لم تكد القمة الخليجية تعلن عزم دول الخليج العربية دراسة برامج مشتركة لاستخدامات الطاقة النووية في الأغراض السلمية، حتى رد الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مرحباً وعارضاً مساعدة بلاده في نقل التكنولوجيا النووية إلى جيرانها العرب. وسبق هذا إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش عن برنامج ''الشراكة العالمية للطاقة النووية''، الذي يهدف إلى تشجيع بناء المحطات النووية حول العالم، لانتاج الكهرباء خاصة. لكن برنامج بوش يقسم دول العالم إلى فئتين: واحدة يحق لها تخصيب اليورانيوم وانتاج الوقود النووي وتصديره، وهي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، وفي الجهة المقابلة جميع دول العالم الأخرى، المصنفة دولاً مستخدمة للوقود النووي، التي يحق لبعضها إنتاج الطاقة من وقود سابق التخصيب وتكنولوجيا تستوردها جاهزة من دول الفئة الأولى.
الزبائن أعلنوا طلباتهم والموردون جاهزون للتسليم، لقاء ثمن. فهل تحتاج الدول العربية فعلاً إلى محطات الطاقة النووية، وهي تقع في منطقة تفيض ليس بالطاقة التقليدية فقط، بل بمصادر الطاقة المتجددة أيضاً، وفي طليعتها الشمس والرياح؟ وبماذا يستفيد العرب إذا أصبحوا سوقاً يتنافس عليها بائعو المعدات النووية الجاهزة؟ وهل نريد فعلاً إدخال المنطقة العربية في الجحيم النووي، الذي لا يقتصر على الاستخدامات العسكرية، بل يحفل بالمخاطر المحتملة من حوادث التلوث الاشعاعي من محطات توليد الطاقة، مهما كانت ''سلمية''، كما حصل في تشيرنوبيل؟
من المفهوم السعي لامتلاك التكنولوجيا النووية، إذا كانت جزءاً من خطة شاملة لتطوير قدرات البحث العلمي. ولكن لهذه الخطة نفسها أولويات، من العلوم الطبية إلى بحوث الأرض والفضاء، بما فيها تغير المناخ والزراعة ومكافحة التصحر وتحلية المياه. فما هي مساهمة العرب في المساعي العلمية الدولية؟ وماذا يعني أن نستورد أحدث المنتجات الطبية، بما فيها الأطباء أنفسهم، ما دام المسؤولون (وكبار القوم) في دولنا يقصدون مستشفيات الخارج كلما أصابهم وجع أو ألمّ بهم مرض؟
ما تحتاجه دولنا العربية دعم البحث العلمي من أجل التنمية، على نحو يجعلها شريكاً في التكنولوجيا لا مجرد مستورد لمعدات جاهزة، أكانت طبية أم نووية.
المفارقة أنه مع إعلان الدول التي تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم عن نيتها بناء محطات نووية تكون مصدراً بديلاً للطاقة، كانت بريطانيا تعلن عن إنشاء أكبر ''مزرعة رياح'' بحرية في العالم لانتاج الكهرباء من طاقة الرياح. والمحطة، التي ستبنى على بعد عشرين كيلومتراً عن الشاطئ الانكليزي، ستحتوي على 341 مروحة تولّد ألف ميغاواط من الكهرباء. وفي الوقت نفسه وافقت الحكومة البريطانية على انشاء مزرعة رياح أخرى بطاقة 300 ميغاواط، مما يجعل المحطتين معاً قادرتين على مدّ ثلث بيوت لندن وضواحيها بالكهرباء. ويأتي هذا ضمن خطة بريطانية للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة في انتاج الكهرباء وبنسبة 20 في المئة بحلول سنة 2020. ومن اللافت أن شركتي النفط العملاقتين، ''شل'' و''بريتش بتروليوم''، هما من الشركاء الرئيسيين في مشاريع مزارع الرياح البريطانية.
أما الدانمارك، فقد تجاوزت حصة الرياح في انتاج احتياجاتها من الكهرباء نسبة 20 في المئة سنة 2006. وتسير ألمانيا واسبانيا وهولندا بخطى حثيثة نحو تطبيقات أوسع لانتاج الكهرباء من الشمس والرياح، فيما تؤكد تقارير الاتحاد الأوروبي أن 200 مليون بيت أوروبي سيحصل على الكهرباء من الرياح و25 مليوناً من الشمس، مع حلول سنة 2020.
ليست الطاقة النووية البديل النظيف والسليم من النفط. وفي حين سيبقى النفط المصدر الرئيسي للطاقة خلال العقود الثلاثة المقبلة، سيستمر العمل على تكنولوجيات لجعل استخدامه أقل تلويثاً وأكثر كفاءة.
خلال هذا الوقت، يجدر بالدول المصدرة للنفط استغلال دخلها المتزايد لبناء قدراتها الذاتية في العلوم والتكنولوجيا، وفق أولويات تستجيب لحاجات شعوبها. وقد يكون الأجدر العمل على تطوير أساليب لاستغلال ثروة العرب من الشمس والرياح، وبناء مصانع لانتاج الهيدروجين المضغوط كناقل للطاقة، إلى جانب المساهمة الفعالة في استنباط طرائق أنظف وأكفأ لاستخدام النفط.
حذار الوقوع في خطط شيطانية لعولمة الرعب النووي.
|