سلطان الجابر: في نيسان (ابريل) 2006، اتخذت حكومة أبوظبي قراراً جريئاً بتبني تكنولوجيات الطاقات المتجددة والبديلة والمستدامة، وأسست ''مصدر''، وهي مبادرة كبرى رأسمالها بلايين الدولارات لانشاء قطاع اقتصادي جديد كلياً مكرس للطاقات البديلة والاستدامة. وأبوظبي أول منتج رئيسي للنفط ومشتقاته يتخذ هذه الخطوة. ان مبادرة ''مصدر'' اطار تعاوني عالمي لانخراط مفتوح في البحث عن حلول لبعض أكثر القضايا إلحاحاً بالنسبة الى الجنس البشري: أمن الطاقة، وتغير المناخ، والتنمية البشرية المستدامة حقاً.

وتشتمل ''مصدر'' على خمسة عناصر أساسية، هي:

معهد مصدر: وهو معهد عالٍ للتعليم والأبحاث، يقدم برامج لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه في مجالات الطاقة وتكنولوجيا الاستدامة. وهو كيان مستقل لا يتوخى الربح، تأسس بمساعدة من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) ذي الشهرة العالمية، بموجب اتفاقية تعاونية وقعت في كانون الأول (ديسمبر) 2006.

شبكة مصدر للأبحاث: هدفها دفع عمليات التسويق وتبني تكنولوجيات متقدمة للطاقة والاستدامة من خلال ثلاث قوى محركة استراتيجية. الأولى، صندوق مصدر للتكنولوجيا النظيفة، وهو صندوق خاص للأسهم العادية رأسماله 250 مليون دولار اطلق بالاشتراك مـع ''كريدي سويس'' و''كونسنسسس بزنس غروب''. والثانية، برنامج التكنولوجيات المستدامة والأبحاث المتقدمة (STAR) الذي يستثمر في التكنولوجيات شبه التجارية المناسبة لمشاريع نموذجية. والثالثة، ''حاضنة'' للأبحاث ترشد أصحاب المشاريع الى الأعمال المجدية تجارياً.

وحدة المشاريع الخاصة: تعمل على تطوير مشاريع الطاقة والتكنولوجيا الهادفة الى تعزيز عملية التنويع الاقتصادي. وتنشط الوحدة في تأسيس وحفز صناعات جديدة في مجال الطاقة المتجددة. وتشمل القطاعات ذات الأولوية البوليسيليكون والنظم الفوتوفولطية وطاقة الهيدروجين وتخزين الطاقة والوقود الحيوي.

وحدة ادارة الكربون: تقود هذه الوحدة تطوير مشاريع تخفيض الانبعاثات الكربونية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بموجب آلية التنمية النظيفة في بروتوكول كيوتو. وهي تطور مجموعة واسعة من مشاريع الكربون في مجالات النفط والغاز والصناعة الثقيلة والطاقة المتجددة وادارة النفايات، بالتعاون مع شركاء حكوميين وصناعيين.

المنطقة الحرة الخاصة: ''مجتمع أخضر'' فريد ومتكامل قرب مطار أبوظبي، تم تخطيطه وتطويره بهدف تحقيق بصمة كربونية قريبة من الصفر. هذا المجتمع المحايد كربونياً الذي اعتمدت فيه مواصفات طاقوية وتكنولوجية حديثة سوف يفتتح سنة 2009، وهو يغطي مساحة ستة كيلومترات مربعة، ويوفر أفضل التسهيلات العملية لمعهد مصدر وشبكة الأبحاث والصناعة الخفيفة ووحدات التنمية والمختبرات، ولمجموعة منتقاة بعناية من الشركات الدولية.

لقد أنعم على أبوظبي بثروة كبرى من الموارد الطبيعية. والتطوير العقلاني لهذه الموارد خلال السنوات الـ 45 الماضية، بالتعاون مع شركاء دوليين مرموقين، جلب كثيراً من المنافع لشعبنا ولزبائننا في أنحاء العالم. ونحن ندرك جيداً أننا بدأنا حقبة جديدة تتحدانا كي نتجاوز انجازات الماضي ونمهد الطريق لتقدم ناجح في السنوات الخمسين المقبلة. وسوف تساعد ''مصدر'' في تحديد موقع أبوظبي والمنطقة في مستقبل الطاقات البديلة المتقدمة والتنمية البشرية المستدامة.

''مصدر'' هي مبادرة استراتيجية رفيعة المستوى لها أربعة أهداف رئيسية: أولاً، حفز التنوع الاقتصادي في أبوظبي. ثانياً، المحافظة على موقع أبوظبي في أسواق الطاقة العالمية المتطورة وتوسيعه لاحقاً. ثالثاً، ترسيخ الامارات كدولة مطورة للتكنولوجيا لا مجرد مستورد لها. رابعاً، المساهمة الفعالة في التنمية البشرية المستدامة. نحن ندرك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب منا أن نجتذب بانفتاح شركاء يشاطروننا الرؤية والموارد والالتزام الضروري للتقدم في هذه الحقبة الجديدة للطاقة الأنظف والاستعمال الأكثر استدامة للموارد الطبيعية. لذلك نجتذب أفضل الشركاء الدوليين، من مستثمرين وشركات طاقوية وصناعية ومؤسسات اكاديمية وباحثين ذوي سمعة مرموقة دولياً. اننا نستثمر أموالاً ضخمة في التكنولوجيات الحديثة والأبحاث والتعليم المتخصص، لدعم توسع أبوظبي في مجال الصناعات القائمة على المعارف المتقدمة.

استخدمت مصادر الطاقة المتجددة بأشكال مختلفة وعلى نطاقات صغيرة في أنحاء العالم منذ زمن بعيد. لكن في السنوات الأخيرة شهد العالم زيادة مطردة لم يسبق لها مثيل في الوعي لمصادر الطاقة المتجددة والبديلة من جميع الأنواع والاهتمام بها والطلب عليها. وسوف تؤدي ''مصدر'' دوراً رائداً لادخال مصادر الطاقة المتجددة ليس الى أبوظبي والمنطقة فحسب، بل الى أسواق العالم. وللمساعدة في تحقيق هذا الهدف، طورت ''مصدر'' منطقة حرة خاصة هي ''مجتمع أخضر'' فريد ومتكامل في قلب أبوظبي. وأنتهز هذه الفرصة لأشرح عنها، لأن ذلك يجيب أيضاً عن السؤال المتعلق بالاطار الزمني، كما يوضح رؤية ''مصدر''.

سوف تستضيف المنطقة الحرة الخاصة حرماً يفعّل الاستفادة القصوى من الابتكار في كفاءة الطاقة، وممارسات الاستدامة، واعادة تدوير الموارد، والتنوع البيولوجي، والنقل، ومقاييس البناء الأخضر. ويتم تصميم وانشاء كل مبنى في المنطقة بحيث يوفر نموذجاً للعيش والعمل المستديمين. المنطقة الحرة الخاصة ستوفر فرصاً فريدة في الشرق الأوسط للتعاون بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية والصناعية والمجتمع المالي ورجال الأعمال والمشاريع العائلية. وسوف تزود نحو 1500 شركة بسلَّة حوافز جذابة، بما في ذلك برنامج للخدمات الحكومية، والقوانين الشفافة، والملكية الأجنبية 100٪، وبيئة معفاة من الضرائب، وحماية للملكيات الفكرية. ومع أن التخطيط قطع شوطاً بعيداً الى الأمام، فان المنطقة لن توضع قيد التشغيل قبل سنة 2009.

صندوق مصدر للتكنولوجيا النظيفة هو أداة استثمارية مبتكرة صممت لتوليد عائدات متفوقة طويلة الأجل من خلال استثمارات بالأسهم العادية في شركات عاملة في مجالي التكنولوجيات النظيفة والطاقة المتجددة. وقد تم اطلاق الصندوق في ايلول (سبتمبر) 2006 برأسمال أولي مقداره 250 مليون دولار من ثلاثة مستثمرين مؤسسين: ''كريدي سويس'' الرائدة عالمياً في تقديم الخدمات المالية ولديها خبرة ريادية في صناعة الطاقة والتكنولوجيا النظيفة، والمجموعة الخاصة ''كونسنسس بزنس غروب'' التي تستثمر في التكنولوجيات البيئية والمستدامة، وحكومة أبوظبي التي تحتل مركزاً عالمياً فاعلاً في مجال الطاقة ولديها خبرة عميقة في هذا الميدان.

ولدى صندوق مصدر للتكنولوجيا النظيفة أهداف استثمارية عدة. فهو يركز على تطوير وتسويق تكنولوجيات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وادارة الكربون ومقايضة الانبعاثات، والتحلية، والاستعمال الأكفأ للمياه. ويعتزم الصندوق استثمار قرابة 75 مليون دولار في اعتمادات رأسمالية لمشاريع تجارية رائدة تركز على التكنولوجيات النظيفة. أما المبلغ المتبقي، ومقداره 175 مليون دولار، فسوف يستهدف استثمارات مباشرة في شركات يمولها الصندوق. إن صندوق مصدر للتكنولوجيا النظيفة مفتوح أمام العالم.

تقود وحدة ادارة الكربون في ''مصدر'' عملية تطوير مشاريع تخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تعزز النمو المستدام في أبوظبي والمنطقة. وثمة آليات حديثة، مثل آلية التنمية النظيفة في بروتوكول كيوتو، تهدف الى الحد من هذه الانبعاثات بتقديم حوافز تحددها السوق. وتوفر الآلية ''اعتمادات كربونية'' يمكن الاتجار بها في مقابل مشاريع لتخفيض الانبعاثات تنفذ في البلدان النامية.

وتحفز وحدة ادارة الكربون الالتزام الحكومي والمبادرات الخاصة لتطوير مشاريع التنمية النظيفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي تطور مجموعة كبيرة من المشاريع المرتبطة بالكربون في مجالات النفط والغاز والصناعة الثقيلة والطاقة المتجددة وادارة النفايات بالتعاون مع شركاء حكوميين وصناعيين. وتركز بنوع خاص على الارتقاء بعمليتي تجميع ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه لتحسين استخراج النفط، وهذه تكنولوجيا استراتيجية لها أثر ايجابي على الاقتصاد الاقليمي. وهي تبشر بأفضل النتائج في ما يتعلق بتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وتشكل بديلاً ناجحاً لكمية كبيرة من الغاز الطبيعي الذي يعاد حقنه حالياً في خزانات النفط المستنزفة.