أنشئت هيئة البيئة ـ أبوظبي عام 1996 كهيئة حكومية مستقلة تهدف إلى حماية البيئة والتنوع البيولوجي والمساعدة في تحقيق التنمية المستدامة في إمارة أبوظبي. وجاء إنشاء الهيئة في إطار الرؤية التي تبنتها حكومة أبوظبي لتحقيق التنمية المستدامة، وعبرت عنها في الأجندة السياسية 2030 التي ركزت على خلق توازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة بما يحقق الرخاء والازدهار للمجتمع.
وتقوم الهيئة بمساعدة المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة في تضمين الاعتبارات البيئية في خططها وطرق عملها من أجل تحقيق التنمية المستدامة في إمارة أبوظبي.
خلال السنوات الماضية، ركزت الهيئة جهودها على وضع «الرؤية البيئية لإمارة أبوظبي 2030»، كأساس لصنع القرارات البيئية في القطاعات كافة على مدى السنوات العشرين المقبلة. وهي تؤكد على مسؤولية الجميع في تحقيق جودة البيئة.
ومع استمرار عجلة التنمية في إمارة أبوظبي، كان من الضروري أن يكون للهيئة إطار تنظيمي فعال للقوانين واللوائح البيئية، واستراتيجية واضحة تركز على معالجة القضايا الرئيسية والعمل بالشراكة مع المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص. فوضعت الهيئة استراتيجيتها المؤسسية للفترة 2011 _ 2015، وهي تضمنت نطاق عملها ومشاريعها المتماشية مع الأولويات الست التي وضعتها لتحقيق رؤيتها وتنفيذ مهمتها. وتضم كل أولوية بيئية مجموعة من الأهداف الأساسية التي يتم تحقيقها من خلال عدة برامج موجهة تدار وفقاً لأفضل المعايير.
اعتمدت الهيئة في تحديد أولويات عملها والتحديات البيئية التي تواجه إمارة أبوظبي على جهد استمر خلال السنوات الست عشرة الماضية، ركزت فيه على الدراسات العلمية. وهذا ما أهلها في المرحلة الحالية لتحديد المناطق التي يجب أن تحمى في الإمارة، ومعرفة التحديات البيئية التي ستواجه الإمارة مستقبلاً وكيفية الوقاية من ظهور المشاكل البيئية.
وتعتبر ظاهرة التغير المناخي، وارتفاع معدلات النمو السكاني، فضلاً عن النمو الاقتصادي والحضري السريعين، من العوامل التي ساهمت في مضاعفة تعرّض الدولة للتحديات البيئية، ومن أهمها تغير المناخ ونوعية الهواء وأمن المياه والتنوع البيولوجي. ولضمان مشاركة الجميع في مواجهة هذه التحديات، تحرص الهيئة على تشجيع قيام المجتمعات المستدامة وتعزيز دور الشركاء. وذلك من خلال توضيح الفوائد التي ستعود على أبوظبي من تنفيذ برامج المحافظة على البيئة ووضع الضوابط اللازمة لذلك، بالإضافة إلى برامج التوعية البيئية.
مواجهة تغير المناخ
يعتبر التغير المناخي من أبرز هذه التحديات. ولذلك تسعى الهيئة إلى الحد من آثاره، وتحديد أفضل الطرق للتكيف معها.
وتدرك الهيئة أنّ هذه المسألة تتطلّب تضافر الجهود العالمية. وقد اتخذت إمارة أبوظبي إجراءات استباقيّة لمواجهة هذا التحدّي، من خلال تحديد المجالات التي ستكون عرضة لتغيرات في الأنماط المناخية، بما في ذلك المناطق الساحلية ذات الكثافة السكّانية المرتفعة، ووضع آليات واستراتيجيات للتعامل مع هذه الأنماط بهدف التخفيف من تأثير التغير المناخي.
وتقدم الرؤية البيئية لإمارة أبوظبي 2030 مقترحات للتخفيف من الآثار التي تخلفها الأنشطة البشرية على المناخ، من خلال اقتراح عدد من الحلول للحد من الانبعاثات للفرد الواحد في أبوظبي لتتماشى مع نسب المعايير الدولية. وذلك باتخاذ مجموعة من التدابير، مثل إدخال تحسينات على التكنولوجيا المستخدمة، واستهلاك الموارد بشكل أكثر كفاءة، وزيادة نسبة الطاقة المستخدمة من مصادر متجددة مع التركيز على أنواع الوقود المنخفض الكربون.
توليد الكهرباء وتحلية المياه هما أيضاً من العمليات التي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة. وبالتالي، ثمة علاقة إيجابية قوية بين ازدياد الطلب على المياه والكهرباء وارتفاع الانبعاثات والملوّثات.
كما تساهم الرؤية البيئية 2030 في دعم الجهود التي تبذلها إمارة أبوظبي للتكيف مع الآثار المحتملة لتغير المناخ، من خلال تحديد وحماية المناطق الساحلية المعرضة للخطر من ارتفاع مستوى سطح البحر. وأيضاً بتنفيذ إجراءات لمساعدة الأنواع المعرضة لمخاطر تغير المناخ، مثل سلحفاة منقار الصقر والشعاب المرجانية، على التكيف مع هذه التغيرات.
وفي الوقت الحالي، تقوم الهيئة بالتعاون مع شركائها المعنيين بتنفيذ مشروع لجرد انبعاثات غازات الدفيئة في إمارة أبوظبي، بهدف إنشاء قاعدة متكاملة وتفصيلية لجرد الانبعاثات. وهذا سيوفر البنية الأساسية التي سيتم بناء عليها وضع البرامج والخطط الاستراتيجية اللازمة للحد من تأثير هذه الظاهرة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
مراقبة جودة الهواء
من التحديات الرئيسية التي تواجه الهيئة الحفاظ على جودة الهواء، لما لها من آثار وعواقب صحية وبيئية كبيرة. ومن خلال الرؤية البيئية لإمارة أبوظبي 2030، تسعى الهيئة الى تطبيق معايير التحكم بالانبعاثات في مختلف القطاعات، وتشجع استخدام وسائل نقل أكثر استدامة، وتطبيق المزيد من الأنظمة وبرامج الرصد للمشاريع التطويرية. ولعل من أبرز التحديات البيئية التي ترتبط بالتوسع في المشاريع التنموية الآثار البيئية والصحية، وخاصة تلك المتعلقة بتلوث الهواء والتي ترتبط بانتشار أمراض الجهاز التنفسي وزيادة ملحوظة في أمراض القلب.
وتعمل الهيئة حالياً على توسيع شبكة محطات مراقبة نوعية الهواء التابعة لها، حيث سيتم إضافة عشر محطات جديدة الى الشبكة القائمة حالياً والمكونة من عشر محطات ثابتة، ليصل العدد الى عشرين محطة. وذلك لضمان التغطية المتكاملة للإمارة، نظراً للتطورات العمرانية والصناعية السريعة التي تشهدها. كما تتولى الهيئة مسؤولية التدقيق البيئي على المنشآت والمشاريع الصناعية، لضمان الحد من حجم الضرر الواقع على البيئة.
ولعل من المبادرات الرئيسية التي تدعمها الهيئة على المستوى الوطني في هذا المجال مبادرة البصمة البيئية، التي أطلقتها دولة الإمارات في تشرين الأول (أكتوبر) 2007 برعاية وزارة البيئة والمياه. وتقدم الهيئة الدعم من خلال مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية وشركائها جمعية الإمارات للحياة الفطرية والصندوق العالمي لصون الطبيعة والشبكة العالمية للبصمة البيئية. وبعد نجاح المرحلة الأولى، بدأت الجهات المعنية تنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة، التي ستمتد خلال السنوات الثلاث المقبلة، وتهدف إلى تحقيق اقتصاد أكثر استدامة وتطوير سياسات بيئية مبنية على أساس علمي، للمساعدة في تخفيض انبعاثات الدولة من غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخفيض معدل البصمة البيئية للفرد.
وستشهد هذه المرحلة مشاركة واسعة وفاعلة بين القطاعين الحكومي والخاص والمنظمات غير الحكومية، من أجل إدارة بصمة الإمارات البيئية بطريقة مستدامة. وستبدأ المبادرة بتطوير معايير كفاءة الإنارة الداخلية، بحيث تشمل وضع مواصفات قياسية وطنية إلزامية وسياسات متطورة، تكفل خفض البصمة البيئية الناتجة من استخدام الطاقة في الإنارة الداخلية.
أمن المياه
تعتبر المحافظة على المياه من خلال الإدارة المتكاملة للموارد المائية إحدى الأولويات الرئيسية للهيئة، خاصة أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقع في حزام المناطق الجافة. وذلك من خلال التأكد من وجود وعي شامل بقضايا المياه الجوفية، والاستمرار في تحسين نظم مراقبة شبكة المياه الجوفية لتقييم كميتها ونوعيتها، والاستخدام الأمثل لموارد المياه الجوفية من خلال وضع الخطط ورسم الخرائط لإدارتها.
كذلك تعمل الهيئة على تحقيق التوازن بين العرض والطلب والحد من الآثار المحتملة، وإدارة استخدامات المياه الجوفية من خلال إصدار تراخيص حفر الآبار، واعتماد مستشارين ومتعهدين من ذوي الكفاءات في هذا المجال، وتقديم المشورة مع المساهمة في تطوير وإدارة المخزون الاستراتيجي للمياه في حالات الطوارئ، وتقديم المشورة بشأن الاستخدام الأمثل للمياه المعاد تدويرها في الزراعة وري الغابات والحدائق العامة.
ويعتبر معدل استهلاك الفرد للمياه في الإمارات من المعدلات العالية، ولذلك تعمل الهيئة على تحسين كفاءة استخدام الموارد المائية في الإمارة، بالتعاون مع الشركاء لتوفير أفضل معايير التجهيزات والأجهزة المنزلية، وتحسين إدارة النظم وتكاملها، وتعزيز السلوك البيئي الإيجابي بين المستهلكين لخفض معدل استهلاك الفرد.
كما تسعى الهيئة الى تشجيع استخدام أساليب الري المحسنة، وتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة وزيادة نسبة استخدام المياه المعالجة في الري، بما يساعد في تمديد عمر مخزون الإمارة من المياه الجوفية.
رصد التنوع البيولوجي
تتعرض بعض المناطق الساحلية والداخلية في إمارة أبوظبي لضغوط متزايدة من جراء مشاريع التنمية. وقد اقترحت الرؤية البيئية لإمارة أبوظبي 2030 تنفيذ برامج المحافظة على النظم البيئية الطبيعية الهامة، وتوسيع شبكة المناطق المحمية.
وتدير الهيئة عدداً من المحميات الطبيعية في إمارة أبوظبي، تبلغ مساحتها الاجمالية حالياً نحو 15 ألف كيلومتر مربع،وتعادل نحو 13,2 في المئة من مجموع الأراضي ومساحة البحر في الإمارة. وتوفِّر هذه المناطق بيئة آمنة للحياة البرية ساعدت في المحافظة على الأنواع وإكثارها وإعادة توطينها في مناطق انتشارها. وتشمل خطة الهيئة توسيع نطاق التزامها بزيادة مساحات المحميات إلى أكثر من17 في المئة، وهو أحد أهداف الرؤية البيئية 2030، لتحقيق التغطية النموذجية للموائل والتنوع البيولوجي.
وقد بدأت الهيئة مؤخراً تنفيذ مشروع رصد وجرد التنوع البيولوجي البري لإمارة أبوظبي، من أجل جمع معلومات مختلفة عن الحيوانات والنباتات في الإمارة.
تشجيع المجتمعات المستدامة
في إطار التوجه الحكومي والرؤية المستقبلية، قامت الهيئة بتأسيس «مجموعة أبوظبي للاستدامة» بهدف تعزيز إدارة الاستدامة في أبوظبي، من خلال توفير فرص التعلم وتبادل المعلومات بين جميع المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص ومؤسسات النفع العام في الإمارة. وفي العام 2012 وصل عدد أعضاء المجموعة الى 39 مؤسسة. وقد أطلقت المجموعة خلال هذا العام برنامج الشراء المستدام، بهدف تشجيع القطاعات المعنية للمشاركة في تبني مفهوم الاقتصاد الأخضر وتحقيق فوائده الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، من خلال استثمار القوة الشرائية في القطاعين الحكومي والخاص.
ووضعت الهيئة أهدافاً استراتيجية لزيادة نسبة الوعي البيئي، عن طريق تعزيز فهم المجتمع المدني لثراء تراثه الطبيعي ومسؤوليته في الحفاظ عليه.
ومن المشاريع الرئيسية التي تهدف إلى تعزيز مفهوم الاستدامة البيئية مبادرة «المدارس المستدامة»، التي تسعى الهيئة من خلالها إلى بناء القدرات المدرسية والمجتمع المدرسي في مجال تدقيق التأثيرات البيئية ورصدها وإدارتها بأفضل الأساليب المتاحة، وتنفيذ الأنشطة الميدانية التي تساعد على تجسيد مفاهيم الوعي البيئي وتحويلها إلى تغيرات إيجابية في سلوك الأفراد والأسر والمجموعات.
ونفذت الهيئة العديد من المبادرات للتقليل من إنتاج النفايات والمحافظة على الموارد الطبيعية، مثل مبادرة «يوم بلا ورق» التي تهدف الى تشجيع المؤسسات والأفراد على تقليص استخدام الأوراق.
كذلك أطلقت الهيئة حملة «الإمارات خالية من الأكياس البلاستيكية» في أبوظبي، بدعم من وزارة البيئة والمياه، بهدف تشجيع المستهلكين على التحول من استخدام الأكياس البلاستكية واستبدالهـا بالأكياس الصديقة للبيئة والقابلة لإعادة الاستخدام. وتأتي هذه الحملة في إطار مبادرة دولة الإمارات لحظر استخدام الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل، عبر برنامج وطني للتخلص منهـا تدريجياً تمهيـداً لحظـرها نهائيـاً بحلول سنة 2013.