Sunday 22 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
محمد عبدالفتاح القصاص الدراسات العلمية والتغيرات المناخية  
حزيران (يونيو) 2007 / عدد 111
 نعيش، ويعيش العالم، في ظل ترقب مشوب بالمخاوف بشأن احتمالات تغير المناخ. ذلك لأن العالم، منذ أشرقت الثورة الصناعية وازدهرت في القرن الثامن عشر، اكتشف واستخرج واستخدم مصادر للوقود الحفري، أي المختزن في باطن الأرض وتحت قيعان البحار منذ الملايين السحيقة من التاريخ الجيولوجي لكوكب الأرض، تلك هي الفحم والبترول والغاز الطبيعي.
حرق مصادر الوقود الحفرية زاد من تركيز عدد من الغازات (أولها ثاني أوكسيد الكربون) في الهواء الجوي، وهي غازات حابسة للحرارة أي تسبب ارتفاعات في درجات الحرارة في حيز طبقات الهواء الجوي القريبة من سطح الأرض. ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على توازنات الطاقة: زيادة البخر ومن ثم زيادة السحب والمطر، تغيرات في مسارات الرياح، تغيرات في مدى التيارات الساحلية في المحيطات (مثل التيار الدافئ الذي يؤثر على مناخ غرب أوروبا، والتيار البارد الذي يؤثر على مناخ ناميبيا في جنوب افريقيا)، تغيرات في حجم كتلة الماء على سطح الأرض مما يؤدي الى ارتفاع مناسيب مياه البحار، تغيرات في تكاوين الجمد وكتله في العروض العليا (المناطق القطبية) وفي قمم سلاسل الجبال مما يؤدي بدوره الى ارتفاع مناسيب البحار. أضف الى ذلك آثار تغيرات المناخ على الزراعة والمراعي والغابات واستهلاك المياه والطاقة وغيرها.
وضع المجتمع الدولي اتفاقية إطارية دولية عن تغير المناخ، وأردفها بملحق (بروتوكول) كيوتو الذي حدد مسؤوليات الدول في اطار التعاون لدرء مخاطر التغيرات المناخية. الاقليم العربي جزء من العالم، فأين هو من المساعي الدولية في هذا الشأن؟
أين الدراسات العربية؟
كونت المؤسسات الدولية لجنة دولية كبرى لدراسات تغيرات المناخ، وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرها الرئيسي الرابع عن شؤون تغير المناخ عام .2007 عند نشأة هذه اللجنة الكبرى في أواخر الثمانينات كان أحد فرسانها البارزين العالم السعودي الدكتور عبدالبر القين، ولكن وفاته رحمه الله حرمت الاقليم العربي من صوت بارز لم يعوض. ودول الاقليم العربي جميعاً لم تنشئ المؤسسات العلمية التي تتدارس موضوع تغيرات المناخ المحتملة في غضون القرن الحادي والعشرين. ان دراسات تغير المناخ، شأنها في ذلك شأن دراسات قضايا البيئة جميعاً، تشتمل على ثلاثة عناصر أساسية، هي بحوث علمية لتقصي مشكلة تغير المناخ وتحليل عناصرها، والآثار المحتملة لتغير المناخ على بيئة المحيط الحيوي، ووسائل مقابلة الآثار المحتملة وعلاج أضرارها. وتضع اللجنة الدولية لتغير المناخ تقاريرها الرئيسية في ثلاثة مجلدات تتناول هذه العناصر الثلاثة.
ليس بين أيدينا دراسات عربية تضيف الى المعارف العلمية، وتقارير اللجنة الدولية الشاملة تنادي على الاقاليم أن تنهض بدراسات على المستوى الاقليمي لأن دراسات المستوى العالمي لا تبين التفاصيل الاقليمية. مثال ذلك أن الدراسات العالمية تقول بأن مصادر مياه نهر النيل من المنابع الاثيوبية قد تزيد بمقدار 30 في المئة أو تقل بمقدار 78 في المئة مع خواتيم القرن الحادي والعشرين، وتوصي هذه الدراسات دول اقليم حوض النيل بأن تنهض بدراسات في الحيز الاقليمي لتدقيق النتائج. هذا ما قالته اللجنة الدولية عام 1998، ولا أجد له صدى في بلاد الاقليم العربي.
كذلك تقول الدراسات العالمية بأن مستوى سطح البحر سيرتفع بفعل أثر زيادة درجات الحرارة على تمدد المياه وأثر ذوبان تكاوين الجمد، والشواهد على هذا الذوبان واضحة للمراقبين وخاصة باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد. البلاد العربية لها سواحل بحرية تمتد آلاف الكيلومترات، بينها مناطق ماهولة تقع على 18,000 كيلومتر من السواحل. والنطاقات الساحلية في الاقليم العربي جميعاً عامرة بالمدن ومستقرات السكن ومراكز الصناعة والتنمية، وهي نطاقات تتهددها مخاطر ارتفاع سطح البحر، والنطاقات المنخفضة مثل دلتا نهر النيل وشط العرب تواجه مخاطر الغرق. لا أجد في بلاد الاقليم العربي آذاناً صاغية لهذا الأمر، ولا أحد يتدبر السبل لدرء هذه المخاطر. أتمنى أن تنشأ في الاقليم العربي لجنة ذات قدر وذات دعم من سلطات السياسة لتقوم بدراسات الآثار المحتملة لتغيرات المناخ، وبين أيدينا نماذج عديدة لدراسات اقليمية (غرب أوروبا) ووطنية (دول عديدة)، وأن يكون لدى هذه اللجنة العربية لدراسات تغير المناخ الموارد المالية السخية التي تعينها على عملها وتمكنها من حشد الامكانات العلمية في الجامعات ومراكز البحوث العربية للنهوض بمسؤوليات الدراسة.
وصل المغرب باسبانيا لانقاذ المتوسط
أذكر، على سبيل المثال، أن ارتفاع سطح مياه البحار (المتوسط، الأحمر، العرب، ...) يهدد نطاقات عديدة في الاقليم العربي وجيرانه، ومنهم شركاء البحر المتوسط. السبيل الوحيد لحماية النطاقات الساحلية لحوض البحر المتوسط (والبحر الأسود) هو العودة الى فكرة طرحت في العشرينات من القرن العشرين، وهي اقامة قنطرة على مضيق جبل طارق تتحكم في دخول مياه المحيط الأطلسي الى البحر ومن ثم تتحكم في مستوى سطح البحر. الحديث عن مشروعات جبل طارق تضمن فكرتين:
الاولى، حفر نفق بين الساحل المغربي والساحل الاسباني يكون معبراً بين قارتي اوروبا وافريقيا، وهو مشروع تتدارسه المغرب واسبانيا منذ سنين ويعني الدولتين. والثانية، اقامة قنطرة بين الساحل المغربي وشبه الجزيرة الاسبانية، يكون معبراً بين القارتين وأداة التحكم في مستوى مياه البحر المتوسط. الميزان المائي للبحر المتوسط سالب، اي أن قدر البخر أكبر من قدر موارد الماء من المطر ومصبات الانهار، ويتم التعويض بدخول مياه المحيط من مضيق جبل طارق.
الفكرة الثانية هي الأداة الوحيدة لدرء مخاطر الغرق على شواطئ دول حوض البحر المتوسط، بما فيه البحر الأسود، ودراستها تقتضي مشاركة الدول جميعاً، لأن القنطرة ستكون وسيلة التحكم في بحر دولي. هذه الدراسات تتضمن الدراسات التقنية والهندسية وحسابات التكاليف، والدراسات القانونية والتشريعية للادارة المشتركة للدول المعنية جميعاً، والدراسات الفنية لادارة هذه الأداة الدولية. الدول العربية المعنية (دول حوض البحر المتوسط) مدعوة للنظر في هذا المشروع، والدعوة الى تدارسه على مستوى الاقليم. مثل هذا يقال عن مشروع قديم لقنطرة عبر مضيق باب المندب. وهو مشروع تناولته دراسات أولية في القرن العشرين على أساس اقامة طريق يربط قارتي افريقيا وآسيا، واقامة قنطرة تقام عليها محطات طاقة. ويقال أيضاً عن امكان اقامة قنطرة عند مدخل الخليج العربي. هذه أمور ينبغي أن تكون بين أيدي مؤسسات العلوم في الاقليم العربي ومؤسسات البصر الى المستقبل.
شُغلت وفود الدول العربية المنتجة للبترول بالقضايا المتصلة بوسائل توقي مشاكل الدفء الكوني وتوابعه من تغيرات المناخ، وهي وسائل تهدف في جملتها الى الاقتصاد في استهلاك الوقود عن طريق زيادة  كفاءة التقنيات المستخدمة. كانت وفود هذه الدول تعارض كل حديث عن أمور قد تؤثر على سوق البترول، وهي نظرة قصيرة المدى لأن العالم سيظل على مدى السنوات القادمة يعتمد على الوقود الحفري، ولأن من مصلحة الدول المنتجة أن ترشّد معدلات الاستخراج حتى لا تنضب موارد البترول في القريب. الترشيد هو أساس التنمية المستدامة.
غياب التنظيم العلمي
الاقليم العربي يتمتع بالشمس الساطعة والرياح، وهي مصادر للطاقة لا تنضب. البحث العلمي والتطوير التكنولوجي هما السبيلان الوحيدان لتحويل هذه الطاقة الى عناصر للتنمية والثروة. وتغيرات المناخ قد تقلل من سطوع الشمس (زيادة السحب، زيادة الأتربة) ومن حركة الرياح. ان عناصر البيئة الفاعلة في المحيط الحيوي لكوكب الأرض معقدة ومتداخلة يُحتاج فيها الى مؤسسات علمية قادرة، والفهم هو العتبة الأولى لحسن التناول ورشد الادارة وتوقي المخاطر والاستزادة من المنافع. الاقليم العربي ودوله في حاجة الى جهد وعزم للمشاركة في المساعي العالمية بحثاً عن سبل الرشاد في ادارة المحيط الحيوي لكوكب الأرض. الذين لا يشاركون قد يجدون الراحة في مواقع المتفرجين، ولكنهم يضعون أنفسهم في مواقع المهمشين.
يزدهي الاقليم العربي بجامعات عديدة ومراكز للبحوث العلمية يحتشد فيها آلاف من الأساتذة الباحثين المؤهلين للنهوض بمسؤوليات البحث العلمي في سائر مجالات المحيط الحيوي ومنها المناخ. في غياب السياسات الوطنية ينطلق الجهد العلمي الى مجالات الاهتمام والتخصص للباحثين. لكن دراسات المناخ على المستوى الوطني وفي اطار التعاون الاقليمي متعددة العناصر، تحتاج الى تنظيم علمي يضع خططها ويوزع مسؤولياتها ويربط بين نتائجها، ويتيح الامكانات التي تدعم عناصر الأداء في الجامعات ومراكز البحوث. مثل هذا التنظيم العلمي الفاعل غائب.
جرى حديث في مؤتمر القمة العربي الذي عقد بالرباط في سبعينات القرن العشرين عن مؤسسة عربية للبحث العلمي، واستكملت المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة دراسة تفصيلية عن هذه المؤسسة. وما زال الأمر في إطار الحلم.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
المنامة - "البيئة والتنمية" الطاقة البديلة في دول الخليج
أنت تسيطر على تغير المناخ
ساكرامنتو ـ ''البيئة والتنمية'' النفايات الالكترونية
وائل حميدان (لندن) تغير المناخ لن يوفر العرب
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.