السدود التي ستقام على المجرى السفلي لنهر ميكونغ، من أجل توليد الطاقة الكهرمائية، ستبيد أعداداً كبيرة من الأسماك، ومعها مصدر البروتين الرئيسي لنحو 60 مليون نسمة. وقد يمتد أثر السدود أبعد كثيراً من النهر، فيتحول السكان الى تربية المواشي والدواجن لتعويض السعرات الحرارية والبروتين والفيتامينات المفقودة، وفق دراسة جديدة أجراها الصندوق العالمي لحماية الطبيعة (WWF) والجامعة الوطنية الأوسترالية بعنوان «سدود على نهر ميكونغ: البروتين السمكي المفقود وتداعيات موارد الأرض والمياه».
وتنظر الدراسة في سيناريوين: تعويض البروتين السمكي المفقود بسبب إقامة 11 سداً سيبدأ تنفيذها قريباً على المجرى الرئيسي، وتعويض الخسارة الصافية للبروتين السمكي الناجمة عن تأثيرات جميع السدود الـ88 المقترح تنفيذها بحلول سنة 2030.
ترى الدراسة أنه اذا تم بناء السدود الـ11 المقررة، فان الامدادات السمكية سوف تنخفض بنسبة 16 في المئة، تصاحبها خسارة مالية مقدرة بنحو 476 مليون دولار سنوياً. وإذا أنجزت المشاريع الـ88 جميعاً، فان الامدادات السمكية قد تنخفض 37,8 في المئة.
يقول ستيوارت أور، مدير شؤون المياه العذبة في الصندوق العالمي لحماية الطبيعة والمشارك في إعداد الدراسة، إن صانعي السياسة كثيراً ما يفوتهم إدراك الدور الحيوي لمصائد الأسماك غير البحرية في تحقيق الأمن الغذائي. ويضيف أن «البلدان الواقعة على نهر ميكونغ تكافح من أجل نمو اقتصادي، وتنظر الى الطاقة الكهرمائية كقوة دافعة لهذا النمو. لكنها يجب أولاً أن تفهم تماماً وتأخذ في الحسبان القيمة الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية لنهر طليق الجريان».
الميكونغ السفلي، الذي يجري عبر كمبوديا ولاوس وتايلاند وفيتنام، معروف بتنوعه البيولوجي، وفيه أكثر من 850 نوعاً من أسماك المياه العذبة، تشكل جزءاً أساسياً من النظام الغذائي والاقتصاد في المنطقة، حيث 80 في المئة من السكان البالغ عددهم 60 مليوناً يعتمدون على النهر كمصدر لغذائهم وكسب رزقهم.
تنظر الدراسة أيضاً في تأثيرات السدود على الأراضي والمياه، حيث يُجبر السكان على التحول إلى لحوم الأبقار والدواجن ومصادر أخرى لسدّ حاجاتهم من البروتين. وإضافة إلى 1350 كيلومتراً مربعاً من الأراضي التي ستغمرها بحيرات السدود، سوف تحتاج هذه البلدان الى 4863 كيلومتراً مربعاً من المراعي الجديدة كحد أدنى لاستبدال البروتين السمكي بالبروتين الحيواني. أما إذا بنيت السدود الـ88 جميعها، فستكون مساحة المراعي الجديدة المطلوبة 24 ألف كيلومتر مربع، أي بزيادة 63 في المئة على الأراضي المخصصة حالياً لرعي المواشي.
وسوف يقفز معدل المتطلبات المائية ما بين 6 و17 في المئة، لكن هذه المعدلات تحجب الارتفاع الكبير في الأرقام الخاصة بكمبوديا ولاوس. فوفق السيناريو الأول، حيث سيقام 11 سداً على المجرى الرئيسي، يترتب على كمبوديا تخصيص كمية إضافية من المياه تتراوح بين 29 و64 في المئة للزراعة وتربية المواشي. وسوف تزداد البصمة المائية في لاوس بنسبة 12 الى 24 في المئة. أما بموجب السيناريو الثاني، إذا تم بناء 88 سداً، فسوف تتغير هذه الأرقام الى حد بعيد، بزيادة 44 الى 150 في المئة في كمبوديا و18 إلى 56 في المئة في لاوس.
يقول أور: «على صانعي السياسات في المنطقة أن يسألوا أنفسهم أين سيجدون هذه الأراضي والمياه الاضافية. إن نهر ميكونغ نموذج للروابط بين المياه والغذاء والطاقة. وإذا ركزت الحكومات على الطاقة، فسوف تكون هناك عواقب حقيقية جداً على الغذاء والمياه، وبالتالي على البشر».
هذه الدراسة، التي قُدمت خلال أسبوع المياه العالمي في استوكهولم في آب (أغسطس)، تأتي في وقت حرج وإبان الجدل الدائر حول تطوير الطاقة المائية في المنطقة. ويبدو أن أعمال الانشاء مستمرة على سد زايابوري المثير للجدل في لاوس، على رغم قرار اتخذته الهيئة الحكومية المشتركة لنهر ميكونغ لوقف المشروع بانتظار مزيد من الدراسات. وهو سيكون أول السدود المقررة على المجرى السفلي للنهر.
|