تحظى دول العالم هذا الشهر بفرصة تاريخية لاستحداث مؤسسات واتخاذ قرارات لازمة للوفاء بالوعود التي قطعت في قمة الأرض الأولى عام 1992، بهدف وضع العالم على مسار أكثر استدامة. فبين 20 و22 حزيران (يونيو) تستضيف ريو دي جانيرو في البرازيل للمرة الثانية مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو +20)، الذي يصادف الذكرى العشرين لقمة الأرض الأولى والذكرى الأربعين لتأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة. لكن هناك خطراً كبيراً أن يولد المؤتمر ميتاً، تعوزه الإرادة السياسية للالتزام بالتحولات اللازمة لبقاء البشرية في عالم محدود الموارد.
ببساطة، تطلب البشرية من الأرض أكثر مما تستطيع الأرض أن تعطيه، ما يدفعنا إلى حدود لا يمكن أن يستعاد بعدها هواء الكوكب وماؤه ونظمه الطبيعية.
الهيكليات الحالية لا يمكنها مواجهة هذه الحقيقة الجديدة، كما أكدت حصيلة مفاوضات تغير المناخ في دوربان بجنوب أفريقيا أواخر 2011. وعلى رغم أكثر من 900 معاهدة بيئية أبرمت خلال السنوات الأربعين الأخيرة، يستمر التدهور البيئي الذي يتسبب به الانسان بوتيرة تنذر بالخطر.
الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة واجتثاث الفقر هو أحد المحورين الرئيسيين في مؤتمر «ريو +20». فقد بات ينظر إلى الاقتصاد الأخضر كأداة تحقق التنمية المستدامة، باعتباره اقتصاداً قليل الكربون يحسّن ظروف الحياة والعدالة الاجتماعية مع تخفيض الأخطار البيئية وصون الموارد الطبيعية.
وقد أطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة مبادرة الاقتصاد الأخضر عام 2008، بهدف توفير التحليل والدعم السياسي للاستثمار في قطاعات خضراء وفي تخضير قطاعات غير صديقة للبيئة. وتحضيراً لمؤتمر ريو، أصدر البرنامج تقريراً بعنوان «نحو اقتصاد أخضر: مسارات إلى التنمية المستدامة واجتثاث الفقر».
ومن أجل مواكبة المنطقة العربية لهذا المسار العالمي، أصدر المنتدى العربي للبيئة والتنمية تقريره السنوي للعام 2011 بعنوان «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير»، الذي يطرح خيارات للتطور الاجتماعي والاقتصادي مع الحفاظ على التوازن الطبيعي واستدامة الموارد. ويغطي التقرير سبل تحول البلدان العربية إلى اقتصاد أخضر، وما ينجم عنه من مكاسب، في ثمانية قطاعات هي: الطاقة، المياه، الزراعة، النقل والمواصلات، الصناعة، إدارة النفايات، المدن والمباني الخضراء، والسياحة. وقد بات هذا التقرير مرجعاً رئيسياً للوفود العربية إلى «ريو +20».
الإطار المؤسسي للتنمية المستدامة هو المحور الرئيسي الثاني في ريو +20. فالحاجة ملحة إلى معالجة الحوكمة البيئية الدولية كجزء من إصلاح هذا الإطار المؤسسي. وهناك توافق واسع النطاق على أن النظام الراهن للحوكمة البيئية الدولية، بمتاهته التي تتشابك فيها اتفاقيات متعددة الأطراف أبرمت خلال القرن العشرين، غير ملائم لمواجهة الأخطار وتوفير الفرص للقرن الحادي والعشرين.
وسيكون مؤتمر ريو مناسبة للنظر في إصلاح المؤسسات والهيئات المسؤولة عن توفير تنمية مستدامة، ومراجعة وجهات تركيزها، من أجل تجهيزها بشكل أفضل لقرن جديد.
لا يعد مؤتمر «ريو +20» بأن يكون حدثاً مثيراً كما كانت قمة الأرض الأولى، لكن الأدلة العلمية واضحة على أن الوقت ينفد وأن حكومات العالم يجب أن تتفق على الاستغلال الحكيم لموارد الأرض وتنوعها البيولوجي، اللذين تعتمد عليهما سبل عيشنا.
ثمة نتائج مشجعة لمبادرات حول العالم، خصوصاً في بلدان نامية، تصبّ في خانة الاقتصاد الأخضر. وهي توضح كيفية تحقيق مكاسب من استثمارات وسياسات خضراء محددة، إذا تم تعزيزها ودمجها في استراتيجية شاملة يمكن أن توفر مساراً تنموياً بديلاً يدعم النمو وتأمين فرص العمل وتحسين أوضاع الفقراء.
في ما يأتي لمحة عن أربع مبادرات تظهر الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لاعتماد مسارات الاقتصاد الأخضر، وتساهم في تعريف ماهية هذا الاقتصاد في التطبيق العملي.
الطاقة الشمسية في تونس
باشرت تونس خطوات لتطوير قطاع الطاقة المتجددة، بهدف تقليل اعتمادها على النفط والغاز. ففي العام 2005 أقر قانون تم بموجبه إنشاء «نظام الحفاظ على الطاقة»، وتلاه مباشرة استحداث آلية تمويل هي الصندوق الوطني لإدارة الطاقة، لدعم تكنولوجيات الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة. ويمول الصندوق برسم يُفرض على التسجيل الأول للسيارات الخاصة التي تعمل بالبنزين والديزل، ورسم استيراد أو إنتاج محلي لمعدات تكييف الهواء، باستثناء تلك التي يتم إنتاجها من أجل التصدير.
بين عامي 2005 و2008، وفرت خطط الطاقة النظيفة على الحكومة 1.1 بليون دولار في فواتير الطاقة، باستثمارات أولية مقدارها 200 مليون دولار في البنية التحتية للطاقة النظيفة. وكان الهدف أن يصل استهلاك الطاقة الأولية من مصادر متجددة، فضلاً عن الوفورات من كفاءة الطاقة، إلى 20 في المئة من إجمالي استهلاك الطاقة عام 2011.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2009، قدمت الحكومة خطة الطاقة الشمسية الوطنية الأولى وخططاً تكميلية أخرى، بهدف زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة من نحو 1 في المئة إلى 4.3 في المئة سنة 2014. وتشمل الخطة استعمال النظم الفوتوفولطية الشمسية ونظم تسخين المياه بالطاقة الشمسية ووحدات الطاقة الشمسية المركزة لتوليد الكهرباء.
وقُدرت الموارد المالية الاجمالية اللازمة لتنفيذ الخطة بنحو 2.5 بليون دولار، بما في ذلك 175 مليون دولار من الصندوق الوطني و530 مليوناً من القطاع العام و1660 مليوناً من صناديق القطاع الخاص و24 مليوناً من جمعيات تعاونية دولية، تنفق كلها بحلول سنة 2016 على 40 مشروعاً للطاقة المتجددة. ويخصص نحو 40 في المئة من هذه الموارد لتطوير البنية التحتية لصادرات الطاقة.
وقد تصل وفورات الطاقة المتوقعة من خطة الطاقة الشمسية إلى 22 في المئة سنة 2016، مع انخفاض في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون مقداره 1.3 مليون طن سنوياً.
ويجمع الدعم المالي والضريبي للبرنامج بين الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة وتخفيض الرسوم الجمركية وقرض مصرفي بفائدة منخفضة. ويُنظم تسديد القرض من خلال فاتورة منتظمة للوكالة التونسية للكهرباء والغاز، على أن تتلقى المصارف المحلية دعماً يمكنها من تمويل مشاريع لتسخين المياه بالطاقة الشمسية بمعدلات فائدة منخفضة.
حقق هذا الترتيب فوائد مالية مباشرة للمستخدمين، بمقارنة الأقساط الشهرية لنظام تسخين المياه بالطاقة الشمسية مع فواتير الكهرباء السابقة. وتم دعم فائدة تكميلية خلال السنتين الأوليين (2005 ـ 2006) من البرنامج، ما خفض فائدة القرض إلى صفر في المئة. وقدمت الحكومة دعماً بنسبة 20 في المئة من كلفة النظام أو 75 دولاراً لكل متر مربع، على أن يؤمّن الزبائن 10 في المئة كحد أدنى من تكاليف الشراء والتركيب. وتحصل 50 ألف عائلة تونسية على مياهها الساخنة بواسطة الطاقة الشمسية على أساس قرضين بلغا 5 ملايين دولار عام 2005 و7.8 ملايين دولار عام 2006. ومع بلوغ مساحة اللاقطات المركبة 400 ألف متر مربع، حددت الحكومة هدفاً أكثر طموحاً هو 750 ألف متر مربع خلال الفترة 2010 ـ 2014، وهذا مستوى مشابه للمستوى في بلدان أكبر كثيراً مثل إسبانيا وإيطاليا. وخلال الفترة 2008 ـ 2010 ساهم البرنامج الشمسي التونسي في تجنب 214 ألف طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وأتاح فرص عمل، إذ سُجلت رسمياً 42 شركة للتكنولوجيات الشمسية، وركبت 1000 مؤسسة على الأقل نظماً شمسية.
لقد أثبتت التجربة التونسية ما يمكن تحقيقه من عائدات بالاستثمار في الطاقة المتجددة، مع خلق وظائف جديدة وتقليل الاعتماد على مستوردات الوقود.
تخطيط مُدُني مستدام في البرازيل
تحتل البرازيل المرتبة الرابعة في عدد سكان المدن بعد الصين والهند والولايات المتحدة، مع نمو سنوي بمعدل 1.8 في المئة منذ 2005. وقد تصدت مدينة كوريتيبا، عاصمة ولاية بارانا البرازيلية، لهذا التحـدي بتطبيق نظم ابتكارية خلال العقود الأخيرة، ما ألهم مدناً أخرى في البرازيل وخارجها. وباتت هذه المدينة شهيرة بنظام النقل السريع بالحافلات، ونموذجاً في التخطيط المدني والصناعي المتكامل الذي أتاح إقامة صناعات جديدة وخلق وظائف.
من خلال مناهجها الابتكارية في التخطيط المدني وإدارة المدن وتنظيم النقل، التي تعود إلى ستينات القرن العشرين، نمت كوريتيبا سكانياً من 361 ألفـاً عام 1960 إلى مليون و830 ألف نسمة عام 2008، من دون أن تعاني نكسات شائعة نتيجة الزحمة والتلوث وتقلص الحيز العام. وفي حين ازدادت الكثافة السكانية في المدينة ثلاثة أضعاف من 1970 إلى 2008، ازدادت المساحة الخضراء للفرد من متر مربع إلى أكثر من 50 متراً مربعاً. وكان أحد العناصر الرئيسية للتخطيط المدني النمو في نمط «شعاعي طولي» بهدف استيعاب الكثافة السكانية وحماية المساحات الخضراء. وشجع هذا النمط، بالجمع بين تصنيف استعمالات الأراضي وتوفير بنية تحتية للنقل العام، على تحويل حركة السير من وسط المدينة، وتطوير المساكن والخدمات والمواقع الصناعية على المحاور الشعاعية.
توفر المدن فرصاً لا يستهان بها لتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عبر تطبيق مناهج منسقة لتخفيض الانبعاثات من وسائل النقل والمباني، وهما أكبر مصدرين. وكنتيجة لتخطيط مدني متكامل، تحظى كوريتيبا بأعلى معدل لاستعمال النقل العام في البرازيل (45 في المئة من الرحلات) وأحد أدنى معدلات تلوث الهواء المُدُني في البلاد. وتعتبر فوائد هذه المبادرات كبيرة من الناحية الاقتصادية ومن حيث كفاءة الموارد. وقد بات استعمال الوقود في كوريتيبا أقل 30 في المئة مما في مدن كبرى أخرى في البرازيل. والاستهلاك الفردي المفرط للوقود نتيجة زحمة السير الحادة هو في هذه المدينة أقل 14 مرة مما في ساو باولو وأربع مرات مما في ريو دي جانيرو. وخسارة الوقت للفرد بسبب زحمة السير هي أقل 11 مرة مما في ساو باولو و7 مرات مما في ريو دي جانيرو.
قامت سلطات كوريتيبا بتحويل المناطق المعرضة للفيضانات إلى متنزهات وطنية زرعت فيها أشجار كثيرة، وأقامت بحيرات اصطناعية لاحتواء مياه الفيضانات. وهكذا تمكنت من التصدي لمشكلة الفيضانات المكلفة باحتواء مياهها وتصريفها. وتقدر كلفة هذه الاستراتيجية، بما في ذلك تكاليف نقل سكان أحياء البؤس إلى مناطق بديلة، بنحو خمسة أضعاف كلفة بناء قنوات خرسانية. ونتيجة لذلك، ارتفعت قيمة الممتلكات في المناطق المجاورة وازدادت العائدات الضريبية.
وأنشأت الحكومة المحلية «مدينة كوريتيبا الصناعية» على الطرف الغربي للمدينة، آخذة في الحسبان اتجاه الريح تجنباً لتلويث وسط المدينة. وللمدينة الصناعية أنظمة بيئية مشددة، ولا يسمح فيها بصناعات ملوِّثة خارج حدود معينة. وبعد ثلاثة عقود، تحتضن المدينة الصناعية اليوم أكثر من 700 شركة، بما فيها شركة لإنتاج حافلات النقل السريع وشركات لتكنولوجيا المعلومات. وقد خلقت نحو 50 ألف وظيفة مباشرة و150 ألف وظيفة غير مباشرة، وهي تنتج نحو 20 في المئة من صادرات ولاية بارانا.
وعززت كوريتيبا أيضاً البنية التحتية لإدارة النفايات، والوعي الجماهيري لفرز النفايات وتدويرها. ويساهم 70 في المئة من سكانها بفاعلية في عملية التدوير، حيث يتم تدوير 13 في المئة من النفايات الصلبة، بالمقارنة مع 1 في المئة فقط في ساو باولو.
عموماً، تمثل كوريتيبا دراسة حالة للتخطيط المُدُني الذكي الذي يتفادى تكاليف كبيرة في المستقبل ويحسن الكفاءة والإنتاجية ونوعية العيش للمقيمين.
خدمات النظم الإيكولوجيةفي الإكوادور
قدمت العاصمة الإكوادورية كيتو مثالاً رائداً في توجيه الطلب الاقتصادي على المياه إلى المناطق الكائنة في أعالي مجاري الأنهار. وتؤوي المدينة 1.5 مليون نسمة، وتعتمد في تأمين مياهها، هي والمناطق المجاورة، على صون المناطق المحمية في أعالي مجاري الأنهار، إذ ينبع 80 في المئة من إمدادت المياه من محميتين طبيعيتين هما كايامبي ـ كوكا (400 ألف هكتار) وانتيزانا (120 ألف هكتار).
وقام المجلس البلدي بالتعاون مع منظمة غير حكومية بتأسيس صندوق حماية المياه (FONAG) عام 2000 كصندوق ائتمان يساهم فيه مستخدمو المياه في كيتو، وتستعمل عائداته لتمويل صون خدمات النظم الإيكولوجية، بما في ذلك حيازة الأراضي المهمة للموارد المائية.
تجبى في كيتو وضواحيها رسوم تفاضلية لصندوق حماية المياه تعتمد على مدى الاستعمال. وتعتبر مصلحة المياه المساهم الأكبر في مبيعات المياه الشهرية. وتسدد شركات الطاقة الكهرمائية مدفوعات سنوية ثابتة، وكذلك المصانع والمزارعون وأصحاب الشركات والمنازل. وقد حاز الصندوق أكثر من 7 ملايين دولار بحلول العام 2010. وهو يمول مشاريع إدارة مستجمعات المياه في أودية الأنهار الصغيرة، والبرامج المائية الطويلة الأمد، المخصصة للتثقيف البيئي والتحريج والتدريب على إدارة أحواض الأنهار. وتنفذ هذه المشاريع والبرامج بمشاركة جهات مؤثرة في المجتمع ومؤسسات تعليمية ومنظمات حكومية وغير حكومية.
يساهم صندوق حماية المياه في تأمين الإمدادت المائية لمدينة كيتو في الحاضر والمستقبل. ومن خلاله، يخضع أكثر من 65 ألف هكتار من مستجمعات المياه حالياً لإدارة محسنة. ويحصل المزارعون في أعالي مجاري الأنهار على دعم لبرامج حماية مستجمعات الأنهار، بدل المدفوعات النقدية. ويقدر أن أكثر من 1800 شخص يحصلون على زيادة في الفوائد الاقتصادية المرتبطة بإدارة مستجمعات المياه والحفاظ عليها.
الزراعة العضوية في أوغندا
اتخذت أوغندا خطوات كبرى لتحويل إنتاجها الزراعي التقليدي إلى نظام عضوي لا تستخدم فيه مدخلات اصطناعية مثل الأدوية والأسمدة والمبيدات. وأوغندا من البلدان التي تستخدم أدنى كمية من الأسمدة الاصطناعية في العالم، بنسبة كيلوغرام للهكتار، مقارنة مع المعدل المنخفض جداً قي القارة الأفريقية الذي يبلغ 9 كيلوغرامات للهكتار. ويعود ذلك أساساً إلى الفقر. وقد تم انتهاز قلة استعمال الأسمدة على نطاق واسع كفرصة حقيقية لاتباع أساليب الزراعة العضوية.
يزاول 85 في المئة من سكان أوغندا الانتاج الزراعي، الذي شكل 42 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الوطني و80 في المئة من إيرادات الصادرات خلال الفترة 2005 ـ 2006. ومنذ العام 1994، باشرت بضع شركات تجارية مزاولة الزراعة العضوية. وفي الوقت ذاته، نشطت في القطاع الزراعي الأوغندي حركة باتجاه تطوير زراعة مستدامة كوسيلة لتحسين سبل عيش الناس.
وفي العام 2003، احتلت أوغندا المرتبة الثالثة عشرة في العالم من حيث مساحة الأراضي الخاضعة للإنتاج الزراعي العضوي، والمرتبة الأولى في أفريقيا. وبحلول 2004، كان لديها نحو 185 ألف هكتار من الأراضي الخاضعة للزراعة العضوية (أكثر من 2 في المئة من الأراضي الزراعية) مع وجود 45 ألف مزارع يحمل رخصة للزراعة العضوية. وارتفعت الأرقام عام 2007 إلى 296 ألف هكتار و207 آلاف مزارع مجاز. وهذا يعني زيادة 60 في المئة في الأراضي المزروعة عضوياً و359 في المئة في عدد المزارعين العضويين خلال الفترة 2002 ـ 2007. ويقدر الاتحاد الدولي لحركات الزراعة العضوية (IFOAM) السوق العالمية للأغذية والمشروبات العضوية بنحو 50 بليون دولار، وقد ازدادت بنسبة 10 إلى 20 في المئة سنوياً بين العامين 2000 و2007. ويوفر هذا القطاع الفرعي فرصة تصديرية فريدة لكثير من البلدان النامية، لأن 97 في المئة من الايرادات تتولد في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، في حين أن 80 في المئة من المنتجين موجودون في بلدان نامية في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية.
وقد ازدادات صادرات أوغندا العضوية المرخصة من 3,7 ملايين دولار في 2003 / 2004 إلى 6,2 ملايين دولار في 2004 / 2005، قبل أن تقفز إلى 22.8 مليون دولار في 2007 / 2008. وازدادت أسعار المنتجات التي تدفع إلى المزارعين بما يصل إلى 300 في المئة لمحاصيل مثل الأناناس والزنجبيل والفانيليا، مقارنة مع منتجات الزراعة التقليدية.
من خلال الزراعة العضوية، لا تكسب أوغندا اقتصادياً فقط، بل تساهم أيضاً في الحد من تغير المناخ، لأن انبعاثات غازات الدفيئة في الهكتار أدنى 64 في المئة في المتوسط من انبعاثات المزارع التقليدية. وقد أظهرت عدة دراسات أن الحقول العضوية تحتجز كمية من الكربون تزيد 3 إلى 8 أطنان في الهكتار على حقول الزراعة التقليدية.
الخلاصة أن أوغندا تصدت لعائق اقتصادي هو محدودية قدرتها على استخدام المدخلات الكيميائية الزراعية، وحولته إلى فرصة لإرساء قاعدتها الزراعية العضوية التي باتت تولد مداخيل مهمة للمزارعين الصغار.
كادر
تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية: التحول الأخضر ينقذ الاقتصاد العربي
السياسات الإنمائية التي تحقق تقدماً يوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مع تعزيز الرأسمال الطبيعي، هي تلك التي يدعو إليها تقرير «الاقتصاد الخضر في عالم عربي متغيّر»، الذي أصدره المنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد» عام 2011. ويتناول التقرير مجموعة من السياسات المساعدة لتحقيق التحول الى اقتصاد أخضر عبر ثمانية قطاعات اقتصادية رئيسية هي: الزراعة، المياه، الطاقة، الصناعة، المدن والمباني، النفايات، السياحة.
تم تقديم التقرير في مؤتمر المنتدى السنوي في بيروت، ولاحقاً في عدة عواصم عربية. وبات مرجعاً رئيسياً لسياسات التحول إلى اقتصاد أخضر في كثير من البلدان العربية. ومن أبرز الخطوات إعلان دولة الامارات العربية المتحدة عن استراتيجية وطنية للاقتصاد الأخضر، تسعى الى «جعل الامارات مركزاً عالمياً ونموذجاً ناجحاً للاقتصاد الأخضر الجديد، بما يعزز من تنافسيتها واستدامة التنمية ويحافظ على بيئتها للأجيال القادمة». كما دعا الرئيس العام للارصاد وحماية البيئة في السعودية الى «تحول المنطقة العربية الى الاقتصاد الأخضر، الذي سيساهم في إيجاد فرص عمل لائقة ودائمة للشباب... وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وضمان السياسات المالية الراسخة لدعم التحول الى اقتصاد أخضر في المجتمعات الخليجية». وأعلن الأردن عن اعتماد الاقتصاد الأخضر في استراتيجيته التنموية.
أكد تقرير «أفد» أن نماذج التنمية الاقتصادية العربية يجب أن تلبي طموحات شعوبها في الأمن الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفاءة الموارد وحماية البيئة. وولد التدهور في الأوضـاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية اجهاداً شاملاً لمصادر الرزق والصحة والرفاه البشري، وقد يؤدي حتى الى مزيد من الانتفاضات الاجتماعية والسياسية. ويجب إعادة النظر على نحو جذري في الاستراتيجيات التي تركّز على تحقيق نمو سريع في أرقام الناتج المحلي الاجمالي، لكنها تؤدي إلى اهمال أو تقويض الأوضاع الاجتماعية والسياسية والبيئية.
يتطلب تحقيق التحول إلى الاقتصاد الأخضر توجيه الاستثمارات الحكومية والخاصة الى رفع كفاءة الموارد وانتاجية الطاقة والمياه الى أقصى حد، وتخفيض النفايات والتلوث، وتأمين محركات نمو جديدة من خلال البحوث وتطوير التكنولوجيا الخضراء، والادارة المستدامة للأصول المحلية والطبيعية والثقافية التي تعزز الاقتصاد المحلي والقدرة على خلق وظائف جديدة إضافية ودعم الفقراء. كما أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر يساعد الدول العربية في مواجهة آثار تغيّر المناخ.
ودعا تقرير «أفد» الحكومات العربية الى اعتماد تدابير خضراء في القطاعات الآتية:
الزراعة: اعطاء اهتمام أكبر للتنمية الزراعية الريفية المستدامة كهدف أساسي استراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي وتخفيف وتيرة الفقر في الأرياف وعكس اتجاه سنوات الاهمال. ويجب أن ترتكز الاستراتيجيات الزراعية على تحقيق استدامة المياه السطحية والجوفية، وتحسين كفاءة الري، ورفع انتاجية المحاصيل التي تروى بمياه الأمطار، وتسهيل الاتجار بالسلع الزراعية، ودعم الأساليب الاقتصادية ـ الزراعية التي تحمي التربة والأرض والمياه، وزيادة الاستثمارات الزراعية المخصصة للتطوير واعادة التأهيل والبحوث.
المياه: احداث تحول في السياسات نحو ادارة الطلب على المياه بشكل ينظم الحصول على المياه، ويحسن كفاءة استخدامها، ويمنع تلوثها. ويطلب من الحكومات بإلحاح أن تفرض تعرفات عادلة للمياه من شأنها ترشيد الاستخدام، وتحقيق استرجاع التكاليف بشكل تدريجي، لتعكس قيمة المياه كمورد، وتعزيز العدالة من خلال دعم مالي هادف للأسعار. ويجب زيادة معدلات معالجة المياه المبتذلة من المستوى الحالي الذي يقل عن 50 في المئة الى أكثر من 90 في المئة، واعادة استعمال المياه من المستوى الحالي البالغ 20 في المئة الى نحو مئة في المئة. ويجب أن يعزز بشكل فعال التطوير المحلي لطرق مبدعة لتحلية المياه المالحة تستخدم الطاقة الشمسية.
الطاقة: اعتماد استراتيجيات وطنية واقليمية لكفاءة الطاقة، وادارة الطلب، والطاقة الأنظف، والطاقة المتجددة. ولادارة نمو الطلب على الطاقة بشكل قليل الكلفة، على الحكومات أن تفرض وتطبق مقاييس تتعلق بكفاءة الطاقة في الأبنية السكنية والتجارية والمرافق الصناعية ووسائط النقل، وللأجهزة والمصابيح الكهربائية. وعلى الحكومات أن تعيد النظر في الاعانات المالية الواسعة للكهرباء والمشتقات النفطية والغاز الطبيعي بشكل يعزز الاستثمارات في تكنولوجيات كفاءة الطاقة والطاقة النظيفة والطاقة المتجددة. ويجب استعمال الاعانات المالية الهادفة لمساعدة العائلات المنخفضة الدخل.
المدن: اعتماد أنظمة لتصنيف الأراضي البلدية عمرانياً لتعزيز التنمية المختلطة الاستعمالات، وأنماط استخدامات الأراضي العالية الكثافة، والمساحات الخضراء المكشوفة، وشبكات النقل العام التي يسهل الوصول اليها.
الصناعة: وضع سياسة صناعية وطنية توفر إطاراً مؤسسياً وتنظيمياً مؤاتياً للصناعات المنخفضة الكربون والكفوءة باستخدام موارد المياه، وبناء القدرات البحثية والتطويرية.
النقل والمواصلات: توظيف استثمارات مستمرة في النقل العام الجماعي في المدن العربية وفي خطوط القطارات الاقليمية لنقل البضائع والناس ضمن مسارات مكتظة محلياً ووطنياً وإقليمياً. وعلى الهيئات الحكومية أن تضمن وجود تكامل جيد بين النقل والتخطيط الحضري. وعلى الحكومات أن تتبنى مقاييس وطنية لكفاءة وقود السيارات وأن تخفض بشكل تدريجي الاعانات المالية لهذا الوقود، مع اعتماد حوافز لاستبدال السيارات المتقادمة والملوِّثة بسيارات جديدة ذات كفاءة أعلى بالوقود، وتطبيق نظام ضرائبي يتناسب مع الانبعاثات واستهلاك الوقود.
النفايات: تبني مقاربة تتعلق بادارة الموارد للنفايات الصلبة التي تسعى الى تحقيق قيمة من المواد المهملة عن طريق التقليل واعادة الاستعمال واعادة التدوير والاسترجاع. وعلى الحكومات تعزيز الاستثمارات في تحويل فضلات المحاصيل الغذائية العضوية الى سماد طبيعي وغاز حيوي (بيوغاز)، فضلاً عن استراتيجيات تحويل النفايات الى طاقة.
السياحة: تطوير منظومة لأدوات السياسات، بما فيها الأنظمة والحوافز وبناء القدرات لتنفيذ ممارسات سياحية مستدامة في خدمات السفر والضيافة والاستجمام. وعلى الحكومات أن تعطي عناية خاصة للسياحة البيئية اضافة الى السياحة الثقافية المعتمدة على المجتمعات المحلية للمساعدة في الحفاظ على الطبيعة ودعم الاقتصادات المحلية.