بين القرارات الستة عشر التي خرج بها المنتدى الوزاري البيئي العالمي، إثنان مصدرهما عربي. حصل هذا في الدورة الرابعة والعشرين لمجلس ادارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، التي عقدت مؤخراً في نيروبي.
فقد أوصى مجلس الادارة باعتماد 2010 ـ 2020 عقداً للصحارى ومكافحة التصحر. وكان دون اقرار هذه التوصية عقبات، إذ اعتبرت الدول الغربية أن مشكلة الصحارى محلية لا ترقى إلى درجة القضية الدولية. لكن إصرار وزير البيئة الجزائري الشريف الرحماني، بدعم من الوفود العربية ومجموعة الدول النامية، فرض القبول بهذه التوصية.
قد يبدو موضوعاً فولكلورياً تخصيص عقد للصحارى ومكافحة التصحر. لكن لماذا على الدول النامية أن تقبل بجدول أعمال قد لا يتفق دائماً مع أولوياتها، من الأوزون إلى تغيّر المناخ، على أهميتهما، بينما تبتلع الصحراء أراضيها الزراعية. اننا على ثقة أن عقد الصحراء سيساهم في استقطاب الاهتمام الدولي بهذه المعضلة الكبرى، التي تتركز في الدول النامية، وبينها جميع الدول العربية من المحيط الى الخليج.
الادارة المتكاملة للنفايات البلدية كانت موضوع مشروع قرار آخر قدمه المغرب. مثل التصحر، اعتبرت مجموعة الدول الصناعية أن معالجة النفايات شأن محلي لا يستأهل قراراً دولياً. لكن المشروع حظي بدعم مجموعة الـ77 للدول النامية والصين، فأُقر في اللحظة الأخيرة.
كيف تريدوننا أن نساهم في حل مشاكل الأوزون وتغيّر المناخ، تساءلت الدول النامية، ولا من يساعدنا في حل مشكلة النفايات المتراكمة في الشوارع والمكبات العشوائية؟ القرار يدعو الأمم المتحدة إلى المساعدة في إطلاق برامج عملية لمعالجة النفايات من المصدر، بتقليل الكمية، وإعادة استعمال ما يمكن الاستفادة منه، وإعادة التصنيع. هذه وصفة قد تبدو سهلة التحقيق، لكن الواقع أن تطبيقها في الدول النامية نادر، لأن اهتمام البرامج الدولية يتركز على ما يُعتبر قضايا عالمية كبرى، مثل الأوزون وتغيّر المناخ وتلوث المحيطات. وحين يُخصص دعم دولي لادارة النفايات في دولة نامية، فغالباً ما يكون لمعالجة المشكلة بعد وقوعها، عن طريق إنشاء مطامر، أو مراكز معالجة في أحسن الحالات، من دون الامساك بأساس المشكلة، أي إدارة مصادر النفايات لتقليل كميتها والتحكّم بنوعيتها، وصولاً إلى برامج متكاملة لاعادة التصنيع والاستعمال.
مصر تقدمت باقتراح لدعم إنشاء مركز دولي فيها لتدريب الجسم القضائي على القوانين البيئية. ومع أن الاقتراح لم ينجح في التحول إلى قرار تنفيذي، إلا أن المجلس أخذ علماً به، وتعهّد الوفد المصري بمتابعة الموضوع في انتظار فرصة دولية أخرى.
وكان لممثلي المنطقة العربية حضور بارز في الاجتماع الدولي لهيئات المجتمع المدني الذي رافق مؤتمر نيروبي. فقد نجحوا في ادخال توصية حول آثار الحرب على البيئة، ركزت على الأوضاع في لبنان وفلسطين والعراق، ودعت تحديداً إلى حظر استخدام اليورانيوم المستنفد.
المفارقة أنه في حين تبنّى ممثلو منظمات المجتمع المدني من جميع أنحاء العالم توصية تطالب بالحد من الأضرار البيئية للحروب ومعاقبة المتسببين بها، وتدعو المجتمع الدولي الى معالجة آثارها، وتخصّ لبنان باشارة محددة، كان لبنان الرسمي الغائب الأكبر. فمع استقالة وزير البيئة، لم يتمثل لبنان في هذا المحفل الدولي الهام حتى بموظف اداري أو ديبلوماسي، فبقي مقعده شاغراً، بين مقاعد شغلها 140 بلداً تمثلت بوفود رفيعة.
في المقابل، شارك الوزير الفلسطيني يوسف أبوصفية في اجتماعات نيروبي، رغم أن سلطات الاحتلال الاسرائيلية منعته ليومين من اجتياز المعبر للسفر من مصر. والوزيرة العراقية نرمين عثمان حملت هموم بلدها البيئية إلى المنتدى الدولي، بشجاعة مدهشة، في حين كانت آلة القتل تجتث مئات المدنيين العراقيين أثناء دفاعها عن حقوق العراق البيئية في نيروبي.
نخرج من تجربة اجتماعات نيروبي بعبرة، وهي أنه يمكن للعرب المساهمة في صنع القرار البيئي الدولي، إذا وقفوا كمجموعة واحدة ونسقوا مع الدول النامية الأخرى، خاصة مجموعة الـ77 والصين. ولمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة دور كبير في هذا المجال.
نستطيع أن نضع أولويات العرب على جدول الأعمال، إذا توفرت الارادة.