إلى عهد قريب، لم يكن للشركات السعودية التي تعمل في مجال تقديم الخدمات البيئية ومعالجة النفايات في السوق المحلية أي حضور يذكر في الاستفادة من العائد الاقتصادي الهائل الذي تنتجه استثمارات عمليات تدوير النفايات التي يخلفها السعوديون، والتي يقدر حجمها بأكثر من 13 مليون طن سنوياً. ويتجاوز ما يخلفه الفرد الواحد من النفايات 500 كيلوغرام سنوياً، بما فيه الورق والبلاستيك والمعادن والمعلبات والزجاج. لكن المرحلة الحالية اختلفت تماماً، حيث عرضت أكثر من خمسين شركة سعودية متخصصة آخر ما توصلت إليه التقنية الحديثة في مجال إدارة النفايات وإعادة تدويرها، وذلك في معرض الرياض الأول لإدارة النفايات وإعادة تدويرها، الذي رعته وزارة الشؤون البلدية والقروية ونظمته شركة معارض الرياض المحدودة في آذار (مارس).
وفي حين قدر عدد من المختصين الذين شاركوا في المعرض حجم النفايات التي تخلفها أربع مدن سعودية فقط هي الرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة بنحو خمسة ملايين طن سنوياً، مما يجعل مخلفات الفرد في السعودية من أعلى المتوسطات في العالم، علق أحد المشاركين في المعرض في لقاء له مع ''البيئة والتنمية'' بأن ''المستقبل الأكبر في مجال الاستثمار في السعودية سيكون في صناعة معالجة النفايات''.
إن مشاركة هذه الشركات البيئية، التي جاءت من جدة والمنطقة الشرقية إضافة إلى الرياض، تمثل رسالة واضحة على ضرورة الاستثمار في البيئة والحفاظ عليها، كما تحمل دلائل قوية على أن هناك تقدماً ملحوظاً في درجة الوعي البيئي بدأ يعيشه المجتمع السعودي من أفراد ومسؤولين، وكذلك القائمون على هذه الشركات من خلال توجيه استثماراتهم لاستقطاع حصة من سوق تدوير النفايات والاستفادة من ملايين الأطنان المهدرة التي يتم التخلص منها في معظم الأحيان بطريقة عشوائية.
الأمير منصور: الجدوى الاقتصادية للنفايات
هذه الدرجة المتقدمة من الوعي أكدها حديث الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبد العزيز، نائب وزير الشؤون البلدية والقروية، الى ''البيئة والتنمية'' عقب تدشينه المعرض، بقوله: ''إن الوزارة تعكف حاليا على إعداد دراسة علمية اقتصادية بالتعاون مع صندوق التنمية الصناعي السعودي للتأكد من الجدوى الاقتصادية لمشاريع تدوير النفايات التي تخلفها المدن، ليتم بعد ذلك تطبيقها رسميا''.
وفيما بدأ عدد من الشركات السعودية أخيراً تنفيذ مشاريع تعمل في مجال فرز النفايات ومعالجتها، خاصة في المنطقة الشرقية، بيّن الأمير منصور أنه في حالة بلورة البرنامج الملائم سيتم تنفيذ عمليات الفصل وإعادة تدوير النفايات البلدية الصلبة على نطاق شامل، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الدراسة ستحدد الدور الذي يجب ان تقوم به الدولة لتحفيز المستثمرين المحليين وتشجيعهم على إقامة مشاريع في مجال الإصحاح البيئي.
إلى ذلك أوضحت وزارة الشؤون البلدية والقروية أنها بصدد استكمال برنامج المدافن الهندسية الصحية للنفايات وإحلالها محل المرامي التقليدية الحالية، بحيث يعتمد أسلوب إعادة التدوير والتخلص من النفايات في أضيق الظروف بعد معالجتها بشكل كامل، مراعية في ذلك الضوابط الآمنة في تصميم المدافن، بعد تقليل الكمية وتدوير المواد المفيدة.
وأكد الأمير منصور أن وزارته تعمل من خلال برامجها لإدارة النفايات البلدية الصلبة على رفع المستوى البيئي والمحافظة عليه، بما ينعكس على صحة المواطن، إلى جانب الاستفادة من النفايات القابلة لإعادة الاستخدام أو التدوير أو المعالجة لاستعادة أكبر نسبة منها، بأسلوب علمي يتفق والأهداف البيئية خلال برنامج زمني يصل إلى سنة 2020.
37 بليون ريال لمعالجة النفايات
قال محمد الحسيني، نائب المدير العام في شركة معارض الرياض المحدودة، إن التقاء شركات معالجة النفايات وتدويرها لأول مرة تحت سقف واحد لعرض منتجاتها ونشاطاتها، ''يأتي متزامناً مع الطفرة الصناعية والزراعية والسكانية التي تعيشها منطقة الخليج والسعودية تحديداً، والتي أسفرت عن زيادة في حجم النفايات بجميع أشكالها، البلدية الصلبة منها والسائلة والعضوية والطبية والكيماوية والصناعية''.
وأضاف: ''ان المملكة العربية السعودية تنبهت إلى المخاطر البيئية الناجمة عن النفايات، فعملت على معالجتها وتقليل مخاطرها، حيث خصصت أكثر من ٣٧ بليون ريال (٩,٨ بلايين دولار) لإقامة عدد من المشاريع في مجال معالجة النفايات والتلوث البيئي، ومعالجة المياه ومياه الصرف الصحي، ومشاريع إعادة تدوير المخلفات وتحويلها إلى منتجات نافعة، إضافة إلى استخدام الأساليب الحديثة في تخزين غاز الكربون والحد من التلوث الناتج عن عوادم السيارات والصناعات الكيماوية والبتروكيماوية''.
ولفت الحسيني إلى أن المعرض شهد عقد كثير من الصفقات ومذكرات التفاهم بين عدد من الجهات الحكومية والخاصة التي تربطها علاقة مباشرة بالتعامل مع النفايات.
مخلفات الصرف وتلوث الهواء
طرحت الشركات البيئية أمام مرتادي المعرض الحلول البيئية الناجعة في عدة مجالات، من بينها: إدارة النفايات وأنظمتها ومعدات إعادة التدوير، أنظمة معالجة مخلفات المياه، أنظمة الصرف الصحي، معدات معالجة التلوث البحري وأساليبها، أجهزة مراقبة التلوث الهوائي، إضافة إلى استراتيجيات إدارة النفايات الصلبة والسائلة بما فيها النفايات الطبية والصناعية.
من بين الشركات المشاركة في المعرض: أرامكو السعودية، الشركة السعودية لإنتاج المطاط، شركة أحمد سليمان الفهاد وأولاده المحدودة، مؤسسة دلة للمقاولات والتشغيل والصيانة، شركة الرواد الوطنية للبلاستيك، الشركة السعودية الخليجية لحماية البيئة (سيبكو)، شركة الشرق الأوسط لتدوير المخلفات، شركة ''إس. سي. بي'' العالمية لمخلفات البترول، الشركة السعودية لصناعة الورق (تدوير، تصنيع، تحويل)، إلى جانب وزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة الملكية للجبيل وينبع.
وقدم المعرض مجموعة كبيرة من المنتجات والمعدات والخدمات شملت: تقنيات إعادة تدوير الورق والكرتون والزجاج والبلاستيك والمعادن، تلوث الزيوت وطرق إدارة معالجة النفط، مصانع معالجة الصرف الصحي شاملة آلات التصنيع والإدارة، إضافة إلى آلية عمل المختبرات ودراسات البيئة. كما عرضت الشركات كيفية تدوير المخلفات العضوية وإنتاج الأسمدة، وتدوير المطاط ومنتجاته، وتدوير النفايات الطبية الخطرة والتخلص منها، وطرق نقل النفايات الصلبة والسائلة وأساليب التخلص منها، وتقنيات الحرق وتوليد الطاقة من النفايات.
تدوير الإطارات المطاطية
لفت في معرض الرياض جناح الشركة السعودية لمنتجات المطاط، المختصة بتدوير اطارات المطاط المستعملة وتحويلها الى منتجات مطاطية مفيدة، خاصة لرصف أرضيات الغرف والملاعب، وخلطها بالاسفلت لتعبيد الطرقات، اضافة الى عشرات المنتجات الأخرى. ويعتبر هذا المصنع رائداً في منطقة الشرق الأوسط كلها، وليس في السعودية فقط.
وقال يوسف راشد الراشد، المدير التنفيذي للشركة السعودية لمنتجات المطاط، ان الشركة تقدم حلولاً عملية لتدوير الإطارات التالفة وفرزها، بهدف الاستفادة منها في صناعات متعددة، وكذلك للحد من معضلة تكدس هذا النوع من النفايات والقضاء على عناصر التلوث الناتجة. وأكد أن مسألة التدوير والاستفادة من الأشياء التالفة في السعودية ''لم تعد مجرد شعارات، بل أصبحت ممارسة يومية يطوعها الإنسان حسبما يريد لكي تصبح صديقة للبيئة''، مشيراً إلى هناك الكثير من الأشياء التي تضرّ بالبيئة إذا أُهملت ''يمكن أن نبادر في الاستفادة منها وتحويلها إلى أدوات مفيدة وصالحة للاستعمال''.
واعتبر الراشد أن التخلص من الإطارات التالفة بطرق عشوائية يعد هدراً لأحد أهم المصادر التي يمكن الاستفادة منها في إنتاج مواد صديقة للبيئة تحقق عائداً مادياً للمستثمر، وفي الوقت نفسه تحمي البيئة من التلوث. وأضاف: ''إننا نحمل رسالة نبيلة تدعو إلى تعميم هذه التجربة الرائدة، لنقول للعالم ان من المجدي أن نستفيد من هذه الإطارات التالفة على اختلاف أنواعها بطريقة علمية وآمنة''.
وبيّن الراشد أنه تتم الاستفادة من الإطارات المعاد تدويرها في تجهيز المراكز الرياضية، خاصة الملاعب ومضامير الجري، إذ ان 85 في المئة من استخدامات الحبيبات التي تنتج من إعادة تدوير الإطارات التالفة هي في هذا المجال. كما يتم استخدام المنتج في تجهيز ملاعب الأطفال، لأنها تحتاج إلى كميات كبيرة من حبيبات المطاط التي ترصف على الأرضيات على شكل طبقات مطاطية لحماية الأطفال أثناء اللعب، إلى جانب استخدامات أخرى كصناعة الأرضيات المطاطية التي تكون على شكل بلاطات بسماكات مختلفة تستخدم في أماكن كثيرة لرصف الشوارع والساحات أو كعوازل للصوت. كما تعمل الشركة حالياً على تطوير المنتج من خلال إجراء الأبحاث والدراسات عليه لتتم الاستفادة منه أكثر وإعادة تدويره كمنتج أساسي.
وسيتم استخدام ''حبيبات المطاط'' المستخرجة من الإطارات التالفة مستقبلاً في سفلتة الطرق السعودية، من خلال خلط نسبة بسيطة قد تتراوح بين 5 و10 في المئة مع الأسفلت المستخدم حالياً.
ويفيد المدير التنفيذي للشركة السعودية لمنتجات المطاط أن من مميزات المشروع تطهير البيئة من الأضرار التي تخلفها هذه الإطارات، ومن بينها تخليص الهواء والجو من التلوث البيئي الذي تسببه سحب الدخان الكثيف الناجم عن حرائق الإطارات من قبل العمالة الوافدة كي تحصل على الأسلاك الحديدية التي بداخلها وتبيعها الى شركات إعادة تدوير المعادن بأسعار زهيدة مقابل أضرار بالغة على الصحة العامة. كما أنها تساهم في القضاء على مدافن الاطارات، وهي مكان خصب لتجمع البعوض والحشرات الحاملة للأمراض.
المستقبل لتدوير النفايات
أعلنت شركة ''بربانك'' الأميركية خلال المعرض عزمها اقامة مصنع في الرياض لمعالجة النفايات، بشراكة سعودية، بكلفة تتجاوز 56 مليون ريال (15 مليون دولار) وطاقة انتاجية تصل الى 15 الف طن يومياً، يتم تدوير خمسة آلاف طن منها.
وقال رئيس الشركة جيف فولسوم ان فكرة إنشاء مصنع لمعالجة النفايات في السعودية ''تنجسم مع التوجه الحكومي لمنع انتشار المكبات التقليدية في المدن، واستبدالها بمشاريع متطورة، حيث تقوم شركات متخصصة بجمع النفايات وفرزها، وشركات أخرى بتدويرها ومعالجتها''. ولفت إلى أن المشروع سيعمل في رحلته الأولى على تجميع تسعة آلاف طن من النفايات يومياً، 30 في المئة منها ستستفيد منها الأمانة مالياً بعد معالجتها، بمقدار 100 دولار لطن النفايات الواحد.
وقال باهر أبو شماله مدير التسويق في شركة ''بربانك'' إنه تم إجراء دراسة مع وزارة الشؤون البلدية والقروية حول صناعة إدارة النفايات ومعالجتها وإعادة تدويرها في المملكة. وأشار إلى أن غالبية الشركات السعودية العاملة في مجال النفايات يقتصر نشاطها على تجميع النفايات من دون معالجتها، في حين أن إعادة تدوير النفايات ستمكّن البلديات من الحصول على عوائد مالية مجزية. وعن المصنع الذي تعتزم الشركة إقامته في السعودية، أوضح أبوشماله أن 70 في المئة من كلفة إنشائه سيتم توفيرها من قبل مستثمرين سعوديين، وسيكون للشركة الأميركية الدور الأكبر تقنياً وتسويقياً للنفايات المعاد تدويرها في الأسواق العالمية. وأكد أن ''المستقبل الكبير سيكون لصناعة معالجة النفايات في المملكة''.
الشرق الأوسط لحماية البيئة
في جناح شركة الشرق الأوسط لحماية البيئة شرح حيدر طاهر الخضيري، مدير مراقبة الجودة، أن الشركة تعمل في مجال إدارة النفايات والصناعات التحويلية والكيماوية، وتربطها اتفاقيات شراكة وتعاون تكنولوجي مع شركات عالمية متخصصة تمكّنها من الدخول في مختلف المشاريع الصناعية والهندسية في مجال فرز وتدوير النفايات البلدية الصلبة والسائلة. وهي بدأت خدماتها في أوروبا ثم دبي وأبوظبي، وباشرت عملها في السعودية ببناء محطات فرز النفايات وإعادة تدويرها.
وبيّن الخضيري أن شركته نفذت مشروعاً تجريبياً لمعالجة النفايات الصلبة في الرياض، بطاقة معالجة 300 طن يومياً، حيث يتم فرز المواد القابلة لإعادة التدوير مثل البلاستيك بأنواعه والزجاج والمعادن والورق والكرتون والألومنيوم وغيرها من المواد التي يمكن اعتبارها مواد أولية لصناعات أخرى.
وأشار الخضيري إلى أن المشروع تم تصميمه وتنفيذه في وقت قياسي لم يتجاوز الستة أشهر، ومن خلال خبرات محلية ودولية، والغرض منه إعداد دراسة تفصيلية واقعية تخدم إحصائيات التطور السكاني والمستوى المعيشي للمواطن، وكذلك الدراسات والمشاريع المستقبلية لفرز النفايات وتدويرها وضمان حسن استلام المواد الخطرة وإتلافها ودفنها واعادة تدويرها.
أما شركة أرامكو السعودية، فقد عرضت في جناحها عدداً من البرامج التي تنفذها في مصانعها ومكاتبها لتدوير النفايات ورعاية البيئة. وقدمت وزارة الشؤون البلدية والقروية معلومات واحصاءات عن مشاريعها المستقبلية من أجل إدارة متكاملة للنفايات.
وقد أكد المنظمون عزمهم على الاستمرار في عقد دورات للمعرض كل سنتين، لمواكبة التطورات المحلية والعالمية في مجال ادارة النفايات.
كادر
نقاء الطبيعة
مستثمرون سعوديون يؤسسون شركة مساهمة لتدوير النفايات
أعلن عدد من رجال الأعمال السعوديين إنشاء شركة سعودية مساهمة باسم ''شركة نقاء الطبيعة السعودية'' (نقاء)، وهي تعنى بتدوير النفايات بأحدث ما توصلت إليه الأبحاث العلمية والتكنولوجية في الصناعة البيولوجية والبيئية في العالم.
وقد تم تشكيل لجنة تنفيذية تتولى الإشراف على إجراءات تأسيس الشركة ومتابعة الجهات المختصة لاستكمال متطلبات تسجيلها، على أن يبدأ عملها قبل نهاية السنة الجارية. ومن المنتظر طرح ما بين 30 و40 في المئة من أسهمها للاكتتاب العام في البورصة السعودية. وتم انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية من ممثلين عن دار المعلمي للاستشارات وشركة مجموعة دلة ومؤسسة الطريفي وشركة أبناء عبدالله الخضري وشركة راشد سعد الراشد وأولاده المحدودة وشركة عبد اللطيف العرفج وإخوانه القابضة، إضافة إلى شركة الخدمات العالمية.
وقال عبدالله العمار، رئيس اللجنة التأسيسية للشركة البيئية الجديدة، إن هذه الخطوة ''تأتي في الإطار الاستراتيجي الذي دعت إليها الحكومة السعودية لشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال المحافظة على البيئة وحمايتها، وأهمها مشاريع تدوير النفايات''. وأضاف أن نظام الشركة الجديدة يلبي المطالب الوطنية في الحفاظ على البيئة وبقائها نظيفة من التلوث، كما يلبي المطالب الاقتصادية للاستفادة من المواد الأولية في النفايات التي تهدر، والتي يقدر حجمها بأكثر من 13 مليون طن سنوياً حسب إحصائيات عام 2006، مشيراً إلى أن شركته ستستخدم الطرق الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة في معالجة النفايات وتدويرها.
وأكد رئيس اللجنة التأسيسية أن استراتيجية الشركة تقوم على إعطاء الأولوية والأفضلية لاستقطاب كل المهتمين بتدوير النفايات والمقاولين لأعمال النظافة والبيئة، إضافة إلى ضم جميع المصانع والمنشآت التي بدأت العمل أو حصلت على تراخيص في مجال التدوير والاستثمار في البيئة، الراغبة في ذلك، والسعي إلى توحيدها وضمها لشركة نقاء الطبيعة كمشروع وطني متطور وشامل يضم كل النشاطات والمنشآت والمصانع الموجودة في جميع أنحاء المملكة.