عندما تقود دراجتك عبر شوارع المدينة، متجنباً السيارات والحافلات، يبدو ركوبها في الأرياف مثالياً بالمقارنة. فهناك فضاء رحب لك ولدراجتك، ولا زحمة سير أو طرقات باتجاه واحد تعترض سبيلك. تمتد أمامك مناظر خلابة، ويملأ رئتيك نسيم عليل.
أنا أعيش في قلب الـريف الإيرلندي، وأعشق السير على الطرقات ومنحدرات التلال راكباً دراجتي. لكن الأخطار التي يواجهها الدرّاج على تلك المسالك التي تبدو مقفرة لا تقل عن تلك التي في المدينة.
عندما بدأت ركوب الدراجة هنا، كان سائقو السيارات أكـثر من أقلقني. فالمشكلة في الطرق الريفية أن السائقين يعرفونها جيداً إلى حد أنهم لا يتورعون عن اجتيازها بسرعة جنونية أحياناً . انهم «يطيرون» حول المنعطفات، ويجتازون السيارات الأخرى في أي وقت بلا تحسّب.
قبل أسابيع، كنت أسلك منعطفاً نحو أسفل تلة، مغادراً قرية صغيرة. وكنت أعلم بوجود جسر ضيق أمامي. ولا بد من أن سائق سيارة الدفع الرباعي ورائي كان على علم به أيضاً ، لكنه اعتبر أن ذلك لا يستدعي التمهل، فتجاوزني، وبشق النفس تجنّب السيارة التي واجهتنا عندما اجتزنا المنعطف.
لقد تعلمت درساً قيماً في ركوب الدراجة وفي الحياة العامة، وهو أن أفترض أن كل من حولي غبي. افترض أنت أيضاً أن السائق خلفك لن يفكر في السيارات المقبلة حول منعطف، فإما أرسل له إشارة تحذير، وإما تجنب المأزق بألا تفسح له في المجال ليتجاوزك.
ليس أهم من الحرص على الطرق الريفية. عندما بدأت ركوب الدراجة، كنت ألزم أقصى حافة الطريق لإعطاء السيارات كل المجال اللازم للتجاوز في المسالك الضيقة. لكن سرعان ما تعلمت أن علي الدفاع عن نفسي وأخذ الموقع الذي يحق لي على الطريق. فالجوانب الرخوة قد تخرجك عن مسارك بسرعة ما إن تطأ عجلتك حافة الطريق. وحذار أيضاً أثناء الانعطاف حول زوايا ضيقة. فعدم وجود خطوط فاصلة بين المسارب ووجود طرقات ضيقة يعنيان أن السائقين كثيراً ما يشردون عن الجانب المخصص لهم.
كنت فتياً عندما التقيت خصمي الرهيب. فأصحاب الكلاب في الأرياف قلما يبقون كلابهم خلف أبواب موصدة، وقلما يحدّون من حركتها. ويبدو أن أكبر المشاكل تأتي من الكلاب التي تختبئ خلف الأسيجة بانتظار اللحظة المناسبة للانقضاض. وكاد لقائي الأول مع أحد هذه العفاريت يسفر عن حادث اصطدام، وجهدت لأستعيد رشدي وسط نباحه الهستيري، محاولاً الابتعاد عن أنيابه الحادة التي طاردتني على الطريق. وكم من درّاج قتل أو أصيب بكسور على أثر سقوطه بسبب وثبة كلب. الخطر حقيقي جداً.
لكنني تعلمت بعض الحيل للتعامل مع هذه الحيوانات «الأليفة». فلدى صديق لي طريقة فريدة للتصدي لها على الطريق. فإذا التقى كلباً أطلق صرخة مدوية. وهذا الصوت العالي لم يخنه حتى الآن.
أما إذا خانك صوتك، فافعل مثل رفيقة لي في ركوب الدراجات، إنها تطلق نافورة ماء من قارورتها، ويبدو أن هذه حيلة ناجحة. وأنا لا أتقاعس أبداً عن نهر أصحاب الكلاب عند المرور قرب منازلهم.
الكلاب ليست الخطر الوحيد في الأرياف. فالأغنام، التي لا تشكل خطراً هجومياً حقيقياً، هي حيوانات جفولة تنزع إلى العدو باتجاهات عشوائية. وقد التقى أحد الدراجين المحليين خروفاً صغيراً فيما هو يتناول قارورة الماء، ولم يتمكن من تجنب شروده، فتعثر وسقط سقطة مؤذية. فما هي حيلة صديقي بالنسبة إلى الخراف؟ إنها صرخة «ماااااا» عالية يبدو أنها تبعد الخطر.
لكن ليست الكلاب كلها هجومية، وليست الخراف كلها سريعة الاهتياج، وليس السائقون كلهم جاهلين. وركوب الدراجة رائع في الأرياف، فالطرقات تقودني إلى مسالك مذهلـة تأخذني إلى جبال وبحيرات وغابات تخطف الأنفاس. وركوب الدراجـة عبر هذه المناظر الطبيعيـة الخلابة يشعرك بجمال الريف وبالسعـادة التي تغمرك وأنت تعبرها.
وكما هي الحال دائماً، هناك درس يجب أن تتعلمه. أحد الدراجين أذهله منظر بحيرة هادئة وقد انعكست على سطحها صورة الجبال، ففاته تجنب حفرة في طريقه، ما أطاح به أرضاً وأصيب برضوض.
كادر
قواعد ذهبية لدرّاجي الأرياف
- تمالك نفسك، وخذ المكان الصحيح على الطريق وإذا لم يكن تجاوز السيارة التي وراءك مأموناً، أرسل للسائق إشارة تعلمه بذلك.
- راقب الحفر على الطرق التي لا تعرفها جيداً.
- تأكد من تصرفات أي حيوان تصادفه.
- استعدّ لرحلة طويلة. اجلب معك كمية كافية من الماء والطعام، لأنك قد لا تعلم مكان وجود أول متجر ستصل إليه.
- زوِّد دراجتك بالمصابيح، فقد يحل عليك الظلام.
كادر
دراجو المدن يتنشقون ملوثات أكثر من المشاة
الأشخاص الذين يركبون الدراجات بانتظام في مدن كبيرة مثل لندن وأمستردام وكوبنهاغن تزيد مستويات الكربون الأسود في أجهزتهم التنفسية، وفق تقرير حديث قدم في مؤتمر الجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي الذي عقد في أمستردام في أيلول (سبتمبر) 2011.
والكربون الأسود هو جسيمات السخام الدقيقة التي ينتجها حرق الوقود وتدخل إلى عمق الرئتين. وهي شبيهة بالجسيمات التي تبطّن جدران المداخن. وترتبط بالكربون الأسود مجموعة من الأضرار الصحية التي تشمل النوبات القلبية وتراجع وظيفة الرئتين، لأنه يبطن المجاري الهوائية ويضيقها.
من المفارقات أن شخصاً يختار التنقل بشكل صحي قد يتعرض لتدهور في صحته التنفسية. الباحثون الذين قدموا التقرير، بقيادة البروفسور جوناثان غريغ من معهد الطب في لندن، أخذوا عينات من خلايا جدار البلعوم من خمسة دراجين بالغين أصحاء، ومن خمسة مشاة بالغين أصحاء، كلهم لا يدخنون وتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً.
أظهرت النتائج أن الكربون الأسود في رئات الدراجين تزيد 2.3 مرة بالمقارنة مع المشاة. وعزا الباحثون ذلك إلى عدة عوامل، منها أن الدراج يتنشق الهواء أكثر عمقاً وبوتيرة أسرع من المشاة عندما يكون على مقربة من عوادم السيارات، ما يزيد عدد الجسيمات التي تتغلغل في رئتيه. وأوصت الدراسة بأن يؤخذ التعرض للكربون الأسود في الاعتبار عند تخطيط مسالك الدراجات.