قطعان النوّ والحُمُر الوحشية التي تطاردها الأسود، في هجرتها السنوية العاصفة عبر منتزه سيرنغيتي الشهير في أفريقيا، قد تصبح مشهداً من الماضي في عالم يتغير مناخه وتتقلص موارده الطبيعية. فالحيوانات المهاجرة، التي ترتحل عبر الأرض لتتزاوج أو لتجد مرعى في مناخ ملائم، ستكون الأكثر تأثراً بتغير المناخ وما يرافقه من دمار الموائل وجفاف مصادر المياه. وفي مستقبل قريب، يقول تقرير 2006 لاتفاقية الأمم المتحدة للأنواع المهاجرة، قد نضطر الى تأمين مستجمعات مياه اصطناعية لتمكين الحيوانات من سلوك دروب هجرتها.
"حري بنا نحن المجتمعين هنا أن نذهب في رحلة الى جبل كينيا وجبل كليمنجارو القريبين. أحفادنا قد لا يرون الثلج على تلك القمم". هكذا تم تقديم تقرير "التأثر والتكيف في أفريقيا" خلال مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ الذي عقد في نيروبي الشهر الماضي.
الثلوج على قمة كليمنجارو، أعلى جبال أفريقيا الذي يرتفع 5895 متراً عن سطح البحر، تقلصت بنسبة 82 في المئة منذ مسح المنطقة لأول مرة عام 1912، ويمكن أن تختفي كلياً خلال 15 سنة. الأنهار المتدفقة من هذين الجبلين، ومن "أبراج المياه" الأخرى حول العالم، قد تجف خلال بضع عشرة سنة اذا بقيت ظواهر تغير المناخ على نمطها الحالي. وجاء ذوبان ثلوج جبلي كينيا وكليمنجارو بمثابة إنذار عالمي، ما اضطر منظمة اليونسكو الى التحذير من خطر حذفهما عن قائمة التراث العالمي. وأضاف التقرير، الذي استند الى بيانات من برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ووكالات دولية أخرى، أن مستوى البحار قد يرتفع بما بين 15 و95 سنتيمتراً خلال القرن الحادي والعشرين، وأن الفيضانات والموجات الحارة ستتفاقم، وأن أمراضاً ستزداد تفشياً ومنها الملاريا والايدز ومرض النوم القاتل الذي تنقله ذبابة تسي تسي.
تغير المناخ مثل حرب عالمية
نحو 6000 مندوب من 189 بلداً اجتمعوا في العاصمة الكينية نيروبي خلال 12 يوماً من المحادثات بين 6 و17 تشرين الثاني (نوفمبر)، توجت بثلاثة أيام أخيرة من المناقشات على مستوى الوزراء، للبحث في سبل الحد من الاحتباس الحراري وتغير المناخ. خيَّم على المجتمعين شبح تقرير حكومي بريطاني أعده فريق بقيادة نيكولاس ستيرن، كبير اقتصاديي البنك الدولي سابقاً، يتنبأ بأزمة اقتصادية عالمية ما لم يكافح التغير المناخي بفاعلية وفوراً. وسيكون سكان البلدان النامية هم الأكثر تأثراً، وستتلقى افريقيا الضربة الأقسى في حين أنها تنتج كمية صغيرة نسبياً من الانبعاثات. وأشار التقرير الى أن العمل اليوم لخفض الانبعاثات الكربونية سيكلف واحداً في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، أما تأخره فقد يرفع الثمن الى 20 في المئة. وفي كلمة أمام المؤتمر، قال أليكس بوين المستشار الاقتصادي لفريق ستيرن ان بقاء النمط الحالي للانبعاثات سيرفع حرارة العالم 5 درجات على الأقل بحلول سنة 2100، ويجلب على العالم كارثة مناخية واقتصادية واجتماعية مع الفيضانات والمجاعات والانقراضات الجماعية.
أضاف التقرير أن على أوروبا تخفيض انبعاثاتها 30 في المئة بحلول سنة 2020 وبنسبة 60 في المئة بحلول 2050، مؤكداً: "هذا ممكن، نستطيع أن ننمو ونكون خضراً" ومحذراً من أن تجاهل التغير المناخي سيلحق بالاقتصاد العالمي ضرراً موازياً للحربين العالميتين. وقد اعتبر رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير أن تقرير ستيرن "أسقط آخر حجة للتقاعس في مواجهة تغير المناخ". وتسعى بريطانيا حالياً للتوصل الى اتفاقية جديدة أوسع من بروتوكول كيوتو تضم الولايات المتحدة والصين والهند.
الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان خاطب وزراء عشرات الدول الذين قدموا الى العاصمة الكينية للمشاركة في المؤتمر، فقال ان بروتوكول كيوتو هو مجرد خطوة صغيرة أولى نحو مكافحة التغيرات المناخية "التي باتت تشكل تهديداً كبيراً، مثلها مثل النزاعات المسلحة والفقر وانتشار الأسلحة". وفيما وضع المسؤولية الأساسية للتحرك "على كاهل المسؤولين عن تراكم ثاني اوكسيد الكربون في الجو"، في إشارة الى الدول الصناعية، أكد أن الانبعاثات الصادرة من الدول النامية "لا يمكن أن تستمر في الزيادة بلا رادع"، لافتاً بشكل خاص الى الاقتصادات الكبرى النامية مثل الصين والهند. وتعد الولايات المتحدة أكبر دولة منتجة لغازات الاحتباس الحراري، اذ تنتج نحو 25 في المئة من الانبعاثات العالمية، تليها الصين ثم روسيا فالهند.
التقدم بسرعة حلزونة
وضع مؤتمر نيروبي "خريطة طريق" لتوسيع بروتوكول كيوتو، تتضمن أساليب لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع تأثيرات تغير المناخ. لكنه لم يحرز تقدماً نحو تقرير ما يتوجب عمله بعد "انتهاء صلاحية" كيوتو سنة 2012. وتم تأجيل مراجعة البروتوكول الى سنة 2008 للتركيز آنذاك على الالتزامات المستقبلية للدول "على هدي أفضل الأدلة العلمية"، كما قال ايفو دي بوير الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، تمهيداً لتوسيع نطاق الاتفاقية الملزمة حالياً لـ35 بلداً غنياً كي تضم آخرين. وقد وقع 189 بلداً على الاتفاقية، لكن 165 بلداً فقط وقعت بروتوكول كيوتو.
وكانت الولايات المتحدة انسحبت من بروتوكول كيوتو الذي يلزم البلدان الصناعية الأعضاء بتخفيض مجمل انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري، ولا سيما ثاني اوكسيد الكربون، بنسبة 5,2 في المئة عما كانت عام 1990، وذلك خلال الفترة 2008 ـ 2012. فقد تخلى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عن البروتوكول عام 2001 بذريعة أنه يشل الاقتصاد الأميركي ويزيد البطالة، ولأنه لا يحدد أهدافاً تخفيضية للبلدان النامية. وتقول الادارة الأميركية انها رصدت 29 بليون دولار على مدى خمس سنوات لأبحاث المناخ وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، وهي تسعى بدل كيوتو الى "أهداف حدّة (intensity targets) أي تخفيض كمية الانبعاثات لكل وحدة اقتصادية، "وبلادنا سبقت برنامجها الزمني نحو تحقيق هدفها بخفض الحدة 18 في المئة بحلول 2012، ونحن نخفض انبعاثاتنا بوتيرة أسرع من البلدان الأطراف في بروتوكول كيوتو"، كما قال المفاوض الأميركي في المؤتمر هارلان واتسون. لكن هذا، إذا صحّ، يبقي الانبعاثات الأميركية أعلى بنحو 20 في المئة مما كانت عام 1990.
لم ينجح الوزراء الاوروبيون خلال المؤتمر في التوصل الى اتفاق على أن يتم بحلول سنة 2009 تكريس أهداف جديدة للانبعاثات لما بعد سنة 2012. ويريد الاتحاد الأوروبي أن تلتزم الدول المتقدمة صناعياً خفض انبعاثاتها بين 15 و30 في المئة عن مستوى 1990 بحلول سنة 2020، كما يضغط لفرض التزامات على الدول النامية. وتعتبر المفوضية الاوروبية، وكذلك ألمانيا التي سترأس الاتحاد الأوروبي في المرحلة المقبلة، أن مكافحة تغير المناخ هي في رأس أولوياتهما وبرنامج عملهما. كذلك سعت روسيا الى إقرار اقتراحها بالسماح للبلدان النامية التي ليست لها حالياً "أهداف كيوتوية" أن تقلص انبعاثاتها طوعياً.
إزاء الضغط الاوروبي خلال المؤتمر، قال وزير البيئة الهندي إن الصيحات الموجهة الى البلدان النامية لالتزام أهداف بعد 2012 هي "على حافة السوريالية" تفتقد الواقعية والمنطق. واعتبر وزير البترول السعودي علي النعيمي، متحدثاً باسم مجموعة الـ77 والصين التي تضم 134 بلداً، ان محاولات فرض التزامات جديدة على البلدان النامية "هي غير مقبولة". وطالبت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) بأن يشمل برنامج العمل للسنوات الخمس المقبلة بشأن آثار تغير المناخ تطبيقات عملية وفعالة لتدابير التكيف والاستجابة تستفيد منها الدول النامية والمصدرة للبترول. وهكذا تم تأجيل مراجعة أهداف جديدة للانبعاثات الى سنة 2008 "من دون أن يؤدي ذلك الى التزامات جديدة لأي طرف" كما جاء في نص القرار.
وأقر المؤتمر برامج متواضعة لمساعدة افريقيا، القارة الأفقر في العالم، على التكيف مع الأهوال المرتقبة لتغير المناخ مثل ازدياد الجفاف والعواصف والفيضانات والأمراض وارتفاع مستويات البحار، اضافة الى ترويج تقنيات خضراء مثل طاقة الشمس والرياح. وقال وزير البيئة الكيني كيفوثا كيبوانا، الذي ترأس الجلسات، إن هذا المؤتمر الذي عقد للمرة الأولى في أفريقيا جنوب الصحراء أثبت أن "سكان أفريقيا الـ800 مليون هم في الخط الأمامي لتغيرات المناخ المستقبلية".
نتائج محادثات نيروبي وصفتها منظمات بيئية بـ"التقدم بسرعة حلزونة"، معتبرة أن تأخير مراجعة الأهداف الى سنة 2008 قد يقوض الاستثمار في صناعات الطاقة النظيفة. لكنها رحبت بـ"صندوق التكيف" المرصود لمساعدة البلدان الفقيرة على الصمود أمام تأثيرات الاحترار العالمي بين 2008 و2012، عبر تمويل مشاريع مثل اقامة دفاعات لصد الفيضانات وتخزين المياه للسنوات العجاف. ويتغذى الصندوق من عائدات "آلية التنمية النظيفة" التي تسمح للبلدان الصناعية الخاضعة للبروتوكول بمقايضة انبعاثاتها مقابل الاستثمار في مشاريع تنموية مستدامة في البلدان النامية من شأنها تخفيض الانبعاثات.
ولكن في حين يقدر البنك الدولي ان حماية النشاطات التنموية من تأثيرات تغير المناخ ستكلف ما بين 10 بلايين و30 بليون دولار سنوياً، فان صندوق التكيف لا يحوي اليوم سوى 3 ملايين دولار، أي أقل بمليون دولار من تكاليف مؤتمر نيروبي!
مناطق ساخنة
الاحتباس الحراري لم يعد خطراً محدقاً في الأفق. لقد بات أمراً واقعاً وتأثيراته ظاهرة للعيان.
19 من الأعوام الـ20 الأكثر حرارة في السجلات حدثت منذ ثمانينات القرن العشرين. والأدلة قاسية بشكل خاص في القطبين الشمالي والجنوبي، حيث تذوب الأنهار والكتل الجيلدية. وأشار تقرير لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) الى أن غرينلاند تفقد من طبقتها الجليدية 20 في المئة أكثر مما تكسبه من سقوط الثلج، في حين بيَّن تحليل لبيانات أقمار اصطناعية أوروبية وكندية أن 220 كيلومتراً مكعباً من جليد غرينلاند ذاب في البحر السنة الماضية وحدها، في مقابل 90 كيلومتراً مكعباً عام 1996. وهذا مؤشر خطر جداً. فجبال الجليد البحرية لا ترفع مستوى البحر عندما تذوب، لأنها عائمة وقد احتلت أصلاً الحجم الذي ستحتله من المياه. أما الجليد الأرضي، كما في غرينلاند، اذا انصبّ في البحار التي ترتفع أصلاً لأن المياه الساخنة تتمدد، فسوف يغرق الشواطئ. وتشير تقديرات الى أن الغطاء الجليدي في غرينلاند كاف لرفع مستوى بحار العالم 7 أمتار، وأن في القارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا) جليداً كافياً اذا ذاب لرفع البحار أكثر من 65 متراً.
وتنبأ تقرير دولي يصدر في كانون الأول (ديسمبر) الحالي عن "المركز الوطني للأبحاث الجوية" في الولايات المتحدة بمستقبل شاقّ مناخياً للعالم، خصوصاً غرب الولايات المتحدة وحوض البحر المتوسط والبرازيل التي اعتبرها "مناطق ساخنة". وتوقع موجات حر وجفاف أقسى وأطول أمداً، وجليداً أقل، "وإذا أمطرت فستمطر أكثر ولو مرات أقل". ويستند هذا التقرير الى توقعات أبرز 9 نماذج كومبيوترية في العالم حول تطور أحوال المناخ. "حضارة القرن الحادي والعشرين محشورة بين صحارى زاحفة وبحار مرتفعة"، هذا التصور الذي أطلقه لستر براون رئيس معهد Earth Policy سيرافقه دفق غير مسبوق من اللاجئين البيئيين وازدياد في الصراعات المدنية والعسكرية.
الانسان هو الكائن "الذكي" الذي يسبب كل هذه المشاكل. وهو يدفع الثمن غالياً، تدميراً لموائله وأسباب عيشه. لقد ارتفعت حرارة مياه المحيطات نحو 0,7 درجة مئوية منذ عام 1970، وسخونة المياه وقود للأعاصير. وبينت دراستان عام 2005 أن الأعاصير العنيفة من الفئتين الرابعة والخامسة تضاعفت عالمياً خلال الـ35 سنة الماضية، فيما قفزت سرعة الرياح ومدة كل الأعاصير بنسبة 50 في المئة.
وحذر أخيم شتاينر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، من أن "أكثر من 100,000 منطقة محمية في العالم تمثل تراث مجتمعاتنا هي في خطر"، وما لم تنعكس وجهة تغير المناخ فسيكون الانقراض مصير 50,000 نوع من الأحياء، لأن أحداثاً كارثية كالفيضان والجفاف وارتفاع مستوى البحار يمكن أن تخل بتوازن أنظمة بيئية تقوم على تكافل ألوف الأنواع الحية.
بانتظار رحيل بوش
الولايات المتحدة هي أكبر منتج للانبعاثات، ورفضها التزامات بروتوكول كيوتو لا يشجع ملوثين كباراً آخرين، مثل الصين والهند واوستراليا، على الانضمام. لكنها بدأت تكشف وجهاً أخضر. فقد وضعت شركات أميركية كبرى سياسات طوعية لتخفيض الانبعاثات. ووقع عُمدات أكثر من 200 مدينة "اتفاقية العمدات الأميركيين لحماية المناخ" متعهدين التزام أهداف كيوتو في مدنهم. وأطلقت تسع ولايات شرقية "المبادرة الاقليمية لغازات الدفيئة" بهدف خفض الانبعاثات طوعياً ومقايضتها بين الشركات الأكثر تلويثاً والأقل تلويثاً.
وثمة ضغوط متنامية في الولايات المتحدة لوضع حدود وطنية للانبعاثات، وستقوى هذه الضغوط بعد انتصار الديموقراطيين على الجمهوريين في انتخابات الشهر الماضي. ويصرح مرشحون للرئاسة، بينهم السيناتور الجمهوري جون ماكين والسيناتور الديموقراطية هيلاري كلينتون، بالحاجة الى عمل على مستوى الحكومة الاتحادية لكبح الانبعاثات الغازية من قطاعات الصناعة والنقل والزراعة التي يتهمها العلماء بتغيير المناخ.
الجميع بانتظار الولايات المتحدة، ويرى محللون أن أي تقدم جوهري في السياسة الأميركية إزاء تخفيض الانبعاثات لن يتحقق قبل رحيل بوش. وقد اعتبر عدد كبير من رؤساء الوفود في مؤتمر نيروبي أن سنة 2009 أو 2010 قد تكون الموعد الأقرب لاقرار اتفاقية عالمية جديدة تحل مكان بروتوكول كيوتو، أي بعد ترسيخ إدارة أميركية جديدة. لكن منظمات بيئية ترى أن كوكب الأرض لا يسعه الانتظار حتى ذلك الوقت!
كادر
الدفء العالمي يفترس دلتا النيل
القاهرة ـ من نهال لاشين
على مدى العصور الجيولوجية القديمة تغير المناخ على سطح الأرض أكثر من مرة، وكان لهذا التغير آثاره على تطور الحياة. وما يشغل بال العلماء الآن هو ما يمكن أن يطرأ على مناخ الأرض من تغيرات نتيجة نشاطات الإنسان المختلفة، التي تتسبب في إطلاق غازات تؤدي لارتفاع درجة حرارة سطح الكوكب محدثة دفئاً عالمياً.
لمثل هذا الدفء آثار مباشرة، كتمدد مياه البحار والمحيطات وذوبان الجليد في المناطق القطبية وسفوح الجبال العالية، ما ينتج عنه ارتفاع مستوى سطح البحر. وتقديرات هذا الارتفاع، حسب العالم البيئي المصري الدكتور محمد القصاص، تتراوح من 20 إلى 80 سنتيمتراً نتيجة تمدد كتل الماء بالحرارة، "ولو أضفنا إلى هذا ناتج ذوبان كتل الجليد في القطبين بفعل الدفء لزادت تقديرات الارتفاع، ولا أريد أن أحدد تلك التقديرات الآن".
ويقول القصاص إن نهر النيل، شريان الحياة في مصر، يواجه خطراً يحدق بالمناطق الشمالية من دلتاه وتخومها الغربية، حيث يتهددها هذا الارتفاع في مستوى مياه البحار. وكل دراسة تجرى في العالم على أثر ارتفاع منسوب المياه على النطاقات الساحلية تتناول الدلتا المصرية تحديداً بسبب عظم تأثرها.
نهر النيل، كغيره من الأنهار، كتلة متحركة من المياه والرواسب، يمتد مسافة 6650 كيلومتراً من بحيرة فيكتوريا في الهضبة الاستوائية إلى المصبات عند البحر المتوسط. ويغطي حوض النهر حيزاً فسيحاً من الأرض يقدر بقرابة 3 ملايين كيلومتر مربع، ويتصل بدول عشر هي: مصر والسودان وإثيوبيا وإرتريا وكينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي وزائير. وتشير توقعات معظم الدراسات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة حول تأثير تغير المناخ إلى أن نهر النيل سيواجه شحاً في مياهه قد يصل إلى 75 في المئة.
ويتهدد ارتفاع مستوى البحر منطقتين أساسيتين في دلتا النيل هما: منطقة الظهير الداخلي لمدينة الإسكندرية (بحيرة مريوط والأجزاء الغربية من محافظة البحيرة) علماً أن هذه الأراضي تقع تحت مستوى سطح البحر، ومنطقة شمال الدلتا (بحيرة المنزلة وبحيرة البرلس وتخومهما الجنوبية).
يرصد "البيان الأصلي حول تغير المناخ" الصادر عام 1999 عن وكالة الشؤون البيئية المصرية تفاصيل العواقب المتوقعة. فالجزء المنخفض من دلتا النيل يضم أكبر مدن مصر وصناعتها وزراعتها وسياحتها. وبالرغم من أن منطقة الدلتا ووادي النيل تشكل 5,5 في المئة فقط من مساحة مصر، إلا أنها تحتضن أكثر من 95 في المئة من سكانها وزراعتها.
لذا فالمنطقة الساحلية في الدلتا بالغة الحساسية تجاه تأثيرات تغير المناخ، لا بسبب خطر ارتفاع مستوى البحر وحسب، بل أيضاً بسبب العواقب على الموارد المائية والزراعية والمستوطنات السياحية والإنسانية. فوفق النمط السكني الحالي، من المرجح نزوح مليوني شخص على الأقل من مناطق الدلتا الساحلية بسبب الفيضانات وخسارة الأرض الخصبة.
أما في باقي الساحل المصري، فمن المتوقع أن يؤدي ارتفاع مستوى البحر بين نصف متر ومتر إلى ابتلاعه نحو 30 في المئة من مدينة الإسكندرية. كما أن مدينة بورسعيد مهددة بأخطار مماثلة.