تخيلوا جبلاً مجوفاً محشواً بتوربينات وبطاريات وكابلات ومصابيح ومضية. قد يتبادر الى الذهن أنه موقع لتصوير أحد أفلام جيمس بوند، لكنه في الواقع من أروع الانجازات التقنية في بريطانيا. محطة كرواشان للكهرباء قرب مدينة أوبان في اسكوتلندا هي أول مشروع كهرمائي كبير في العالم يعتمد على الضخ العكسي للمياه وتخزينها في مكان مرتفع.
تعمل المحطة كبطارية ضخمة. التوربينات العكسية تستمد الكهرباء من الشبكة العامة في وقت متأخر من الليل، حين يخف الطلب عليها وتكون رخيصة الثمن، لتضخ المياه من بحيرة أوي على سفح جبل بن كرواشان الى خزان على قمته، ومن ثم تتدفق منه نزولاً وتدير التوربينات التي تغذي الشبكة العامة بالكهرباء أثناء ذروة الطلب في اليوم التالي، أي في الصباح الباكر وفترتي الغداء والعشاء وذروة مشاهدة التلفزيون.
تستطيع المحطة إنتاج الكهرباء لامداد الشبكة الوطنية بعد دقيقتين من تشغيل التوربينات، أو بعد 30 ثانية فقط إذا كانت التوربينات في حالة "دوران احتياطي"أي تدور في الهواء بانتظار تدفق المياه. تقول مديرة مركز الزوار في المحطة إيلين روجر: "إن سرعة استجابة المحطة هي التي تجعلها فريدة من نوعها وعلى هذا القدر من الأهمية، لأنها تستطيع التدخل سريعاً لتزويد الشبكة بالكهرباء كلما تصاعد الطلب".
وحفاظاً على الجمال الطبيعي لجبل بن كرواشان، تم تشييد الجزء الأكبر من المحطة في جوفه. ولا يشاهد عابر الطريق التي تمر بالموقع إلا سد المياه في قمة الجبل ومكاتب الادارة ومركز الزوار. لكن رحلة برفقة أدلاء المحطة على عمق 1200 متر تحت سطح الأرض كشفت لنا أسرارها.
الموقع مثالي، لأن بحيرة أوي عميقة جداً، وهناك حوض طبيعي على الجبل يشكل قاعدة الخزان. وتم بناء سد اسمنتي مزود بدعائم، طوله 316 متراً وارتفاعه 46 متراً. وفي الخزان فتحتان تغذيان محطة الكهرباء بالمياه. وهناك 19 كيلومتراً من الانفاق، حيث تتولى قنوات مزودة بأنابيب تحويل المياه من المجاري المائية في أنحاء الجبل الى الخزان.
في قلب الجبل، على عمق نحو 400 متر تحت الخزان، تم استخراج 220 ألف متر مكعب من الصخور والأتربة لاستيعاب الحجرات التي تحوي محطة الكهرباء. ويعمل في الموقع 33 موظفاً بدوام كامل وسبعة أدلاء موسميين. ويتّبع نظام مناوبة يؤمن في غرفة التحكم طاقماً قيد الخدمة نهاراً وليلاً، مع استقدام متعهدين مستقلين لصيانة التوربينات دورياً.
محطة كرواشان، التي تديرها مجموعة "سكوتيش باور" الاسكوتلندية ـ الأميركية ومقرها في غلاسغو، مصنفة كمعلم سياحي بدرجة خمس نجوم، مما يضعها في مرتبة قلعة إدنبره. وقد حازت جائزة "غولد غرين" للسياحة وجوائز اخرى، وتجتذب نحو 50 ألف زائر كل صيف. ومركز الزوار الجميل المبني بالخشب يفتح أبوابه يومياً من نيسان (أبريل) الى تشرين الثاني (نوفمبر) من التاسعة والنصف صباحاً حتى الخامسة مساء (السادسة في تموز/ يوليو). ويمكن الوصول اليه على دراجة هوائية أو بالنقل العمومي.
وفي الرحلة السياحية، تنقل العربات الزوار داخل الجبل نزولاً الى منطقة آمنة حيث يصعدون مشياً الى أول نفق تم حفره. ثم يتابعون سيرهم صعوداً الى شرفة تطل على قاعة توليد الكهرباء حيث يشاهدون المولدات الأربعة. ويستطيع كل من المولدين الأول والثاني انتاج 120 ميغاواط من الكهرباء، أما الثالث والرابع فينتج كل منهما 100 ميغاواط. ويضم مبنى المحطة معرضاً مزوداً بأحدث التجهيزات، حيث تكنولوجيا شاشات اللمس والفيديو غرافيكس والعروض التفاعلية تجعل اكتساب المعرفة حول الكهرباء وكيفية انتاجها في المحطة تجربة ممتعة.
|