منذ طوّر غوتليب ديملر وكارل بنز محركات السيارات العاملة على البترول في نهاية القرن التاسع عشر، وبنى هنري فورد أول مصنع آلي للسيارات عام 1913، قطعت التكنولوجيا أشواطاً وتغيرت النظرة الى السيارة واستخداماتها. صحيح أن السيارة ما زالت صندوقاً على عجلات، هدفه نقل الأشخاص والأمتعة، مثل الطراز T الأسطوري الذي أنتج منه هنري فورد عشرات الملايين في مصنعه الآلي في بداية القرن العشرين. لكنها تطورت في كل المقاييس الأخرى، من الأداء الى الراحة والرفاهية.
المحركات أصبحت أكبر واكتسبت المزيد من القوة، خلال عقود اعتُبر فيها البترول مصدراً رخيصاً وغير محدود للطاقة. ومواصفات الرفاهية والفخامة تجاوزت كل حدود، لتؤمن أقصى درجات الراحة والمتعة في القيادة. غير أن محدودية الموارد، وآثار محركات الاحتراق الداخلي العاملة على البترول على البيئة، خاصة من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، استوجبت أخذ اعتبارات أخرى في الحسبان.
فارتفاع أسعار البترول في السبعينات من القرن الماضي، والتيقن من أنه مورد معرض للنضوب، أوجب تطوير محركات توفر في استخدام الوقود، وذلك لأسباب اقتصادية في الأساس. لكن هذا الاتجاه ما لبث أن تلاشى مع انخفاض أسعار البترول في الثمانينات، ليعود في التسعينات، وذلك لأسباب بيئية هذه المرة. فبعد أن أصبحت ظاهرة الاحتباس الحراري المؤدية الى تغير المناخ أمراً واقعاً، كان على صناعة السيارات تطوير محركات ذات كفاءة عالية، تنتج كميات أقل من ثاني أوكسيد الكربون.
واذا كانت صناعة السيارات الأميركية قد أبحرت عكس التيار خلال السنوات العشرين الماضية، بالاستمرار في انتاج سيارات ثقيلة الوزن وكبيرة المحركات، فهي لن تستطيع الاستمرار في هذا الاتجاه طويلاً. اذ إن ارتفاع أسعار البترول، الذي لا يبدو أنه وضع عارض، سيفرض من جديد انتاج محركات اقتصادية. كما أن الادارة الأميركية أظهرت أخيراً نية واضحة في فرض قيود أشد على انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، بعدما أصبح من المستحيل إنكار المؤشرات الثابتة لتغير المناخ.
أثناء محاولتنا جمع معلومات عن استهلاك الوقود في السيارات المستوردة الى الأسواق العربية، ومستويات انبعاث ثاني أوكسيد الكربون منها، اكتشفنا الخفة التي تتعامل بها معظم الشركات المصنعة مع أسواق المنطقة والعالم الثالث عموماً. فمواقع الانترنت الاقليمية والمطبوعات الترويجية للسيارات المباعة في العالم العربي لا تذكر ثاني أوكسيد الكربون، وكثير منها لا يأتي حتى على ذكر مستوى استهلاك الوقود. فهي تقتصر على قوة المحرك وحجم السيارة الكبير ومقاعدها الجلدية الوثيرة.
ويبدو أن بعض الشركات تعتبر هذه المعلومات أسراراً، وأخرى لم يسمع مسؤولوها الاقليميون بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. لهذا عمدنا الىالاستعانة بمصادر أوروبية وأميركية. لكننا اكتشفنا أيضاً أن بعض السيارات، التي قد تنطبق عليها صفة دينوصورات من عصور منقرضة، تُصنع فقط للدول العربية، وخاصة الخليجية منها. لذا يتعذر الحصول على معلومات عنها من أي مصدر خارجي.
في الجهة المقابلة، توسّعت مع بداية هذه السنة التدابير الأوروبية لتشجيع وسائل النقل النظيفة. فبعد تحديد الرسوم السنوية على السيارات في معظم الدول الأوروبية وفق انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، أعلنت هولندا في بداية 2006 عن تخفيض في أسعار السيارات المقتصدة للوقود ورفع في أسعار السيارات ذات الاستهلاك المرتفع، وذلك حسب الفئة، ابتداء من تموز (يوليو) المقبل. كما أنها منعت دخول سيارات الدفع الرباعي الكبيرة الحجم الى شوارع بعض المدن، وفرضت رسوماً مرتفعة لركنها في المواقف العامة.
المعايير والتشريعات المدعومة بتدابير صارمة وقيود ضريبية ورسوم، هي الوصفة الوحيدة الفعّالة لنقل طرقات العالم العربي من عصر الدينوصور إلى القرن الحادي والعشرين.
|