مع انتشار البدانة وإنفاق بلايين الدولارات سنوياً على اعلانات الماكل غير الصحية، تحاول بعض الحكومات وجماعات
حماية المستهلك الحد من تسويق هذه الأطعمة وخصوصاً عندما تستهدف الأطفال
أصبحت البدانة مرضاً شائعاً في العقود الأخيرة، اذ يعاني منها حالياً أكثر من 800 مليون شخص. وقد بلغت مستويات وبائية في بلدان الشمال الغنية أولاً، ومن ثم انتشرت في بلدان عدة أخرى. ففي الولايات المتحدة، ازداد انتشارها ضعفين خلال 15 سنة، بين عامي 1990 و2005، ليشمل نحو 40 في المئة من مجموع السكان. كما تضاعف انتشارها في الصين خلال 10 سنوات، بين عامي 1992 و2002، لكنه يشمل نحو 7 في المئة من السكان. وفي مصر والكويت، يعاني من البدانة حالياً أكثر من 30 في المئة من السكان. وحتى بين شعوب البلدان الواقعة جنوب الصحراء الافريقية، حيث يشيع الفقر، تشكل زيادة الوزن مشكلة متنامية.
يعتبر خبراء منظمة الصحة العالمية ان البدانة ستصبح قريباً السبب الأول للوفيات التي يمكن تجنبها، متقدمةً على تدخين السجائر. وينسب انتشار البدانة الى مجموعة متنوعة من العوامل، لكن المشكلة الأساسية هي استهلاك المرء سعرات حرارية أكثر مما يحرق. وقد أدت الزراعة الممكننة المكثفة والنمو الاقتصادي الى جعل الأطعمة الغنية بالطاقة (اللحوم والسكريات والزيوت) أكثر انتشاراً. وازداد انتاج اللحوم عالمياً بالنسبة للفرد أكثر من 75 في المئة منذ عام 1961، فيما ارتفع استهلاك السكر للفرد اكثر من 25 في المئة، وانخفض سعر الطعام الغني بالدهون بمقدار النصف.
مسوقو المواد الغذائية جعلوا الأطعمة المصنعة، مثل السكاكر والحلوى والمرطبات الغازية والمأكولات السريعة، أكثر وفرة وإغراء. وازداد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سريعة أكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 1980، وأخذ استهلاك المرطبات الغازية ينافس استهلاك الحليب عالمياً. وتعجز ''السعرات الحرارية الفارغة'' الناتجة عن السكريات والدهون المركزة عن إشباع الشهية بالفعالية التي توفرها الفواكه والخضار الغنية بالألياف. لذلك تكون المبالغة في الأكل أسهل عندما تحل الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات محل الوجبات الغنية بالألياف.
وقللت النظم الزراعية الممكننة الحاجة الى أيد عاملة في المزارع، فيما شهدت حياة المدن تزايد وسائل النقل الآلية، مثل السيارات والمصاعد والسلالم المتحركة. وقد يكون الازدحام وارتفاع معدلات الجريمة سبباً لتقاعس سكان المدن عن القيام بنشاطات خارج منازلهم. فباتت أوقات التسلية التي يمضيها الشخص العادي في العالم الصناعي وهو جالس يشاهد التلفزيون، مثلاً، تستهلك ثلاث ساعات على الأقل من سحابة يومه، أي أكثر من نصف الوقت المخصص لراحته.
وفي البلدان النامية، يميل سكان المدن الى اكتساب وزن اضافي. ففي الصين واندونيسيا، يتجاوز معدل البدانة في المدن ضعفي ما هو عليه في المناطق الريفية. وفي الكونغو، يفوق المعدل في المدن ستة اضعاف. ولكن في البلدان المتقدمة، حيث الأطعمة غير الصحية الزاخرة بالسعرات الحرارية قد تكون رخيصة الثمن وسهلة المنال في المناطق الريفية الفقيرة، يكون سكان المدن عادة أنحف من سكان الأرياف. ففي عام ،2003 كان سكان مدينة نيويورك اقل بدانة بعض الشيء من الأميركي العادي، وكان سكان الأرياف في شرق ألمانيا أثقل وزناً في المتوسط من سكان مدينتي هامبورغ وبرلين.
ويبدو أيضاً أن سكان مناطق معينة هم أكثر ميلاً الى زيادة الوزن. ومعدلات مؤشرات كتلة الجسم أعلى عموماً لدى النساء مما هي لدى الرجال. ففي بلدان مثل الكويت وروسيا وجزر باربادوس، تبين أن معدل النساء البدينات يفوق كثيراً معدل الرجال البدناء، وقد يكون السبب قرب النساء من مصادر الطعام وقلة نشاطهن الجسدي. وقد تكون لدى بعض السكان ''مورثات مزدهرة'' تخزن الدهن بسرعة أكبر.
ولأن المخزونات الدهنية ضرورية للصمود في الفترات التي يشح خلالها الطعام في جزر المحيط الهادئ، فإن نصف سكان جزر ساموا هم بدناء حالياً، وكذلك نحو 80 في المئة من سكان جزيرة نورو. وعلى النقيض من ذلك، يميل سكان الهند والصين الى زيادة الوزن بسهولة. ولأن هؤلاء السكان الأنحف يتعرضون مع ذلك لمضاعفات صحية عند مستويات ادنى لمؤشرات كتلة الجسم، فإن مسؤولي الصحة العامة اقترحوا حدوداً مختلفة للبدانة للمجموعات العرقية المختلفة. ويرى البعض أن معدل الخصر ـ الورك، الذي هو قياس للبدانة البطنية، يتيح تكهناً أكثر دقة لاحتمال حدوث مشاكل صحية.
تزايد الأمراض والنفقات الصحية
ان الترسبات الدهنية المفرطة تعوق الجهاز الاستقلابي للجسم وتجهد القلب والعظام والأوتار. وكون المرء بديناً يرفع خطر إصابته بامراض قلبية وعائية، وبداء السكري من الفئة الثانية، وأمراض تنفسية والتهاب عظمي وأمراض المرارة وبعض الأمراض السرطانية (خصوصاً سرطان الثدي والقولون والبروستات وبطانة الرحم والكلية والمرارة). وتتسبب البدانة بداء انقطاع النفس الموقت أثناء النوم، وبمشاكل جلدية وعقم وفقدان الحماسة وميل الى التغيب عن العمل وعزلة اجتماعية واكتئاب. وكان الازدياد العالمي لداء السكري من الفئة الثانية سريعاً بنوع خاص، اذ ارتفع ستة أضعاف منذ عام 1985 ليبلغ عدد المصابين أكثر من 177 مليوناً.
وفي البلدان الصناعية، نسبت دراسات نسبة 12 في المئة من نفقات الرعاية الصحية الى البدانة. وقدرت دراسات أجراها الاتحاد الاوروبي الكلفة السنوية للبدانة بنحو 40 بليون دولار. واذا احتسبت جميع المشاكل المسببة لزيادة الوزن، يرتفع الرقم الى 155 بليون دولار. وفي الولايات المتحدة، قدرت الكلفة بين 75 و118 بليون دولار، ما يعادل أو يتجاوز النفقات الصحية التي يسببها التدخين. وقد حذرت دراسة أجراها المعهد الوطني للشيخوخة في الولايات المتحدة من ان البدانة قد تكون سبباً لأول انخفاض في متوسط العمر المتوقع خلال العصر الحديث، ما لم يوضع حد لهذا المرض. وفي البلدان النامية، يضيف ارتفاع النفقات أعباء الى نظم الرعاية الصحية التي ما زالت تحاول مساعدة الذين يعانون من نقص في الوزن.
وتشكل منتجات وبرامج انقاص الوزن صناعة رائجة. ففي الولايات المتحدة وحدها، ينفق الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية خاصة ما بين 40 و100 بليون دولار محاولين انقاص وزنهم. لكن الأكثرية تفشل في خسارة بعض من الوزن الزائد بصورة دائمة. وتعتبر عمليات شفط الدهون وتصغير حجم المعدة من العمليات الأسرع نمواً في الصناعة الطبية.
وبهدف مساعدة الأطفال في اجتناب البدانة المبكرة، تركز الهيئات الصحية على المدارس، مطالبة بوجبات أنفع للصحة ودروس في أصول التغذية والطبخ والاستغناء عن آلات بيع السكاكر والمشروبات الغازية وتخصيص وقت كاف للأنشطة الجسدية. ومن الحملات الناجحة برنامج ڤئىُّ فَل للأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن والمساعدة في خفض معدل البدانة في مرحلة الطفولة بنحو 15 في المئة خلال تسعينات القرن العشرين.
وقد نجحت جماعات حماية المستهلك في دفع مؤسسات تجارية، مثل مطاعم ماكدونالدز، الى التقليل من الوجبات ''الفائقة الحجم'' وتقديم المزيد من أنواع السلطة والفاكهة. لكن تقريراً صدر حديثاً عن معهد الطب في الولايات المتحدة استنتج أن استمرار تسويق الوجبات السريعة غير الصحية للأطفال شكل سبباً رئيسياً للبدانة. وقد عمدت حكومات أوروبية الى الحد من تسويق هذه الأطعمة، فيما اقترح بعض الاكاديميين فرض ضرائب مباشرة على الأطعمة الفقيرة بالمغذيات والغنية بالسعرات الحرارية.
يروج آخرون لمزيد من النشاط الجسدي. فقد أطلقت حكومات ومنظمات وسياسيون حملات إعلامية للتشجيع على ممارسة التمارين الرياضية وركوب الدراجات الهوائية يومياً. وشرع مخططون مدينيون في تصميم مدن تشجع على المشي. حتى ان شركات انخرطت في هذه الحملات. فقد صممت شركة ''سبرينت'' مقرها الرئيسي على نحو تستخدم فيه مصاعد بطيئة الحركة لتشجيع الموظفين على استعمال السلالم، وبنت قاعات الطعام ومواقف السيارات على مسافة من المكاتب للتشجيع على المشي يومياً.
تصاعد الانفاق على الاعلانات
سجل الانفاق العالمي على الاعلانات في عام 2005 رقماً قياسياً مقداره 570 بليون دولار، أنفق نحو نصفها (48 في المئة) في الولايات المتحدة. وذهب نحو 15 في المئة منها لاعلانات الأطعمة والمطاعم والمرطبات والحلويات. والاعلانات وسيلة رئيسية للشركات كي تزيد حصتها في السوق فيما تحفز الانفاق الاستهلاكي الاجمالي، غالباً على منتجات تضر بصحة المستهلك والبيئة.
لكن بلداناً ومنظمات تعنى بحماية المستهلك أخذت تتصدى للاعلانات المخادعة والممارسات التسويقية المضرة. فقد خطت فرنسا، مثلاً، خطوة اضافية في مضمار الاعلانات، فطلبت من مسوقي المواد الغذائية تضمين إعلاناتهم رسائل صحية او دفع ضريبة بنسبة 1,5 في المئة من موازناتهم الاعلانية السنوية الى مؤسسة تتولى الترويج لخيارات أكل صحية.
ويستعمل ''مركز العلوم في خدمة الجمهور''، الذي يعنى بحماية المستهلك في الولايات المتحدة، تكتيكاً مختلفاً لتغيير الممارسات التسويقية هو المقاضاة. ففي كانون الثاني (يناير) ،2006 رفع المركز دعوى بقيمة بليوني دولار بحق شركة ''فياكوم'' الترفيهية وشركة ''كيلوغ'' لانتاج المواد الغذائية (خصوصاً رقائق الذرة ''كورن فلايكس'') لقيامها بتسويق ''مأكولات ذات نوعية غذائية رديئة'' بطريقة غير منصفة وخادعة لأطفال دون سنّ الثمانية أعوام.
إن تعميم هذه الممارسات الوقائية يحد من جماح المعلنين ومن اغراق الأسواق بالسلع الغذائية غير الصحية.
ألمانيا تعلن حرباً على البدانة في أوروبا
قالت ماريون جاسبير ميرك، وزيرة الدولة للصحة في ألمانيا، ان خفض وزن الأوروبيين سيكون من بين أولويات ألمانيا خلال رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي بدءاً من كانون الثاني (يناير) 2007، مع التركيز على البدانة عند السكان ذوي الدخول المنخفضة.
وقد اتفق الوزراء الأوروبيون ووزراء وسط آسيا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 على ميثاق تدعمه منظمة الصحة العالمية في شأن مكافحة البدانة، يتضمن مقترحات للحد من اعلانات الطعام غير المفيد صحياً التي تستهدف الأطفال، وزيادة الثقافة الصحية، اضافة الى جعل الطعام الصحي والتمارين الرياضية أكثر توافراً.
وتقدر منظمة الصحة العالمية ان 6 في المئة من التكاليف الصحية في أوروبا ووسط آسيا ترجع أسبابها الى البدانة، و''اذا لم يتم القيام بشيء لوقف هذا الاتجاه، فإن واحداً من كل 5 بالغين وواحداً من كل 10 أطفال سيصبح بديناً بحلول سنة ''2010.