على الرغم من حداثة تكوينها بالنسبة الى غيرها من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، كان للمنظمات البيئية العربية ونشطائها دور هام ومغاير لأدوار الشجب والادانة التي أدمنها الرسميون العرب في كل عدوان كارثي تتعرض له الأمة. ومع العدوان على لبنان، ظهر بوضوح دور هذه المنظمات وان كان محدوداً طبقاً لظروف نشأتها وإمكاناتها.
نبدأ من لبنان، حيث تحالفت المنظمات البيئية مع غيرها من منظمات الاغاثة في تقديم الخدمات الانسانية لمهجري الجنوب ومساعدتهم معيشياً وانسانياً في ضوء الامكانات المحدودة المتاحة، وصولاً الى العمل على تنظيف الشاطئ من مخلفات التسرب النفطي الهائل الناجم عن قصف خزانات الوقود.
أما خارج لبنان، فبرز العديد من المنظمات في توجيه الدعم للشعب اللبناني بشكل أو بآخر. وكانت أولاها الشبكة العربية للبيئة والتنمية "رائد" التي ناشدت الشعوب العربية بالضغط على حكوماتها لتقوم بجهود واضحة لوقف العدوان على لبنان، ولتطالب كل الهيئات الدولية بالتدخل لوقف المجازر. كما طالبت العرب بالتبرع لأشقائهم المنكوبين بالمال والغذاء والأدوية وبث روح الأمل بالانتصار.
وبعد مذبحة قانا الثانية، حين دكّ الطيران الاسرائيلي ملجأ يختبئ فيه مدنيون معظمهم من الأطفال وقتل أكثر من خمسين مواطنا،ً دعت شبكة "رائد" أعضاءها ومنسقيها الى اعتبار يوم الثلاثين من شهر تموز (يوليو) كل عام يوماً للحزن العربي تذكر فيه المذابح والمجازر الاسرائيلية ويؤبن فيه شهداء قانا وغيرهم. وأكدت أن الشعب اللبناني لا يحتاج الى بيانات وتظاهرات تندد بالعدوان بقدر حاجته بشكل عاجل وسريع جداً الى معونات إنسانية.
أما جماعة "الخط الأخضر" الكويتية فطلبت من الدكتور حبيب الهبر، المدير الاقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، أن يعلن المكتب الاقليمي موقفه من العدوان الاسرائيلي على لبنان، وأن يزود مؤسسات المجتمع المدني في دول غرب آسيا بخطة "يونيب" للتعامل مع الكوارث التي تتعرض لها البيئة في غزة ولبنان، حتى تتمكن هذه المؤسسات من المشاركة وتقديم العون والمساعدات للمناطق المنكوبة.
كما طالبت جماعة "الخط الأخضر" مكتب "يونيب" الاقليمي بتشكيل فريق فني يضم نخبة من خبراء البيئة، وإرساله الى لبنان لدراسة حجم الدمار البيئي الذي سببه العدوان ورفع تقرير بذلك الى المدير التنفيذي لـ"يونيب" لوضعه ضمن جدول أعمال اجتماعه المقبل.
من جانبه، أعلن مركز "حابي" للحقوق البيئية في مصر أن العدوان على شعب لبنان تحدّ صارخ لكل المواثيق والأعراف الدولية. فهو لم يقتصر على قتل وجرح آلاف الأبرياء، انما امتد الى ضرب كل المرافق الحيوية والموارد التي يعتمد عليها المواطنون في حياتهم. فقد قصفت القوات المعتدية مصادر المياه والصرف الصحي، ودمرت الأراضي الزراعية والطرق والجسور، ولوثت الشواطئ، وحولت لبنان بأسره الى مكان تنتشر فيه الأمراض والأوبئة. ومن لم يمت بالقنابل فليمت بالحرمان من أبسط حقوق الحياة من مياه وغذاء. واعتبر "حابي" أن تهجير نحو مليون من المواطنين (25% من عدد السكان) من الجنوب اللبناني الى بيروت وبقية المناطق اللبنانية يفرض مزيداً من الضغط على الموارد البيئية ويضاعف من شدة الانتهاكات التي تتعرض لها.
كما ناشد "حابي" كل المنظمات غير الحكومية في المنطقة العربية والعالم إعلان التضامن الكامل مع الشعب اللبناني، والضغط على الأمم المتحدة والدول التي تساند إسرائيل من أجل وقف الجريمة البشعة، مع المطالبة بتطبيق مواثيق الأمم المتحدة الخاصة بحماية المدنيين والمرافق المرتبطة بحياتهم أثناء الحروب.
أما جمعية "أصدقاء البيئة" البحرينية فأكدت في بيان لها تضامنها مع مؤسسات المجتمع المدني البيئية العربية الأخرى في تجريم العدوان الصهيوني المخالف للقوانين الدولية ولأبسط الأخلاق الإنسانية، وسعيه الإرهابي لتقويض البنية التحتية للبنان في سيناريو متشابه الأهداف مع تدمير البنية التحتية للبيئة الفلسطينية. وأعربت عن قلقها من استمرار الهجوم الإرهابي الوحشي ضد لبنان والذي يودي بحياة الأبرياء ويضع الأحياء في بيئة غير صحية لا تتوفر فيها الأساسيات التي نصت عليها مواثيق حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة، وأولها وليس آخرها البيئة الآمنة والظروف الصحية المناسبة. هذا إضافة الى الاعتداء على السواحل اللبنانية بقصف خزانات الوقود على البحر المتوسط، ما أدى الى تسرب نحو 15 ألف طن من البترول، ليتعرض لبنان لأخطر أزمة بيئية في تاريخه، وهي تهدد التنوع الحيوي في البحر والثروة السمكية بضرر بالغ، فضلاً عن الكلفة العالية لتنظيف السواحل.
كما طالبت جمعية "أصدقاء البيئة" الشعوب والحكومات بالتحرك السريع والحقيقي لإيقاف الحرب ورصد وتوثيق التدمير الواقع على البيئة اللبنانية ودراسة أثره على البنية التحتية والإنتاجية والتنوع الحيوي للبيئة، وتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة تاريخياً وقانونياً ومالياً كمعتد على لبنان ومدمر لبيئته، واتخاذ التدابير اللازمة لمقاضاتها كمجرم حرب بحق الإنسانية والطبيعة في المحاكم الدولية المختصة، إضافة إلى إلزامها بدفع الكلفة الكاملة لتنظيف التلوث الذي سببته وإعادة تأهيل الأنظمة الحيوية وإعادة بناء البنية التحتية وتعويض الخسائر البيئية والمدنية الناتجة عن العدوان.
كذلك دعت هيئة تنسيق العمل البيئي في الأردن، التي تضم في عضويتها أكثر من عشرين جمعية معنية بالبيئة، الى رصد التدمير الحاصل للبيئة والبنية التحتية والإنتاجية في لبنان وفلسطين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتحميله كلفة إعادة تأهيل الأنظمة البيئية والموارد المائية والزراعية، إضافة الى تعويض الخسائر البيئية والمدنية الناتجة عن الاحتلال والعدوان.
وقالت الهيئة في بيان أصدرته ان الاعتداءات على لبنان ستؤدي الى كارثة إنسانية وتدهور بيئي، حيث أصبح نصف السكان بدون ماء نتيجة التدمير المنهجي لمصادر الطاقة الذي أدى الى توقف عمليات ضخ ومعالجة المياه، وأدى الى انسياب مياه المجاري والوقود الى الشوارع والشواطئ، مما سيزيد حالات إصابة المواطنين، ولا سيما الأطفال، بالعديد من الأمراض وانتشار الأوبئة، خصوصاً مع تعطل عمل بعض المستشفيات نتيجة القصف.
إضافة الى دور المنظمات، استخدم البيئيون العرب سلاح الانترنت كآلية حديثة لتدعيم الموقف اللبناني سواء من خلال النشطاء بشكل فردي أو من خلال المواقع العربية المعنية بالبيئة. فالأفراد تبادلوا الرسائل الالكترونية بصورة غير مسبوقة، وأخذت هذه الرسائل أشكالاً كثيرة، منها أن يعيد المتلقي إرسالها الى معارفه وأصدقائه أو حتى الى البريد الالكتروني لأشخاص لا يعرفهم باستخدام ما يعرف بـ "القائمة البريدية" بهدف تعميم المعلومات والأخبار حول ما يتعرض له الشعب اللبناني من بشاعة. ومنها أيضاً تبادل النداءات الصادرة عن المنظمات الدولية والإنسانية، والتي تدعو إلى تلبية الحاجات الملحة للمواطنين مثل إرسال عناوين الهيئات والمؤسسات وأرقام حسابات المصارف المخصصة لتقبل التبرعات الى المهجرين والمشردين من جراء العدوان. وعلى سبيل المثال، انتشر النداء الذي أصدرته منظمة "يونيسف" بغرض جمع 7 ملايين و300 ألف دولار، بسرعة فائقة بعد وقت قليل من صدوره، ويذكر أن المصريين استخدموا أيضاً رسائل الهاتف المحمول في هذا الصدد.
أما المواقع الالكترونية العربية المهتمة بالبيئة فقد أفردت العديد من المقالات والمواضيع التي تندد بالعدوان. فنشرة "أخبار البيئة" السورية قدمت أكثر من موضوع عما تتعرض له البيئة اللبنانية من دمار، ومن بينها تحذيرات الأمم المتحدة من تسرب الوقود الى الشواطئ السورية واللبنانية والذي يهدد الناس بالإصابة بالسرطان. وفتحت شبكة "البيئة الآن" المصرية ملفاً تحت عنوان "أوقفوا الحرب"، كما نشرت العديد من المقالات لبعض نشطاء البيئة العرب تحيي الصمود اللبناني في مواجهة العدوان.
كادر
جمعية الامارات للغوص تستعد للمساهمة في إزالة التلوث النفطي
دبي ـ من عماد سعد
بادرت جمعية الامارات للغوص الى تلبية نداء المشاركة في ازالة آثار التلوث النفطي الشديد الذي حل بالبحر والشواطئ اللبنانية. وقال إبراهيم الزعبي، مدير قسم الدراسات البيئية، إن أعضاء الجمعية على أتم الاستعداد للإقامة على الشواطئ اللبنانية إذا ما لزم الأمر، والقيام بعمليات التنظيف، معتمدين على خبرتهم الطويلة في هذا المجال البالغة 11 عاماً.
وتضم جمعية الإمارات للغوص 650 عضواً و33 مركز غطس. وقد سبق أن قامت بعدة عمليات إنقاذ بيئي في الامارات ودول عربية وأجنبية، بينها عمليات التنظيف في تايلاند عقب كارثة تسونامي عام 2004.