التأثيرات الكارثية للاحتباس الحراري وتغير المناخ دخلت بيوت الأميركيين، الذين تجاهلت حكومتهم هذه القضية العالمية، عن طريق فيلم لنائب رئيسهم السابق
الفوز المزدوج للفيلم الوثائقي ''حقيقة مزعجة'' بجائزتي أوسكار حرك القاعدة الشعبية، خصوصاً في الولايات المتحدة، للمطالبة بايجاد حلول تضع حداً للاحتباس الحراري المؤدي الى تغير المناخ. فهو نقل هذه القضية الى خارج عالم صانعي السياسة ووضعها في إطار شخصي أقرب الى المواطن العادي، خصوصاً أن كثيراً من الأميركيين شاهدوه على أجهزة الفيديو المنزلية. وقال كارل بوب، المدير التنفيذي لنادي سييرا الأميركي الشهير بنصرة القضايا البيئية: ''أعتقد ان هذا الفوز يدخل القضية الى غرف جلوس المواطنين. وعلى رغم تعقيدات علم المناخ، فان الناس سيجدون أن الحلول بديهية، وسوف يتكلمون عنها ويتحمسون لتطبيقها''.
فيلم An Inconvenient Truth لنائب الرئيس الأميركي السابق آل غور فاز بجائزتي اوسكار في الاحتفال السنوي الذي شهدته عاصمة السينما العالمية هوليوود في شباط (فبراير) الماضي، إحداهما لأفضل فيلم وثائقي والأخرى لأفضل اغنية. وفي دعم للحركة البيئية، اعتلى غور المسرح مع الممثل ليوناردو دي كابريو الذي أعلن أن الاحتفال المتلفز كان له هذه السنة ''طابع أخضر''.
فقد تعاون المنظمون مع ''مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية'' لتأمين سيارات هجينة (هايبريد) لمقدمي فقرات الاحتفال والجهاز الاداري، وتنفيذ عملية اعادة تدوير جميع النفايات الناجمة عن الحدث، وشراء اعتمادات طاقة متجددة لموازنة انبعاثات غازات الدفيئة التي أطلقها، وفق آلية التنمية النظيفة في بروتوكول كيوتو.
حتى الحفلة الساهرة التي أعقبت توزيع الجوائز تميزت بتقديم الطعام العضوي والصديق للبيئة، بما في ذلك تمثال ''اوسكار'' كبير مصنوع من الشوكولاته العضوية. وقالت ايلين كلوسين رئيسة مركز بو لأبحاث التغير المناخي العالمي: ''أعتقد أن هذا الفيلم والتغطية الصحافية التي حظي بها تجعلان معظم الناس يفهمون هذه المسألة. وأعتقد أن السياسيين والمشرِّعين سيسمعون من ناخبيهم كلاماً مختلفاً هذه المرة''. ولفتت الى ان المزاج السياسي تجاه هذه القضية تغير في السنوات الأخيرة. وكثير من حكام الولايات الأميركية، في طليعتهم آرنولد شوارزنيغر حاكم كاليفورنيا وهو نجم سينمائي سابق، يقرون بأن العمل لخفض انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري يرفع الرصيد الشعبي للسياسي ويساعده في أداء عمله. وكان شوارزنيغر بين خمسة حكام لولايات في غرب أميركا زاروا واشنطن قبل ايام من حفلة الاوسكار للاعلان عن اتفاق اقليمي يتجاوز ادارة بوش لخفض انبعاثات غازات الدفيئة من خلال آليات السوق.
نهاية العالم يمكن تأجيلها
منذ بدء عرض فيلم ''حقيقة مزعجة'' قبل نحو سنة دخل آل غور عالم أهل الفن واستقطب دعمهم النافذ في المجتمع الأميركي، حتى ان البعض طالب بترشيحه لجائزة نوبل للسلام. ويستند الفيلم الوثائقي، الذي يمثل فيه غور شخصياً، الى عرض لشرائح مصورة (سلايدز) مؤثرة وزاخرة بالمعلومات كان نائب الرئيس السابق قدمه مئات المرات خلال السنوات الماضية. وهو فاجأ المشاهدين بتغطية صارخة للتأثيرات العالمية للاحتباس الحراري، ومنها سرعة ذوبان ثلوج جبل كيليمنجارو في تنزانيا، واختفاء الأنهار الجليدية في المناطق القطبية وما ينتج عن ذلك من نفوق أعداد كبيرة من الدببة القطبية الباحثة عن طعام ومأوى، والخراب الذي تسببه الكوارث الطبيعية مثل إعصار كاترينا، وموجات الجفاف في النيجر والسودان، وهذا غيض من فيض.
لكن الفيلم لا يحمل صورة ''نهاية العالم'' الكارثية كما يفعل كثير من الكتب والأفلام عن الموضوع. ويركز غور، بدلاً من ذلك، على ما يمكن أن نفعله نحن لعكس اتجاه تأثيرات تغير المناخ، خصوصاً من خلال مطالبة السياسيين وأصحاب الشركات والصناعات بمواجهة الحقائق وعمل ما يمكن للتخفيف من المسببات. وهو لم يذكر شيئاً عن كون الولايات المتحدة احدى الدولتين (أوستراليا الدولة الأخرى) اللتين لم تصدقا على بروتوكول كيوتو، مع أنها المنتج الأكبر لغازات الدفيئة ومسؤولة عن نحو 20 في المئة من الانبعاثات العالمية.
ولكن من أمثلته الأكثر دلالة على عدم رغبة الولايات المتحدة في تغيير موقفها قضية المنافسة الصينية في قطاع السيارات. فصانعو السيارات الأميركيون يريدون إغراء المستهلكين الصينيين الذين يزداد عددهم سريعاً. لكن غور يشير بسخرية الى تساهل المقاييس الأميركية الخاصة بكفاءة الوقود وانبعاثات غازات الدفيئة، بالمقارنة مع المقاييس الصينية الأكثر تشدداً، مما يحول دون بيع السيارات الأميركية في الصين. وهذا يبقي شركات فورد وكرايزلر وجنرال موتورز خارج سوق كبرى ما لم تحسن منتجاتها. وفي هذه الأثناء، مع ارتفاع أسعار النفط في الولايات المتحدة، يتحول المستهلكون الأميركيون الى صانعي السيارات اليابانيين الذين حققوا تقدماً كبيراً في كفاءة الطاقة والسيارات الهجينة، تاركين ديترويت، معقل صناعة السيارات الأميركية التي تحاول الآن اللحاق بالركب، خارج الحلبة داخل البلاد أيضاً. وحتى هذا الوقت من السنة، تفوقت ''بريوس'' من تويوتا في المبيعات على سيارتي فورد SUV ''إسكيب'' و''مركوري مارينر'' الهجينتين، بأكثر من اثنتين الى واحدة.
قدرة المواطن على التغيير
في ملاحظة أكثر ايجابية، يقول غور ان الاحتباس الحراري، نظير اتساع ثقب الاوزون وتقلصه، مشكلة يمكن التغلب عليها، شرط أن تكون لدينا القيادة السياسية العازمة على مواجهتها. وهو سلط الضوء على قصص نجاح أميركية، على رغم تقاعص الحكومة الاتحادية في هذا المجال، مثل اتفاقية حماية المناخ التي وقعها رؤساء بلديات ٢٣٢ مدينة أميركية التزموا بخفض غازات الدفيئة وفق مقاييس بروتوكول كيوتو.
وفي حين يثير الفيلم لدى المواطن الأميركي شعوراً بالسخط والنقمة على تقصير السياسيين في المجال البيئي، فهو أيضاً يترك لديه شعوراً بقدرته على التغيير كناخب ومستهلك.
من جانب آخر، يتضمن فيلم ''حقيقة مزعجة'' مسحة تاريخية عن سيرة غور البيئية، متتبعاً مسيرته الى واشنطن من مزرعة عائلته في ولاية تينيسي حيث نشأ حبه الأول للطبيعة. ويقول غور انه، طوال عمله السياسي، سعى جاهداً لاقرار أنظمة بيئية من شأنها مكافحة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، لكنه لم يشعر يوماً بأنه فعل ما يكفي. وهو يعترف في بداية الفيلم قائلاً: ''أشعر كما لو أنني كنت أحاول رواية هذه القصة منذ زمن طويل لكنني فشلت''.