تولد الهند 70% من كهربائها بواسطة الفحم. وقد بدأت تنفيذ خطة لتوليد 12,5% من مصادر متجددة بحلول سنة 2020
الهند بلد سريع النمو، يبلغ عدد سكانه 1,2 بليون نسمة، ومن المتوقع أن يصبح بحلول سنة 2030 البلد الأكثر سكاناً في العالم مع اعتماد الصين سياسة إنجاب طفل واحد لكل عائلة. ويلقي التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة بثقلهما في الهند، حيث يعيش 32,7 في المئة من السكان على 1,25 دولار للفرد في اليوم. ومع استمرار النمو في البلاد، تزداد حدة التأثيرات على المواطنين وعلى البيئة.
لنأخذ الطاقة كمثال. هناك أكثر من 400 مليون هندي لا يستفيدون من شبكة الكهرباء الحديثة. ويولَّد نحو 70 في المئة من كهرباء الهند بواسطة الفحم، الذي تملك خامس أكبر احتياطاته في العالم. والهند ثالث أكبر منتج للفحم، لكنها أيضاً ثالث أكبر مستورد. وفي مطلع 2012، أفاد صندوق النقد الدولي أن حرق الفحم يتسبب بنحو 70 ألف وفاة قبل الأوان كل سنة في الهند، التي تعاني من أسوأ تلوث للهواء في العالم. ويتوقع أن يؤدي استمرار الاعتماد على الفحم إلى تفاقم المشاكل الصحية.
ماذا يحدث عندما تتعطل شبكة الكهرباء ويقبع نحو 700 مليون هندي في الظلمة، كما حدث في 30 و31 تموز (يوليو) 2012؟ يأمل المتابعون أن تكون في ذلك عبرة لتسريع إجراء تقييم يحدد أفضل وسيلة لتلبية حاجات شبه القارة الهندية من الطاقة. وهذه مرحلة بالغة الأهمية، ففي إمكان الهند أن تأخذ زمام المبادرة وتستثمر المزيد في كفاءة الطاقة وفي مصادر الطاقة المتجددة كبداية للتحول عن الفحم، أو أن تواصل الاعتماد على أقذر أنواع الوقود الأحفوري والمضي في إيذاء السكان والبيئة على حد سواء.
مشاريع شمسية كبيرة وصغيرة
الواقـع أن لـدى الحكـومـة الـهنديـة خطة طموحة لزيادة توليد الطاقة الشمسية. ففي العام 2008، أطلقت «الحملة الشمسية الوطنية» التي تدعو الى توليد 12,5 في المئة من إجمالي الكهرباء في البلاد، أي 20 جيغاواط، من مصادر متجددة بحلول سنة 2020. وقد تم تجاوز عتبة جيغاواط واحد من الطاقة الفوتوفولطية الشمسية في آب (أغسطس) 2012.
وتنص خطة العمل الوطنية حول تغير المناخ لسنة 2008 على أن «للطاقة الشمسية إمكانات كبيرة كمصدر للطاقة في المستقبل. ولها أيضاً ميزة إتاحة التوزيع اللامركزي للطاقة، وبذلك تتيحها للسكان على مستوى القاعدة الشعبية».
ومؤخراً، أعلنت ولاية غوجارات المشمسة عن «سياسة إقامة محطات للطاقة الشمسية على سطوح المباني، لتمكين السكان من إنتاج الكهرباء التي يحتاجونها وكسب المال من خلال بيع الطاقة الفائضة الى الشبكة العامة».
كذلك بوشرت سياسة شمسية في ولاية أوتار برادش «التي تحظى بإمكانات ضخمة من الطاقة الشمسية، وتتوق الحكومة الى تسخير هذا المورد لتحسين توافر الطاقة في الولاية من خلال إقامة مشاريع كهرباء شمسية موصولة بالشبكة العامة أو مفصولة عنها».
هناك أيضاً الكثير من أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يستحدثون نماذج للطاقة النظيفة تستهدف الفقراء. شركة «سيلكو سولار»، مثلاً، التي أسسها رجل الأعمال هاريش هاند الناشط في الخدمة الاجتماعية، تريد تبديد الفكرة الخاطئة بأن الفقراء لا يستطيعون تحمل نفقات التكنولوجيات المستدامة. وتركز الشركة على جلب كهرباء معقولة الكلفة من طاقة متجددة الى فقراء الأرياف، وفي الوقت ذاته رفع مستويات دخلهم. وتقوم شركات أخرى، مثل «هسك باور سيستمز»، بتحويل مخلفات قش الرز إلى كهرباء معقولة الكلفة ومنفصلة عن الشبكة العامة لقرى ريفية.
ومن المفارقات أن سكان بعض القرى كانوا في وضع أفضـل أثناء الانقطاع الكبير للتيار الكهربائي هـذا الصيف، بسبب تركيب لاقطات شمسية على سطوح منازلهم. أما الدرس الذي يجب تعلمه فهو أن الاعتماد على الوقود الأحفوري وعلى شبكة قديمة متضررة لا تتحمل الطلب المتنامي ليس أمراً عملياً، والحل هو الانطلاق إلى مستقبل من الطاقة النظيفة التي تجلب النفع للجميع. ومن شأن الطاقة المتجددة اللامركزية المنفصلة عن الشبكة العامة تمكين الفقراء من الحصول على كهرباء يتحملون نفقاتها.
حتى مؤسسة التمويل الدولية (IFC) التي هي جزء من مجموعة البنك الدولي، أطلقت مؤخراً برنامجاً يهدف إلى «توفير إضاءة مأمونة ونظيفة ومعقولة الكلفة خارج الشبكة العامة لمليوني شخص يعيشون في أرياف الهند». وتقدر المؤسسة أنه، فضلاً عن 400 مليون فرد محرومين من الكهرباء في الهند، هناك 420 مليوناً آخرون لا يحظون إلا بامدادات ضئيلة من الشبكة العامة، ما يدفعهم الى الاعتماد على إضاءة مكلفة وغير كـفوءة وخطـرة قائمة على الوقود الأحفوري. وتنفق الهند نحو 2,2 بليون دولار سنوياً على الكيروسين (الكاز) من أجل الإضاءة، ما يظهر الإمكانات السوقية الكبيرة للاضـاءة المنفصلة عن الشبكة العامة.
مع الفحم وضده
على رغم المبادرات الايجابية المتعلقة بالطاقة المتجددة، ما زال المحافظون يناصرون الفحم ويستثمرون في محطات كهرباء جديدة تعمل بالفحم، مع أنها أصبحت أكثر كلفة. ثم أن استخراج الفحم يشكل تهديداً لمجتمعات ريفية ولنمر البنغال المهدد بالانقراض وأنواع أخرى من الحيوانات والنباتات. وأفادت دراسة حديثة لمنظمة غرينبيس أن 1,1 مليون هكتار من الغابات في وسط الهند معرضة للخطر بسبب استخراج الفحم، وهي تؤوي 35 في المئة من نمور الهند التي لم يبق منها إلا نحو 1700 نمر بري.
بالطبع، ما دام سكان الهند يتزايدون بنسبة 1,4 في المئة سنوياً، ومع استمرار تحديث الاقتصاد، ستكون هناك قوى اقتصادية وسياسية فاعلة تطالب باستخدام جميع مصادر الطاقة المتاحة.
في إمكان الهند والعالم الاستمرار في استخراج الفحم، علماً انه سيدمر الأراضي والأنواع الحية والمجتمعات المحلية. ولكن في إمكان المجتمع الدولي أيضاً اتخاذ إجراء حاسم والاستثمار جدياً في الطاقة النظيفة، واضعاًحاجات الأجيال الحالية والمقبلة في المقام الأول. سوف يستمر الاعتماد على الوقود الأحفوري خلال المستقبل المنظور، لكن دعم مصادر الطاقة المتنوعة والبديلة هو الاتجاه الذي يتوجب على المجتمع سلوكه.