Thursday 28 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
نادين حداد حـرب علـى البيئـة   
أيلول (سبتمبر) 2006 / عدد 102
نادين حداد - شارك في جمع المعلومات من المواقع المصابة: بوغوص غوكاسيان، محمد السارجي، ليا قاعي، نسرين عجب
 
 البقعة النفطية التي تقدر بنحو 15 ألف طن من الفيول (زيت الوقود الثقيل)، والتي تسربت الى بحر لبنان بعد قصف خزانات محطة توليد الطاقة في الجية على بعد 30 كيلومتراً جنوب بيروت في 13 و15 تموز (يوليو) الماضي، كانت أبرز مشكلة بيئية خلفها العدوان الاسرائيلي على لبنان. وهي امتدت شمالاً مسافة لا تقل عن 150 كيلومتراً، وبلغت الساحل السوري، واعتبرت ''أسوأ كارثة بيئية'' تحل بالبحر المتوسط. وبما أن هذا البحر شبهمغلق، ''فإن الملوثات قد تبقى في المياه قرناً من الزمن''، كما صرح لويس كولاسيموني، المسؤول الاعلامي في خطة عمل البحر المتوسط التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وحذر وزير البيئة في لبنان يعقوب الصراف من ان ''الحياة البحرية والنظام الايكولوجي في البحر المتوسط مهددان بأسوأ العواقب، وان ثمة أنواعاً معينة معرضة للانقراض''. وقال مدير عام وزارة البيئة برج هتجيان ان ''تنظيف شواطئ لبنان، التي كانت توصف في ما مضى بالذهبية وتشكل حتى ما قبل القصف مقاصد رئيسية لاجتذاب السكان المحليين والسياح، سيكلف نحو 150 مليون دولار، ولن يتم الانتهاء منه حتى الصيف المقبل''، فيما أكد خبراء دوليون أن عملية التنظيف قد تستغرق خمس سنوات، وهناك اجماع على وجوب المباشرة فوراً، اذ أن كل يوم تأخير يفاقم الوضع.
في اجتماع عقد في ضاحية بيرايوس قرب أثينا في 17 آب (أغسطس)، أعلن مسؤولو المنظمة البحرية الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والاتحاد الأوروبي أنهم سيطلبون مساعدة مالية دولية لاحتواء التسرب النفطي، الذي يمثل أيضاً خطراً على قبرص وتركيا واليونان. وقدرت تكاليف العملية بنحو 65 مليون دولار. واعتبر المدير التنفيذي للبرنامج  أخيم شتاينر ان الكارثة ''حال طوارىء بيئية رئيسية''. وكانت الوكالة والبرنامج أوفدا خبراء الى المنطقة للمساعدة على اعداد خطط لإزالة آثار التسرب.
وستقدم المفوضية الأوروبية للبيئة 13 مليون دولار ''مساعدة أولية'' للتعامل مع التسرب، علماً أن معدات تنظيف وصلت من النروج وضعت في المنطقة للشروع في إزالة البقعة. وقدم صندوق أوبك للتنمية الدولية مساهمة مالية فورية قيمتها 200 ألف دولار لشراء معدات رئيسية بواسطة مكتب الأمم المتحدة للتنسيق والشؤون الإنسانية. وأرسلت الكويت معدات لاحتواء النفط وامتصاصه. وباشرت جمعيات أهلية مثل ''الخط الأخضر'' و''بحر لبنان'' و''بيبلوس ايكولوجيا'' ونقابة الغواصين المحترفين، والجيش اللبناني، برصد التلوث وتنظيف الشواطىء منذ وقف اطلاق النار. وأبدت الجامعة اللبنانية الأميركية استعدادها لجلب واستنبات نوع مطور من البكتيريا المحللة للنفط لاستخدامها في عملية تنظيف بيولوجي للشواطىء الرملية. وقال الدكتور فؤاد حشوة، عميد كلية الآداب والعلوم وأستاذ الميكروبيولوجيا في الجامعة، ان بحر لبنان وشاطئه سينظفان تلقائياً الى حد كبير خلال أقل من سنة، خصوصاً بحركة الأمواج في فصل الشتاء، ''ولكن بعد عمليات التنظيف الفيزيائي والكيميائي تأتي المعالجة البيولوجية التي تسرّع التنظيف ولا تتطلب إلا مواد بسيطة كالنيتروجين والفوسفور، كما حصل في عمليات معالجة التلوث الذي تسببت به الناقلة اريكا عام 1999 عندما سربت 13 ألف طن من النفط في المحيط الأطلسي قبالة فرنسا''. وفي 28 و29 آب (أغسطس) قام فريق خبراء من المركز الاقليمي للاستجابة لحالات طوارئ التلوث البحري في المتوسط (REMPEC)  والاتحاد الأوروبي ووزارة البيئة، في طائرة هليكوبتر لقوات الطوارئ الدولية ( UNIFIL) بمسح جوي على طول الشاطئ اللبناني بعرض 5 أميال بحرية (9 كيلومترات) في المياه الاقليمية. وأفادت أنها لم تعاين أي بقعة نفطية في البحر، وأن التلوث الأكبر هو على الشواطئ وخصوصاً الخلجان والمرافئ. وقدر العقيد البحري ميشال الهاشم من الجيش اللبناني، الذي يشارك مع وزارة البيئة في تنظيف الشاطئ، ألا تتجاوز كميات الفيول المفترض سحبها حتى نهاية عملية التنظيف 2000 طن، مقدراً الكمية التي التصقت بالشاطئ اللبناني بنحو 8000 طن.
تلوث الهواء: دخان وغبار ورذاذ سام
قصف محطة توليد الطاقة في الجية أضرم حريقاً دام أكثر من عشرة أيام. والغيمة الدخانية السامة التي امتدت شمالاً أكثر من 30 كيلومتراً غطت العاصمة بيروت لعدة أيام،محولة ضوء النهار الى غسق.
قال ماهر علي، وهو صياد سمك من بلدة الجية: "عندما كانت الرياح تهب من الشمال كان الوضع محمولاً، لكن عندما تهب من الشرق كان الوضع مميتاً. فالشحتار (السخام) يهبط على الطعام والأثاث، حتى أنك لا تستطيع أن تترك كوب ماء قربك''. هذا الأمر، أكثر من خوف القصف، دفع آلاف العائلات الى مغادرة المنطقة".
وأفاد مركز المعلومات الخاص باتفاقية برشلونة ان ''مركبات شديدة التطاير، خصوصاً بوجود درجات حرارة عالية، انتشرت في الهواء من محطة توليد الكهرباء. وأول الذين تعرضوا للخطر من جراء استنشاق الرذاذ السام هم سكان منطقة بيروت الكبرى''. ووصف المواد المتسربة بأنها "تشكيلة سامة بالغة الخطورة مكونة من مركّبات تسبب أمراضاً سرطانية وتلحق تلفاً بجهاز الغدد الصم".
تلوث الهواء في لبنان لا يخضع لرصد إلا في بيروت، وبشكل محدود جداً، حيث تفحص بضعة مؤشرات مثل اول اوكسيد الكربون واوكسيدات النيتروجين و ثاني اوكسيد الكبريت، وفقط في مناطق معينة. وكشف الدكتور توفيق رزق، عميد كلية العلوم في جامعة القديس يوسف وعضو الفريق العامل في مشروع مراقبة هواء بيروت، أن عمليات القياس في محطة المراقبة المركزية الكائنة في حرج بيروت أوقفت عن العمل بعد أسبوع من بدء الحرب خشية أن يستهدف الاسرائيليون معداتها.
استهداف البنية التحتية والمراكز الصناعية وخزانات النفط، كما في الجية ومطار رفيق الحريري الدولي، لوث الأجواء بانبعاثات وغبائر سامة. فالرياح تنقل جسيمات الغبار عدة كيلومترات بعيداً الى شمال بيروت والى الجبال المجاورة شرقاً. وأكدت المواطنة هدى سلامة ذلك بقولها: "لا مكان للاختباء. انه وقود يتساقط من السماء. غادرت منزلي في بيروت لأنني لم أعد أستطيع التنفس، لكن السخام تبعني على طول الطريق المؤدية الى كفرذبيان على ارتفاع 1150 متراً عن سطح البحروعلى بعد 44 كيلومتراً من بيروت".
وقد أفاد الدكتور ياسين محمد من مستشفى حمود في صيدا أن تلوث الهواء، على المدى القريب، يسبب للأشخاص الذين تعرضوا له مشاكل تنفسية وحساسيات وتهيجاً للعينين، ويزيد الأعراض لدى الأشخاص الذين يعانون أصلاً من هذه المشاكل. ولفت الى أن تدخين السجائر والنراجيل بكثافة داخل أماكن مغلقة، في الملاجىء والمراكز التي تجمع فيها المهجرون، زاد عدد الأشخاص المتأثرين. أضاف: "زرت قاعة احدى المدارس، حيث شاهدت نازحين يدخنون أكثر من 30 نرجيلة وحولهم أطفال ونساء حوامل".
اختلاط المياه العذبة والمبتذلة وتراكم النفايات والأنقاض
تلوث المياه ونقصها داخل الأماكن التي لجأ اليها المهجرون رفعا عدد الأشخاص الذين عانوا من اسهال وأمراض أخرى لها علاقة بالنظافة، خصوصاً الأطفال والمسنين. لقد نزح أكثر من مليون شخص عن ديارهم أثناء العمليات الحربية التي بدأت في 12 تموز (يوليو) ودامت حتى 14 آب (أغسطس). وأقام معظمهم في مدارس ومراكز اجتماعية وأديرة وأماكن تجمّع أخرى، لم تكن مهيأة لاستقبال هذا العدد الكبير من الناس خلال 34 يوماً.
المهندس كريم الجسر من شركة Ecodit للاستشارات البيئية قال ان تمديدات مياه الصرف ومياه الشرب قريبة جداً بعضها من بعض، وقد تضررت بفعل القصف العنيف والمكثف، فلوثت المياه المبتذلة شبكة امدادات المياه العذبة. وأشار الى مخاوف من تلوث المياه كيميائياً، لأن نوعية بعض الصواريخ والقنابل التي أطلقت، خصوصاً على القرى الجنوبية، لا تزال غير معروفة.
استمرار الغارات على الطرق والشاحنات جعل جمع النفايات مهمة صعبة. وتفاقم الوضع في بيروت والمناطق التي تشملها خدمات شركة ''سوكلين''، اذ ان معظم العمال السوريين العاملين فيها عادوا الى بلادهم، كما استهدف القصف مراراً منطقة الناعمة حيث يوجد المطمر، على بعد 20 كيلومتراً جنوب بيروت. ونتيجة لذلك كانت أكياس النفايات تتكدس لعدة أيام في أماكن التجميع مهددة بانتشار الأمراض والحشرات.
أظهرت أزمة النفايات الصلبة عدم قدرة البلديات على ادارة نفاياتها، اذ أن غالبيتها اعتمدت الحرق بعد أن تأخرت ''سوكلين'' عن جمعها. كما أظهرت الأزمة ضعف وعي لدى السكان الذين استمروا في انتاج كميات النفايات ذاتها فيما هم يشاهدون أكياسها مكدسة في الشوارع.
الغارات على المراكز الصناعية والمستشفيات والمباني السكنية والتجارية ولدت أيضاً أطناناً من النفايات السامة التي تحتاج الى معالجة خاصة. وأشارت زينة الحاج من منظمة ''غرينبيس'' الى أن "الهجمات على مصنع لانتاج بلاستيك PVC في صور خلفت رماداً ساماً يجب التخلص منه بأمان تجنباً لتلويث الهواء والتربة والمياه الجوفية".
ولم تصدر وزارة البيئة تقارير عن الاجراءات التي سوف تتخذ ولا عن الأضرار التي لحقت بغرف تخزين النفايات الطبية، خصوصاً الكيميائية والاشعاعية، في المستشفيات والمراكز الصحية المتضررة. وفي زيارة لمندوبة مجلة ''البيئة والتنمية'' الى موقع مستشفى بهمن في منطقة حارة حريك، الذي يضم وحدة للمعالجة بالمواد الكيميائية، أخبرها أحد الحراس أن غرفة تخزين النفايات الطبية تضررت الى حد بعيد نتيجة غارة اسرائيلية.
أما في ما يتعلق بمخلفات تدمير 35 ألف وحدة سكنية وتجارية و78 جسراً ونحو 100 طريق، فقد بدأت أعمال التنظيف ورفع الأنقاض فور اعلان وقف اطلاق النار. لكن لم يصدر قرار حتى الآن عن كيفية التخلص منها. وفي حديث الى ''البيئة والتنمية''، أفاد مدير عام الطرق والمباني في وزارة الأشغال العامة والنقل فادي النمار ان الردم الناتج عن الدمار يجمّع حالياً في أملاك عمومية بانتظار صدور نتائج فحوصات التلوث الاشعاعي. وقد أعلن أمين عام المجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة أن عينات أخذت من 28 موقعاً رئيسياً تم قصفها في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، وأن نتائج الفحص الاشعاعي لـ18 عينة (حتى تاريخ ارسال هذا العدد الى المطبعة في 28 آب/أغسطس) بينت خلوها من الاشعاع. وقد تم فحص العينات في مختبرات الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية التابعة للمجلس. واضاف أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بادرت الى ارسال مزيد من التجهيزات ليصار الى متابعة المسح الاشعاعي الميداني الشامل بحثاً عن أي أثر لليورانيوم المستنفد في المواقع المقصوفة.
بحثت لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية موضوع الانقاض واعادة الاعمار، بمشاركة ممثلين عن وزارات الأشغال العامة والنقل والبلديات والبيئة، والمديرية العامة للتنظيم المدني، ومجلس الانماء والاعمار، ونقابة المهندسين في بيروت. فاقترحت وزارة النقل القاء الردميات في البحر واستعمالها في توسيع المرافئ. وعارضت وزارة البيئة ذلك مقترحة القاءها في مواقع المقالع تمهيداً لاعادة تأهيلها. ويرى خبراء أن الحل المأمون هو اعادة تدويرها وفق المعايير العالمية، لان الركام يحتوي على مخلفات سامة قد تلوث التربة والمياه الجوفية، كما أن الاسمنت والحديد لا يمكن اعتمادهما في ردم الموانىء لأنه يتحلل في المياه المالحة، بحسب النائب محمد قباني رئيس لجنة الأشغال والنقل النيابية، علماً أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي رصد مبلغ 8 ملايين دولار لمعالجة الانقاض.
بعد انتهاء الحرب، لا بد من اعادة فتح ملف النفايات الصلبة. فاضافة الى مشكلة النفايات البلدية المزمنة، تشكل الانقاض والسيارات المتضررة والمركبات الحربية المدمرة والنفايات الأخرى المتولدة أثناء الحرب مسألة خاصة يجب دراستها بتمعن. وهناك الكثير من فرص اعادة التدوير التي يجب انتهازها تجنباً لكارثة بيئية جديدة.
تلف المزروعات وحرائق الغابات
فصل الصيف في لبنان هو الموسم الرئيسي لقطاع الزراعة، لذا كانت خسائره كبيرة من جراء الحرب. ويعتبر البقاع والجنوب المنطقتين الزراعيتين الرئيسيتين في لبنان، وكان كلاهما مسرحاً لمعارك طاحنة.
انعدام الأمن وشلل قطاع النقل منعا المزارعين من حصاد محصولهم وايصال منتجاتهم الى الأسواق. يضاف الى ذلك نقص الأيدي العاملة، حيث غادر معظم العمال السوريين الى بلادهم فور بدء الحرب. وأضرم القصف حرائق في كثير من بساتين الزيتون والفاكهة. ونتيجة لهذا الوضع، ترك المزارعون حقولهم وبساتينهم وباتوا يواجهون صعوبات مالية، خصوصاً أن معظمهم مدينون للمصارف والشركات الزراعية بمبالغ كانوا ينوون تسديدها بعد بيع الغلال. وقد يؤدي هذا الأمر، في حال لم يتم التعويض على المزارعين، الى هجر أراضيهم مما سيعرضها على المدى البعيد للتصحر. وأفاد تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي أن خسائر الزراعة في الجنوب تجاوزت 110 ملايين دولار. كما قدرت الخسائر الأولية في البقاع بنحو 100 مليون دولار. لكن وزير الزراعة طلال الساحلي قال ان الخسائر ''أكبر بكثير مما ذكره تقرير برنامج الأمم المتحدة الانمائي''، مضيفاً أن هناك خسائر كبيرة لم يذكرها، مثل قطاع السمك والدواجن والنحل والبنى التحتية.
وقدرت مصادر الدفاع المدني اللبناني عدد الحرائق التي نشبت في الغابات وغيرها من المساحات الخضراء بفعل القصف بنحو 100 حريق يومياً، علماً أن شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) يشهدان ذروة موسم الحرائق. وكانت الغابات والحقول تشتعل ولا من يخمدها، اذ انشغل رجال الاطفاء باخماد الحرائق المندلعة في المباني المقصوفة.
تبقى مشكلة الألغام والقذائف غير المنفجرة والتي لا تقل عادة عن 10 في المئة من القذائف الملقاة. ويقدر أن القوات الاسرائيلية ألقت نحو 153 ألف قنبلة خلال الحرب الأخيرة، ما يعني وجود 15 ألف قنبلة غير منفجرة على الأقل منتشرة في مناطق مختلفة. وقال تود هارت من مكتب نزع الألغام التابع للأمم المتحدة ان ''المكتب حدد حتى 24 آب (أغسطس) نحو مئتي موقع يوجد فيها قنابل عنقودية و1500 من الذخائر الفردية والمدفعية''. وتعمل فرق من المكتب والجيش اللبناني على مسح المناطق المستهدفة. تجدر الاشارة الى أنه يصعب تمييز معظم القنابل العنقودية الصغيرة، اذ غالباً ما تكون مخبأة بين الحصى أو مغطاة بالتراب والغبار، وهي حساسة جداً ويمكن أن تنفجر بمجرد لمسها.
إجهاض الموسم السياحي
كان موسم السياحة واعداً هذا الصيف، وبدأ مئات ألوف السياح والمغتربين يتدفقون على لبنان. وما ان بدأت الحرب حتى لاذوا بالفرار. وأفاد مجلس الانماء والاعمار أن فاتورة الأضرار التي لحقت بالقطاع السياحي بلغت أكثر من ثلاثة مليارات دولار حتى 31 تموز (يوليو)، لكن البقعة النفطية والغابات المحروقة والبنية التحتية المتضررة ستؤثر على هذا القطاع لسنوات مقبلة.
تقول فاتن عضاضة، المتخصصة في تنمية البيئة الريفية: ''انني أعمل منذ خمس سنوات في عكار (شمال لبنان) لاطلاق مشروع سياحي تنموي لاحياء هذه المنطقة الغارقة في النسيان. وكان حلمي على وشك أن يصبح حقيقة، فقد وافق صندوق دولي مبدئياً على تمويل مشروع السياحة البيئية الذي طال انتظاره. والآن سينام مشروعي في الأدراج لسنوات، فثمة مشاريع أكثر إلحاحاً''. وترى عضاضة أن مشاريع التنمية الريفية هي المفتاح لمساعدة المجتمعات القروية في الوقوف على أقدامها مجدداً، ومنع حدوث هجرة من الأرياف مماثلة لتلك التي أعقبت الحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت في أوائل التسعينات.
ما زال من المبكر تقييم الضرر الفعلي الذي سببته الحرب الاسرائيلية على لبنان، كما أن تحليل عينات تلوث الهواء والمياه والتربة سيستغرق وقتاً لا يستهان به. ولكن استباقاً لفورة الاعمار المقبلة، يجب اجراء مسح شامل للأضرار، ووضع خطة تنمية مستدامة تشمل جميع قطاعات البنية التحتية والاقتصاد، وتأخذ في الاعتبار المعايير البيئية الدولية لاجتناب المزيد من تدهور البيئة اللبنانية.
كادر
مساهمة جمعيات بيئية لبنانية في مكافحة التلوث النفطي
''كنـا نستطـيـع التحـرك أسرع''
وائل حميدان
تعددت الآثار البيئية للعدوان الإسرائيلي على لبنان، من إمكانية استخدام اليورانيوم المستنفد والمواد الكيميائية في الذخيرة الإسرائيلية الى الحرائق الناجمة عن قصف الأحراج، بالإضافة الى الأضرار البيئية غير المباشرة الناجمة عن عملية إزالة الردميات وإعادة الأعمار.
بالطبع، أكبر مشكلة بيئية هي التي حصلت في أول أيام الحرب، عندما أدت غارات إسرائيلية على محطة الجية للكهرباء الى تسرب نحو 15,000 طن من زيت الفيول الثقيل الى البحر. وتعتبر هذه الكارثة إقليمية، ومن أكبر الكوارث البيئية التي ضربت حوضالبحر المتوسط شبه المغلق.
لتقييم الاضرار الناجمة عن هذا التسرب النفطي والعمل على الحد من تأثيراته السلبية، بدأ عدد من الجمعيات البيئية غير الحكومية بمسح الشاطئ وتقييم تأثير التسرب وسبل مكافحته مباشرة بعد حصوله. فتم مثلاً نشر عدة خرائط تبين حجم المناطق الساحلية المتضررة وصولاً الى وضع خطة للتنظيف. كما أجريت دراسات علمية واقتصادية للتمكن من تحديد كلفة للكارثة. وكانت هذه الجمعيات من الأوائل في تنفيذ عمليات تنظيف للشاطئ اللبناني، خصوصاً في منطقتي الرملة البيضاء وجبيل.
اعترضت عمليات التقويم والتنظيف صعوبات جمّة، أهمها الحصار البحري المضروب على لبنان من قبل العدو الصهيوني. ولكن بعد وقف العمليات الحربية ظهرت عقبات أخرى. فعندما أرادت الجمعيات البيئية بدء عمليات التنظيف على الشاطئ، واجهت عوائق إدارية أخرت هذه العمليات. وكان يجدر بوزارة البيئة أن تسهل عمليات التنظيف، وتبادر الى دعوة البلديات والمجتمع المدني للنزول الى الشاطئ ومكافحة الكارثة. ففي معظم التسريبات النفطية التي حدثت حول العالم، لعب المجتمع المدني دوراً كبيراً في الحد من أضرارها.
والمعروف أنه كلما طال وجود النفط في البيئة تحلل الى مواده الاساسية وتغلغل في المنظومات البحرية وتراكم في الكائنات الحية، وهذا يزيد صعوبة تنظيفه. وبعد مرور أكثر من شهر على التسرب، لم تكن عمليّات التنظيف الجديّة بدأت بعد. وهذا تسبب بتغلغل النفط بين الرمال وركوده بين الصخور وانتشاره أكثر في البحر.
عمل على الأرض
بدأت جمعية الخط الأخضر العمل على كارثة التسرب النفطي بالتعاون مع عدة منظمات بيئية محلية، خصوصاً نقابة الغواصين المحترفين وجمعية بيبلوس إيكولوجيا، في 17 تموز (يوليو) أي بعد يومين من قصف معمل الجية الحراري.
في بادئ الأمر وضعت الجمعية خريطة للمواقع المتضررة على الساحل، من منطقة الأوزاعي جنوب بيروت الى الحدود اللبنانية ـ السورية في الشمال، وتمت هذه العملية تحت القصف الإسرائيلي المتواصل. بعدها بدأت عملية المسح الدقيق للبقع النفطية وتقييم الأضرار الناجمة عنها. في الوقت نفسه، قام فريق من الجمعية بإجراء أبحاث عن كيفية التعامل مع التسريبات النفطية، وخصوصاً عمليات التنظيف. فتم الاتصال بخبراء حول العالم، والتعاقد مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) لإحضار خبير التسريبات النفطية ريك شتاينر إلى لبنان، الذي قام بوضع خطط تقييم وتنظيف لوزارة البيئة وغيرها.
وتنسق الجمعية مع الجهات المعنية والمهتمة بهذا الموضوع في لبنان وخارجه، وتسخر مواردها المادية والبشرية للمساعدة في عمليات التنظيف. وهي تحضّر لحملة إقليمية، وربما عالمية، لتحميل إسرائيل مسؤولية التسرب النفطي وغيره من الجرائم البيئية.
كادر2
هل نأكل السمك؟ هل نسبح؟
ليا قاعي
في غمرة التلوث النفطي الهائل لبحر لبنان، يتساءل معظم المواطنين عن أمرين حيويين: هل يأكلون السمك؟ وهل يسبحون، وأين؟ ''البيئة والتنمية'' جمعت بعض المعلومات وسألت معنيين بهذين الموضوعين.
وزارة الزراعة طمأنت المواطنين الى أن لا خطر من أكل السمك. ويقول الدكتور عصمت بولس، الاختصاصي بالأحياء البحرية: ''عموماً، لا ضرر من أكل السمك، طالما لا تنبعث منه رائحة النفط ولا تظهر على حراشفه لطخات سوداء''، مؤكداً أن الناس سيلاحظون فوراً ما اذا كان السمك قد لامس النفط اذ سيكون له طعم النفط، "ولن يكون مضراً بالصحة في هذه الحال وانما كريه المذاق".
السمك البالغ ''يهرب'' بعيداً الى مياه نظيفة، ومعظم أنواعه تعيش على عمق مأمون تحت سطح الماء. ويقول نقيب الغواصين المحترفين محمد السارجي: ''الأسماك التي يجب الامتناع عن أكلها هي التي تعيش على سطح المياه وتكون على تماس مباشر بطبقات النفط، مثل البوري والبلميدا. لذلك على الصيادين ألا يصطادوا الا في المياه العميقة، مع التأكد من أن شباكهم لا تلامس طبقات النفط السطحية أثناء سحبها من البحر''. وقال الدكتور منال نادر، الخبير في علم الأحياء البحرية وزراعة الأسماك، إن التأثير الأساسي هو على الصدفيات الموجودة على الشواطئ الصخرية، وعلى بيض الأسماك وصغارها، في الأماكن الملوثة القليلة العمق.
وتفيد تقارير خبراء أن النفط المتسرب لا يحتوي على عناصر يُعرف أنها تتراكم في الأسماك. ويقول الدكتور بولس: "الخطر الوحيد على المدى البعيد يمكن أن يأتي من استخدام المشتتات الكيميائية التي تنتشر على سطح المياه لتفكيك النفط".
ماذا عن السباحة في البحر؟ يتفق العلماء والأطباء على أن السباحة في هذه الأوضاع غير مأمونة. فإن كثيراً من مكونات زيت الفيول يمكن أن تسبب أمراض حساسية حادة، فضلاً عن تهيج الجلد والعينين، عندما يتعرض المرء مباشرة لمياه وصخور ملوثة. وحتى لو لم تكن البقع النفطية مرئية بالعين المجردة، فثمة طبقة رقيقة من النفط طافية على المياه. ثم ان التعرض للنفط فترات طويلة وتكراراً يمكن أن يعرض المرء لخطر الاصابة بأورام نتيجة الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات (PAHs) المسببة للسرطان عن طريق ملامسة الجلد والاستنشاق والابتلاع العرضي.
كادر 3
أسلحة محظورة في الهجوم الاسرائيلي على لبنان
صدرت تقارير كثيرة عن مستشفيات وشهود عيان وخبراء أسلحة وصحافيين تفترض بقوة أن الجيش الاسرائيلي استخدم ''أسلحة جديدة'' في حربه على لبنان، اذ تم الابلاغ عن أعراض غريبة بين الذين جرحوا أو ماتوا في مناطق عدة تعرضت للقصف.
وصور أعضاء في منظمة ''هيومن رايتس واتش'' لحقوق الانسان قنابل عنقودية بين أسلحة مدفعية الجيش الاسرائيلي المتمركزة على الحدود الاسرائيلية اللبنانية، اثناء زيارة بحثية في 23 تموز (يوليو) الماضي. وتحقق وزارة الخارجية الأميركية في امكانات انتهاك اسرائيلي لاتفاقات سرية تحظر استعمال هذه القنابل الأميركية الصنع في مواقع ومواقف معينة. فهذه القنابل تنشر مئات القنابل الصغيرة المحشوة بشظايا بالغة الصغر، وهي سريعة التفجّر عن الملامسة، تجرح المدنيين وتقتلهم بعد انتهاء الهجوم.
واتهمت وزارة الداخلية اللبنانية اسرائيل باستعمال الفوسفور الأبيض الحارق في مناطق مدنية. وهذا ما أكده الدكتور بشير الشام من صيدا، قائلاً: ''شاهدنا ضحايا تفحم لحمها من دون أن تحرقه قنابل وألسنة لهب عادية. لم يكن هناك نزيف ولا ورم دموي تحت الجلد. وقد بقي الشعر سليماً، وأحياناً اللحية والشاربين. لون الجلد أسود لكنه لم يتكلس أو يحترق.
وقالت باولا ماندوكا استاذة علم الوراثة في جامعة جنوى الايطالية ان "كثيراً من هذه الأوصاف يوحي باحتمال أن تشمل الأسلحة الجديدة أسلحة طاقة مباشرة وعوامل كيميائية أو بيولوجية، في شكل اختبار مروِّع لحرب المستقبل".
اتهمت اسرائيل أيضاً بالقاء قنابل فراغية، اي قنابل وقود ـ هواء، على مناطق سكنية، خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية. هذه القنابل تطلق كمية من الوقود الرذاذي يشعلها جهاز تفجير مدفون داخلها يطلق الانفجار. واجهة الموجة المتمددة بسرعة نتيجة الضغط الزائد تسحق الأجسام القريبة من المركز السطحي لغيمة الوقود الرذاذي. وبعض أنواع الوقود المستعملة، مثل اوكسيد الاثيلين واوكسيد البروبيلين، هي سامة للغاية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.