يؤثر تغير المناخ على الحيوانات المهاجرة، من الحيتان والدلافين الى الطيور والسلاحف، التي باتت تواجه أخطاراً جديدة خلال ارتحالها السنوي الطويل
نيروبي ـ "البيئة والتنمية"
تعاني السلاحف وحيوانات بحرية أخرى من الأورام التي تتزايد نتيجة ارتفاع حرارة المياه مما يساعد على انتشار الالتهابات. وتتأثر الحيتان بانخفاض العوالق المائية التي تشكل المصدر الرئيسي لغذائها نتيجة تبدلات في التيارات المحيطية. ويؤدي انخفاض منسوب المياه الجوفية وتزايد موجات الجفاف الى تقليص موائل ومراعي أنواع كثيرة من طيور المياه العذبة. وقد يتأثر نحو خُمس أنواع الطيور المهاجرة بارتفاع مستويات البحار وتعاظم حركة الأمواج نتيجة تغير المناخ.
وقد أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤخراً تقريراً بعنوان "الأنواع المهاجرة وتغير المناخ" يبين التأثيرات الحاصلة. وقال المدير التنفيذي للبرنامج أخيم شتاينر أن "الأنواع المهاجرة هي في حالات كثيرة اكثر تعرضاً للخطر، لأنها تعتمد على موائل ومواقع وموارد متعددة أثناء دورة هجرتها.
ولفت سيغمار غابريال، وزير البيئة في ألمانيا حيث مقر أمانة اتفاقية الأنواع المهاجرة التابعة للبرنامج، الى أهمية التدابير الكفيلة بضمان استمرارية هذه الأنواع، ومنها الحفاظ على شبكة مترابطة من محطات الاستراحة، مثل الأراضي الرطبة، واستحداث موائل مناسبة مثل أطراف الحقول والأسيجة النباتية والبرك، وتأمين ممرات هجرة عبر الحدود.
تغيّر مسارات الهجرة
يعمل الباحثون على توثيق التغيرات التي طرأت على طول ممرات الهجرة ومواقيتها ومواقعها. وقد تبين في حالات قصوى أن ثمة أنواعاً من الحيوانات امتنعت عن الهجرة كلياً، في حين باتت أنواع أخرى تهاجر الى مناطق لم يسبق أن سجل وجودها فيها إلا في حالات شرود عرضية. ويعثر الآن في بحر الشمال على أنواع دخيلة من الأسماك الجنوبية، مثل البوري الأحمر والأنشوفة والسردين والقد. وكان الوروار الأوروبي نادراً جداً في ألمانيا، فبات يتكاثر في أنحاء البلاد. والحسون المبوَّق الوردي الصدر، الذي كان وجوده محصوراً في المناطق القاحلة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بات موجوداً بأعداد متزايدة في جنوب اسبانيا.
محار المحيط الهادئ الذي جُلب الى أوروبا لأسباب تجارية، لم يكن قادراً على البقاء خارج حظائر اصطناعية. ولكن عندما أصبحت مياه بحر الشمال أدفأ، بات هذا المحار الدخيل قادراً على التكاثر فيها، وهو الآن يحل مكان المحار المتوطن في بحر فادن.
وفي بريطانيا، كان وصول المئات من تَمّ بيويك (Cygnus columbianus) الذي يطير في أسراب مميزة على شكل "7" بالإنكليزي يبشر بقدوم الشتاء، لكن علماء الطيور يقولون ان اعداده انخفضت الى عشرات. فالطقس المائل الى الدفء في البر الاوروبي، وغياب الرياح الشمالية الشرقية التي تساعد هذه الطيور على الهجرة، قد يكونان وراء عدم ظهورها في مواقع الاشتاء البريطانية. كذلك فان تغير أنماط الرياح يجعل هجرة الطيور الجاثمة (passerine birds) أكثر صعوبة في منطقة الكاريبي حيث باتت العواصف الربيعية أشد وأكثر حدوثاً.
كثير من الفراش الملكي (Dnaus plexippus) الذي يهاجر بالملايين من الولايات المتحدة وكندا الى المكسيك، طيّرته الرياح في الخريف الماضي مسافة 5000 كيلومتر عبر المحيط الأطلسي الى ... بريطانيا!
ولا شك في أن التصحر، الذي يزيد مساحة الصحراء الافريقية، سيضعف قدرة الطيور المهاجرة من أفريقيا الى اوروبا على عبور هذا الحاجز الايكولوجي الصعب. والفيضانات وما ينتج عنها من انجراف للرسوبيات في اقليم كوينزلاند الاوسترالي أتلفت الأعشاب البحرية التي ترعاها السلاحف الخضراء (Chelonia mydas)، ما أدى الى انخفاض معدلات نموها وتكاثرها. ومن التغيرات التي تشهدها الموائل ذوبان الجليد الدهري وحلول الغابات مكان سهول التندرة في المناطق القطبية الشمالية، وارتفاع مستويات البحار، وازدياد الأعاصير في منطقة الكاريبي، وارتفاع حرارة المياه في المناطق القطبية الجنوبية، وتأثير ذوبان الجليد على ملوحة البحار.
الغذاء والتعشيش
قد لا تتكيف الدببة القطبية بالسرعة اللازمة مع تغير أوضاع الجليد التي تؤثر على موائل فرائسها من الفقم، كما ان ذوبان الجليد البحري يهدد بقاء هذه الدببة. ان تواجد المفترسات يتأثر بوجود الفريسة. فالحبّار الشائع غادر جنوب كاليفورنيا، مع بدء ظاهرة النينيو. وتبعته الحيتان المرشدة التي تفترسه. وعندما عاد الحبَار ملأت دلافين "ريسو" الفجوة التي خلفتها الحيتان. وقد ارتفع في الوقت ذاته عدد الدلافين القارورية الخطم لكنه لم ينخفض بعد انتهاء ظاهرة النينيو. وحدثت تغيرات في أوضاع حوت العنبر شمال شرق المحيط الأطلسي يمكن أن تنسب الى تحوّل في تقلبات المحيط تهلك الحبار الذي يفترسه.
ووفرة الفرائس مهمة جداً في محطات الاستراحة على طريق الهجرة، خصوصاً قبل عبور الحواجز الكبيرة مثل الصحراء الافريقية.
الاخفاقات الحادة في التكاثر أثرت على مستعمرات الطيور البحرية في اسكوتلندا، نتيجة سخونة المياه التي أدت الى فقدان العوالق المائية وخفض أعداد الأسماك. وقد شهدت بعض الأعوام اخفاقاً في التكاثر بنسبة 100 في المئة. ومنذ موجة الجفاف التي ضربت جنوب الصحراء الافريقية في عامي 1968 و1969، ما زالت أعداد طيور الدخلة البيضاء الزور لا تتعدى 25 في المئة من أعدادها السابقة.
ويبدو أن هناك تراجعاً في تكاثر بعض الأنواع في المناطق القطبية الجنوبية. فالأمطار الغزيرة غير المعتادة تؤثر سلباً على معدلات نفوق الفراخ. ويعتقد أن التقلبات المناخية الناتجة عن ظاهرة النينيو عام 1982 أدت الى فقدان جراء فقم جزر غلاباغوس التي يكسوها الفرو طوال سنة كاملة، والى ارتفاع معدلات النفوق بشكل غير معتاد بين الطيور البحرية اليافعة.
وستكون لتقلبات النينيو تأثيرات على هجرة السلاحف الخضراء من أجل التكاثر، كما قد يؤدي ارتفاع مستويات البحار الى اختفاء الشواطئ التي تضع فيها السلاحف بيوضها.
الدلائل التي تظهر للحيوانات أن وقت الهجرة قد حان لم تعد مؤشراً جيداً على الظروف السائدة في مناطق التكاثر. فقد عرف ان خفافيش تستفيق من سباتها في وقت مبكر، ما يؤثر على دورة التناسل لدى الاناث.
وسوف يؤثر انحسار الجليد البحري على اعداد الفقمة المطوقة والفقمة الملتحبة (Pusa hispida) التي تستعمل القطع الجليدية الطافية للاستراحة وطرح شعرها والولادة. كما أن الأوزة البيضاء الصدر معرضة للخطر بنوع خاص لاعتمادها على عدد صغير من محطات الاستراحة غير المترابطة.
انتشار الأمراض وتكاثر الإناث
يعتقد أن الأورام الليفية التي تصيب السلاحف الخضراء تنمو أسرع في المياه الدافئة، وقد ازداد انتشارها منذ ثمانينات القرن الماضي. وتتفشى أمراض وطفيليات اخرى في درجات حرارة مرتفعة. وقد يسبب الاحترار العالمي انتشاراً طحلبياً ويساهم في تفشي أمراض وبائية. ويزداد النفوق الجماعي للثدييات البحرية، وحيثما كان السبب فيروسياً، فان العوامل البيئية فاقمت تفشي الأمراض وخفضت قدرة الحيوانات على مقاومتها.
ويؤثر انخفاض الامدادات الغذائية للحيتان في المياه الدافئة على وتيرة الدورة التناسلية للاناث. وأدى انحباس الأمطار في شرق البحر المتوسط الى تدني المستويات الغذائية في البحر، ما يؤثر على اوضاع الدلافين المخططة.
ومن غرائب تغير المناخ تأثيره على جنس الحيوان أحياناً. على سبيل المثال، نسبة الذكور الى الإناث من صغار سلاحف Celonidae Dermochelyidae التي تفقس تعتمد على درجة الحرارة. فالحرارة المرتفعة التي تراوح بين 25 و32 درجة مئوية ترفع عدد الإناث، فيما تزيد درجات الحرارة المنخفضة عدد الذكور. واختلال التوازن المتمثل بذكر مقابل انثيين أو ثلاث إناث لا يترك تأثيراً سلبياً. لكن اذا ارتفعت النسبة الى ذكر مقابل أربع إناث، فان أعداد السلاحف قد تتأثر كثيراً. وتشهد بعض شواطئ التعشيش ارتفاعاً في الحرارة الى أكثر من 34 درجة مئوية، وهذا قد يكون مميتاً لجميع الصغار.