لم يكتف أحمد الجارالله، رئيس تحرير جريدة "السياسة" الكويتية، بتوقّع ضربة أميركية للمنشآت النووية في إيران محدداً اليوم والساعة، بل دعا الحكومة الكويتية إلى وضع خطة طوارئ لمواجهة المخاطر المحتملة لانتشار الاشعاعات النووية من المفاعلات المضروبة، عدا عن مضاعفات إقدام إيران على الرد بضرب المنشآت البترولية في دول الخليج.
مر الموعد المحدد، ولم تحصل الضربة التي تحدث عنها الزميل الجارالله، مستنداً إلى تقارير استخباراتية. لكن إذا كان خياله الصحافي الجامح قد أخذه بعيداً، فما يعنينا هو مطالبته بخطة طوارئ لمواجهة المخاطر المحتملة. ونرجو ألا يؤخر عدم حصول توقعات الجارالله في موعدها وضع خطة طوارئ.
ليست الكويت وحيدة في افتقارها إلى خطط طوارئ عملية لمواجهة الكوارث، أكانت ناتجة عن الحروب أو الحوادث الصناعية أو عناصر الطبيعة. فهذا الواقع ينطبق، لسوء الحظ، على معظم الدول العربية، لأن حكوماتنا معتادة على دفن رؤوسها في الرمال، وكأنها تمنع حدوث الكوارث بمجرد أن تمتنع عن الكلام عنها. وهذا قد يبدأ بالتلوث النفطي ولا ينتهي بانفلونزا الطيور، ناهيك عن التلوث الاشعاعي.
وما دمنا في الكويت، ففي اليوم نفسه الذي حملت الصفحة الأولى من جريدة "السياسة" دعوة إلى خطة لمواجهة احتمال انتشار التلوث النووي، حفلت الصحف الكويتية بتحقيقات مثيرة عن اعدام ملايين الطيور الداجنة في المزارع التي انتشر فيها مرض انفلونزا الطيور. وظهر في الصور عمال مكشوفو الأيدي والوجوه يرمون الدجاج المقتول المكدس في أكياس بلاستيكية في مكبات عشوائية مفتوحة. لكن وضع بقايا الطيور المصابة في أكياس نايلون يمنعها من التحلل. ورميها نيئة في مطامر غير محصّنة يلوث المياه الجوفية. وليس من المقبول أن تبقى الجيف التي تحمل المرض مكشوفة للطيور والحيوانات الأخرى. وأخيراً، لا تسمح أية قاعدة صحية بتعريض عمال مساكين للمرض بتكليفهم التعامل مع بقايا الطيور المريضة بأيد ووجوه مكشوفة. لو كانت هناك خطة طوارئ، لعلم المسؤولون، على الأقل، أن الطريقة المتبعة عالمياً للتعامل مع بقايا الطيور المصابة هي الحرق، وفق معايير دقيقة.
وما زالت كارثة التلوث النفطي الذي ضرب السواحل اللبنانية إبان القصف الاسرائيلي الصيف الماضي ماثلة. فقد تبين عند حصول الكارثة أن لا وجود لخطة طوارئ، على الرغم من الملايين التي صرفت عبر السنين على خطط وبرامج متفرقة بقيت على الرفوف. فكانت المعالجات محاولات من هيئات أهلية ذات نيّات حسنة ولكن بامكانيات محدودة، وشركات من متصيّدي الكوارث. وفي غياب خطة وطنية لمواجهة الكوارث البحرية، بقيت المعالجات جزئية، وما زالت آلاف الأطنان من الرواسب النفطية قابعة بعد شهور عدة في مستوعبات تم جمعها على الشواطئ، في انتظار قرار يحدد مصيرها. ففي حين يصر البعض على اعتبارها نفايات سامة يكلف الطن الواحد منها أكثر من عشرة آلاف دولار لتصديره ومعالجته في الخارج، يقول خبراء انها مجرد رواسب نفطية لا تتجاوز كلفة نقلها ومعالجتها المئة دولار للطن الواحد، ويؤكد آخرون امكانية استخدامها كما هي كوقود في مصانع الاسمنت. وإلى أن يأتي الحل، تبقى النفايات النفطية تزنر شواطئ لبنان.
قد لا نتفق مع أحمد الجارالله في تخوفه المباشر من التلوث النووي الإيراني. فأية حادثة قد تقع لسفينة حربية تعمل بالطاقة النووية في مياه الخليج، وعددها بالعشرات، قد تشكل خطراً أكبر للتلوث الاشعاعي. لكننا بالتأكيد نؤيد مطالبته بخطط طوارئ لمواجهة الكوارث: من انفلونزا الطيور والتلوث النفطي وإمكان تعطيل محطات تحلية المياه، إلى التلوث الاشعاعي.
قبل أيام، أعلن نائب رئيس دولة الامارات وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن انشاء هيئة وطنية للطوارئ، تضمن الاستجابة الفعّالة للمخاطر المحتملة. هذا نموذج لما يجب أن يحصل في كل دول المنطقة. فبعد أن أعلن معظمها العزم على بناء المفاعلات النووية، نأمل أن تضع خططاً للوقاية تكون أكثر فعالية من خططها مع دجاجات الكويت وسواحل لبنان.
|