرامات من الفلين عند كل حصاد. ويجدر حصاد الفلين كل تسع سنوات بشكل لا يؤذي الشجرة، فلا يحصل افراط في استغلال الأشجار، وتبقى الغابات سليمة.
لحاء شجرة الفلين يوفر حماية من موجات الجفاف والحرائق وتقلبات درجات الحرارة وظروف بيئية أخرى. فقد تكيف جيداً مع المناخ المتوسطي، وبامكانه الصمود في وجه حرائق الغابات المتكررة. وعندما تتم ادارة غابات الفلين جيداً، توفر وظائف ايكولوجية قيمة مثل الحفاظ على التربة والحماية من تغير المناخ والتصحر واعادة شحن الطبقات المائية والحد من جريان مياه المطر وضياعها.
نحو 340 ألف طن من الفلين تنتج سنوياً من غابات مساحتها 22 ألف كيلومتر مربع في سبعة بلدان متوسطية، هي البرتغال واسبانيا وايطاليا وفرنسا والمغرب وتونس والجزائر.
يزداد الضغط على غابات الفلين للتحول الى استخدامات أخرى مكثفة للأراضي مثل الرعي والزراعة والتحريج. ويعمل الصندوق العالمي لحماية الطبيعة (WWF) مع منظمات محلية لادارة هذه الغابات بشكل مستدام. واقامة شبكة من المناطق المحمية تمنع زحف الصحراء. كما يعمل على استعادة غابات الفلين المتدهورة والمدمرة، خصوصاً في البرتغال وتونس.
زان تونس والغزال البربري
منطقة الكرومري في تونس، التي يشكل منتزه الفيجة الوطني جزءاً منها، من أغنى النظم الايكولوجية في حوض المتوسط. وهي تتأثر كثيراً بما يصيب الغابات من تجزئة سريعة وخسارة في التنوع البيولوجي نتيجة الرعي الجائر والحرائق والتنافس على الأراضي الزراعية. وتؤوي غابات المنطقة سنديان الزان النادر جداً والغزال البربري المعرض للخطر.
على رغم الحماية القانونية، عانت الغابة منذ زمن طويل من تجاوزات الانسان والاستخدام غير المستدام. وتأتي غالبية التهديدات من 800 ألف نسمة يعيشون في جوارها ويبنون اقتصادهم على استغلالها، في تربية قطعان كبيرة من الأبقار والماعز، وقطع الأشجار لحطب الوقود، والاتجار غير المشروع بالأخشاب، وغير ذلك. لكن أكثر ما يهدد الغابة الحرائق، التي تدمر كل سنة ما يزيد على 14 كيلومتراً مربعاً من هذا النظام الايكولوجي الفريد.
حصاد وفق الأصول
لعل إصدار شهادات لحصاد الغابات هو أهم مبادرة اطلقت في القرن الماضي للتشجيع على ادارة أفضل للغابات. وقد أدى الى ادراك أعمق لأهمية المنتجات الخشبية السليمة بيئياً واجتماعياً، واشراك المنتجين والمستهلكين والتجار في جهد ايجابي للمساعدة في "تنظيف" صناعة الأخشاب.
شهادات الاستدامة نظام لمعاينة الغابات وتتبع مسار الخشب والورق من خلال "سلسلة وصاية" تتقفى المادة الأولية حتى تصبح منتجاً نهائياً. والهدف من ذلك التأكد من أن المنتجات أتت من غابات تتم ادارتها جيداً، ما يعني أنها تأخذ في الحسبان المبادئ والمعايير البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
انقاذ الغابات الاستوائية
تحوي أميركا الوسطى ومنطقة الكاريبي نحو نصف الأنواع النباتية والحيوانية ونصف الغابات الاستوائية في العالم. مع ذلك، فان سرعة دمار موائل المياه العذبة والبحار، والغابات بشكل خاص، يؤثر كثيراً في التنوع البيولوجي والغطاء الغابي. وبحسب مصادر متنوعة، تخسر البرازيل نحو 1 في المئة من غاباتها سنوياً. واذا استمر تدمير الغابات بالمعدل الحالي في باراغواي، فلن تبقى فيها غابات أصلية في غضون 25 سنة.
تربية الماشية والزراعة سببان جوهريان لزوال الغابات وفقدان التنوع البيولوجي. ونظرة خاطفة الى منطقة ألتو كنديو في كولومبيا تظهر أراضي تنتشر فيها أشجار متفرقة، كما تظهر أثر تحويل الغابات لاستعمالات مختلفة.
خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، تمت تعرية 3 ملايين كيلومتر مربع من الغابات الاستوائية بهدف زراعة بعض أنواع المحاصيل مثل النخيل والصويا اللذين يستخرج منهما الزيت، ولاقامة مشاريع زراعية ورعوية وتعدينية وتنمية مُدنية. واذا بقيت هذه الممارسات بلا رقيب أو ضابط، فان 2,5 الى 3 ملايين كيلومتر مربع أخرى من الغابة الاستوائية يحتمل أن تزول بهذه الطريقة خلال السنوات الـ25 المقبلة.
ما لم تظهره الصورة التكاليف البيئية والاجتماعية الناشئة عن تعرية الغابات، بما في ذلك الحرق غير المراقب وما يرافقه من دخان، وانجراف التربة، وتلوث المياه العذبة نتيجة استعمال المبيدات، وأحياناً تجاهل حقوق المجتمعات المحلية ومصالحها.
وقد أطلق الصندوق العالمي لحماية الطبيعة "مبادرة تحويل الغابات" بهدف الحد من هذه الممارسات ومعالجة المشاكل الناشئة عنها. كما أطلق الصندوق وشركاؤه "برنامج المناطق المحمية في منطقة الأمازون". وخلال اطار زمني يمتد 10 سنوات، يطمح البرنامج الى اقامة نظام من المنتزهات العامة الجيدة الادارة والمناطق المحمية الأخرى على مساحة نحو 500 ألف كيلومتر مربع.
حرائق مدمِّرة
تنشب الحرائق "بانتظام" وبغير انتظام في الغابات، وتشكل خطراً جدياً.
وتأتي الحرائق كل سنة على ملايين الهكتارات من الغابات حول العالم. وما ينجم عن ذلك من خسارة وتدهور للأراضي الغابية يعادل الخسارة والتدهور اللذين تسببهما تجارة الأخشاب المدمرة والتحول الى الزراعة، وله عواقب بالغة الأثر على التنوع البيولوجي والصحة والاقتصاد وغيرها. ومن أجل ايجاد حلول وتطبيقها، انخرط الصندوق العالمي لحماية الطبيعة في "الشراكة العالمية للحرائق"، التي تدعو الحكومات والمنظمات الدولية الى التصدي لمسببات الحرائق المدمرة واتخاذ خطوات للتقليل من خطرها. ويمكن فعل الكثير من خلال سياسات أفضل واشراك المجتمعات المحلية في ادارة الأراضي ومكافحة الحرائق.