تغير المناخ هو موضوع يوم البيئة العالمي لهذه السنة، الذي يحتفل به في 5 حزيران (يونيو) وتجرى احتفالاته الدولية في النـروج. وهو يركز على المناطق القطبية تحت شعار ''ذوبان الجليد، موضوع ساخن؟'' ذلك السؤال الذي لا يحتاج الى جواب.
تعرض ''البيئة والتنمية'' في ما يأتي أحدث المعلومات والوقائع حول تغير المناخ وذوبان الجليد، وفق دراسات برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومراكز أبحاث دولية
في إندونيسيا جزر كثيرة جداً الى درجة أن نصفها لا يحمل أسماء. فمن جزر مرجانية منبسطة أمام البحر، الى جبال بركانية منبثقة من الماء ومكسوة بالغابات، تعتبر إندونيسيا أكبر أرخبيل في العالم. رسمياً، فيها نحو 17,504 جزر، لكن وزير بيئتها حذر مؤخراً أن العدد سيتناقص، اذ ان البلاد قد تفقد نحو 2000 جزيرة بحلول سنة 2030 اذا استمر مستوى البحر في الارتفاع، فمعظم جزرها الصغيرة تعلو أقل من متر عن المياه.
في شباط (فبراير) 2007 أعلنت اللجنة الدولية بشأن تغير المناخ أن مستويات البحار يمكن أن ترتفع بحدود 59 سنتيمتراً مع حلول سنة 2100، وربما أكثر اذا ذاب جليد غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا). السبب؟ الاحتباس الحراري في جو الأرض، الذي يعزوه معظم العلماء الى انبعاثات ''غازات الدفيئة''، خصوصاً ثاني أوكسيد الكربون، الناجمة بشكل رئيسي عن حرق الوقود الأحفوري. ووفق بروتوكول كيوتو، تعهدت 35 دولة صناعية بخفض انبعاثاتها 5 في المئة عن مستوى عام 1990 خلال الفترة 2008 ـ 2012. لكن الاتحاد الاوروبي يرى أن من الضروري خفض الانبعاثات العالمية 50 في المئة عن مستوى 1990 بحلول سنة 2050، لحصر ارتفاع حرارة الأرض ضمن درجتين مئويتين فوق معدل ما قبل العصر الصناعي، كخط أحمر للتغيرات المناخية الخطيرة.
تغير المناخ هو موضوع يوم البيئة العالمي لهذه السنة، الذي يحتفل به في 5 حزيران (يونيو)، ويركز على التحديات التي تواجهها البشرية والبيئة في منطقة القطب الشمالي والقارة القطبية الجنوبية. وقد اعتبر أخيم شتاينر، المديرالتنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن المنطقتين القطبيتين اللتين تشهدان أشد الأدلة وقعاً على تغير المناخ ''قد تمثلان نظام الانذار المبكر لمناخ الأرض''.
منذ العصور قبل الصناعية، ازدادت حرارة الأرض نحو 0,75 درجة مئوية. ومنذ التسعينات، شهد العالم 11 عاماً من الأكثر دفئاً خلال الـ 125 سنة الماضية، واعتبر العام 2005 الأكثر دفئاً في السجلات. ويظهر فحص عينات جوفية من الجليد أن كمية ثاني أوكسيد الكربون الموجودة حالياً في الغلاف الجوي هي أكبر مما كانت في أي وقت آخر منذ 600,000 سنة. وفي الفترة 1960 ـ 2002 ازدادت الانبعاثات العالمية الناتجة عن الأنشطة الصناعية نحو ثلاثة أضعاف سنوياً، وقد ارتفعت بنسبة 33 في المئة منذ 1987.
من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة خلال هذا القرن بين 1,4 و5,8 درجات مئوية، وقد أصبحت آثار تغير المناخ واضحة ومرئية. ومن الأمثلة على ذلك تقلص الغطاء الجليدي في المنطقة القطبية الشمالية، وانحسار الأنهار الجليدية في أنحاء العالم، وذوبان الأرض الدائمة التجمد، وتهشم جليد الأنهار والبحيرات باكراً، وتسارع ارتفاع مستوى البحار، وزيادة شدة العواصف الاستوائية ومدتها، وطول فصول النمو في مناطق خطوط العرض الوسطى والقطبية، والتحولات في نطاقات النباتات والحيوانات.
في المنطقة القطبية الشمالية، تطلق التربة العضوية أثناء ذوبانها غاز الميثان الذي يعد غاز دفيئة أقوى من ثاني أوكسيد الكربون. والعلماء في حالة قلق متزايد بشأن إمكان حدوث تغير مفاجئ في المناخ، بما في ذلك ضعف التيارات المحيطية مثل تيار الخليج الذي يدفئ أوروبا، وتغير أنماط سقوط الأمطار مما يؤثر على الأمن الغذائي لبلايين البشر.
إسأل دباً قطبياً...
يزداد الاحترار في المنطقة القطبية الشمالية بضعفي سرعة المعدل العالمي. وتتناقص المساحة التي يغطيها الجليد في المحيط المتجمد الشمالي كل صيف، كما تقل سماكة الجليد المتبقي. ونظراً لأن البحر يمتص حرارة أكثر من الجليد، يحدث تأثير ارتدادي يؤدي الى المزيد من الذوبان. ومنذ عام 1980، ذاب 20 ـ 30 في المئة من الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية الأوروبية.
تعتمد الدببة القطبية على الجليد البحري لتصطاد الفقمة وتنتقل من مكان الى آخر. وتبني الإناث الحوامل أوكارها الشتائية في أماكن تمتاز بكثافة الغطاء الجليدي، وعندما تخرج مع صغارها يكون قد مضى عليها من خمسة الى سبعة أشهر دون طعام، وتحتاج الى جليد بحري في ظروف ربيعية جيدة لضمان بقائها وبقاء صغارها.
خلال العقدين الماضيين، لوحظ تدهور حالة الدببة القطبية في منطقة خليج هدسون في كندا، حيث نقص وزن الدبة البالغة بين 15 و26 في المئة، كما نقص عدد المواليد السنوية. وتتوقع بعض النماذج المناخية احتمال فقدان طبقة الجليد البحري خلال الصيف بالكامل في المنطقة القطبية الشمالية قبل نهاية هذا القرن. وإذا حدث هذا، فمن غير المرجح بقاء الدببة القطبية في الطبيعة.
اسأل مزارعاً...
على رغم أن المحاصيل الزراعية قد تزداد في بعض المناطق نتيجة لتغير المناخ، فمن المرجح أن تسود الآثار السلبية مع زيادة الاحترار. وأفريقيا معرضة بشكل خاص، حيث تحذر الدراسات من احتمال ازدياد الجوع بدرجة هائلة. وتعتمد المجتمعات الفقيرة اعتماداً مباشراً على المناخ المستقر والمؤاتي لكسب عيشها. وغالباً ما تعول على زراعة الكفاف التي تغذيها الأمطار، وتعتمد بدرجة كبيرة على الظواهر المناخية، مثل الرياح الموسمية الآسيوية. كما أنها الأكثر ضعفاً أمام الأحوال المناخية الحادة مثل الجفاف والعواصف الاستوائية.
ومع ذوبان أنهار الجليد في السلاسل الجبلية الكبرى في العالم، ستتأثر امدادات المياه الى الأنهار. وفي أوروبا، شهدت ثماني مناطق جليدية من بين تسع مناطق تراجعاً كبيراً. وخلال الفترة 1850 ـ 1980 فقدت الأنهار الجليدية في جبال الألب الأوروبية نحو ثلث مساحتها ونصف كتلتها.
في الصين، تتقلص الأنهار الجليدية في المرتفعات كل سنة بمقدار يعادل كل المياه الموجودة في النهر الأصفر. وأفادت الأكاديمية الصينية للعلوم أن 7 في المئة من الأنهار الجليدية في البلاد تختفي كل سنة، وبحلول سنة 2050، سيؤول مصير نحو 64 في المئة منها الى الاختفاء الكامل. ووفقاً للتقديرات، يعتمد نحو 300 مليون نسمة في الغرب الصيني القاحل على المياه الواردة من أنهار الجليد لبقائهم.
اسأل أحد سكان الجزر...
خلال المئة عام الماضية، ارتفع منسوب البحار بمعدل يتراوح بين 1 و2 مليمتر في السنة. ومنذ 1992 زاد هذا المعدل بنحو 3 مليمترات في السنة نتيجة التمدد الحراري في المحيطات التي ترتفع درجة حرارتها، ونتيجة تدفق المياه العذبة من الجليد الذائب الى المحيطات.
إن الجليد الذائب مسؤول عن نسبة كبيرة من الارتفاع الملحوظ في منسوب البحر، وتعد صفائح الجليد في غرينلاند وأنتارتيكا المساهم الأكبر في ذلك. فصفيحة الجليد في غرينلاند تذوب بسرعة أكبر من تكوّن الجليد الجديد. وفي شبه جزيرة أنتارتيكا، انهارت ثلاثة أجزاء كبرى من الجروف الجليدية خلال الأحد عشر عاماً الماضية، أعقبها تسارع تدفق الأنهار الجليدية التي كانت تحتجزها هذه الجروف.
ومع ارتفاع منسوب البحر، يواجه سكان الجزر الواطئة والمدن الساحلية حالات الغمر. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2005، أصبح مجتمع صغير كان يعيش في سلسلة جزر فانواتو في المحيط الهادئ أول مجتمع يتم نقله بشكل رسمي الى منطقة أخرى نتيجة لتغير المناخ.
يهدد تغير المناخ أيضاً الموائل البحرية وسبل معيشة الأفراد الذين يعتمدون عليها. فلقد امتصت المحيطات قرابة نصف ثاني أوكسيد الكربون المنتج خلال المئتي سنة الماضية، مما أدى الى إنتاج الحمض الكربوني وازدياد حموضة مياه البحر السطحية. وهذا قد يؤثر على عملية التكليس التي تقوم من خلالها المرجانيات والرخويات ببناء قواقعها من كربونات الكالسيوم.
اسأل شركة تأمين...
وفقاً لتقديرات مؤسسة ''ميونيخ ري'' لاعادة التأمين لعام 2005، بلغت الخسائر الاقتصادية نتيجة الكوارث المرتبطة بالأحوال الجوية، مثل العواصف الاستوائية وحرائق الغابات، ما يزيد على 200 بليون دولار، منها 70 بليوناً مؤمن عليها. فتجاوزت خسائر العام 2004، الذي كان قياسياً حتى ذلك الحين حيث بلغت نحو 145 بليون دولار، منها 45 بليوناً مؤمن عليها.
ومن المتوقع أن يؤدي الاحترار العالمي المستمر الى إحداث تحولات في المدى الجغرافي (خطوط العرض والارتفاع) وموسمية بعض الأمراض المعدية، بما في ذلك أشكال العدوى التي تنقلها حشرات، مثل الملاريا وحمى الضنك، والعدوى المنقولة عبر الغذاء مثل السالمونيلا التي تصل الى ذروتها في الشهور الدافئة.
قد يكون لتغير المناخ بعض الآثار الصحية المفيدة، كأن تحد فصول الشتاء الأخف وطأة من معدلات الوفيات في البلدان المعتدلة المناخ. إلا أن بعض هذه البلدان نفسها تشهد فصول صيف أكثر حرارة. ففي عام 2003، شهدت فرنسا 15,000 حالة وفاة إضافية نتيجة موجة الحر التي أودت بحياة نحو 35,000 شخص في أنحاء أوروبا. وبشكل عام، من المحتمل أن تتجاوز الآثار الصحية السلبية لتغير المناخ أية آثار إيجابية.
اسأل أحد السكان الأصليين...
المجتمعات القطبية الشمالية سريعة التأثر بالتغير البيئي، بما في ذلك السكان الأصليون الذين يناضلون للحفاظ على أساليب حياة تقليدية والتكيف مع المتغيرات. وتعتبر المنطقة القطبية الشمالية موطناً لقرابة 4 ملايين نسمة، منهم 10 في المئة فقط من السكان الأصليين. وتتباين تركيزاتهم، من شعب الإنويت (الاسكيمو) الذي يشكل نحو 85 في المئة من سكان منطقة نونافوت الكندية، الى شعب السامي الذي يشكل نحو 2,5 في المئة من سكان شمال اسكندينافيا وشبه جزيرة كولا.
ويتسبب ذوبان الجليد في الأرض الدائمة التجمد في ألاسكا وسيبيريا بضرر هائل في المباني وخطوط الأنابيب والطرق والبنى الأساسية الأخرى. إن تغير المناخ يعني مواسم جليدية أقصر للسفر على الطرق الشتوية، وطقساً أدفاً ، ومزيداً من حرائق الغابات في بعض المناطق.
الزراعة في المنطقة القطبية الشمالية محدودة جداً، وتنحصر أنشطة الكفاف الاقتصادية في صيد الحيوانات والأسماك ورعي قطعان الرنة. ويمثل الاحترار مشكلة لرعاة أيائل الرنة والصيادين الذين يرتحلون على الأنهار المتجمدة وعبر الجليد. كما تسبب تزايد ذوبان الجليد وتجمده في تقليل فرص حصول الأيائل على الغذاء، مما يؤثر على اقتصادات الرعاة والصيادين وثقافتهم التقليدية.
وتؤدي التغيرات في الجليد البحري والتآكل الساحلي المرتبط بها الى إحداث أضرار، مما يستلزم إعادة توطين بعض المجتمعات الساحلية (مثلما في شيشمارف في ألاسكا) ويؤثر على الصيادين من السكان الأصليين.
اسأل نفسك...
هناك الكثير من الخيارات المتاحة لتفادي تغير المناخ الكارثي. من ضمن ما تشتمل إجراء تحسينات في كفاءة الطاقة حول العالم، والتحول الى الموارد المنخفضة الكربون والمتجددة مثل طاقة الشمس والرياح والطاقة الحيوية والطاقة الأرضية الحرارية. وهناك امكانية لاحتباس ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، في حين يعتبر عدد من المحللين أن الطاقة النووية يمكن أن تلعب دوراً بارزاً.
عام 1995، وصلت قدرة طاقة الرياح العالمية المركبة الى 4,800 ميغاواط من الكهرباء، وبنهاية عام 2005، زاد الرقم 12 ضعفاً ليبلغ أكثر من 59,000 ميغاواط. ووفقاً لتقديرات المجلس العالمي لطاقة الرياح، يمكن بحلول سنة 2050 توليد ثلث كهرباء العالم من الرياح.
إن مستقبلاً بمعدلات أقل من غاز الدفيئة يستلزم أيضاً إحداث تغيرات اجتماعية. فملايين المنازل تستخدم لاقطات شمسية لتسخين المياه، فيما يزداد عدد الذين يسخّرون الطاقة الشمسية للحصول على الكهرباء. وفي أيسلندا، يتم توجيه الطاقة المائية وحرارة جوف الأرض الوافرة لانتاج الهيدروجين من الماء، كي يكون مصدراً هائلاً للطاقة يحل محل أنواع الوقود الأحفوري. وفي البرازيل، حل الإيثانول المصنوع من قصب السكر محل نحو 40 في المئة من احتياجات البلاد من البترول.
من فيتنام الى اوستراليا، من كينيا الى المكسيك، من المغرب الى عُمان، يحتشد البشر معاً لغرس الأشجار ضمن حملة البليون شجرة التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة للبيئة. هذه الأشجار أيضاً يمكن أن تساهم في إبطاء وتيرة تغير المناخ عن طريق امتصاص ثاني أوكسيد الكربون والحد من التلوث وحماية مجمعات المياه والحد من انجراف التربة والإبقاء على برودة المدن.
''الساعة 11'': فيلم دي كابريو عن تغير المناخ
نجم هوليوود الناشط بيئياً ليوناردو دي كابريو لديه رسالة الى العالم: تحوّلوا أصدقاء للبيئة الآن، قبل فوات الأوان. ففي فيلمه الوثائقي ''الساعة الحادية عشرة'' (The 11th Hour) الذي أطلق الشهر الماضي في مهرجان كان السينمائي، يقول دي كابريو ان الناس يعيشون الدقائق الأخيرة من الساعة النهائية قبل فوات الأوان لمواجهة الاحترار العالمي.
العام الماضي، تناول فيلم ''حقيقة مزعجة'' القضية ذاتها، ضمن حملة لنائب الرئيس الأميركي السابق آل غور لتثقيف الناس والسياسيين حول خطورة هذه المشكلة العالمية. وحقق فيلم غور نجاحاً كبيراً، إذ فاقت إيراداته في أنحاء العالم 50 مليون دولار، كما فاز بجائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي. ويقول ديفيد أور، رئيس لجنة الدراسات البيئية في جامعة اوبرلين الأميركية: ''ما يحرك الناس هو السينما أو الموسيقى أو الشعر. هذه خطوة ضرورية في صياغة القرار السياسي''.
فيلم ''الساعة الحادية عشرة''، ومدته 90 دقيقة، يلقي نظرة علمية ثاقبة على أسباب مشكلة تغير المناخ، التي ينكر وجودها بعض الزعماء السياسيين والعلماء، مثيراً الخوف والأمل في آن، ومحدداً أفعالاً يستطيع الناس القيام بها لكبح هذه المشكلة. وقد أنتجه دي كابريو وأخرجته الاختان ليلى كونرز بيترسون وناديا كونرز. وفيه يطرح دي كابريو اسئلة قد يطرحها الناس كل يوم، فيجيب عنها علماء مرموقون.
يستهدف الفيلم الولايات المتحدة وصناعاتها مباشرة. يقول دي كابريو: ''نحن القوة العظمى في العالم، ونحن أيضاً أكبر الملوثين. علينا، كأكبر ديموقراطية في العالم، أن نكون القدوة. فإن لم نفعل، بمن تقتدي بقية العالم؟''
المناطق القطبية: آخر قفار العالم وميزان حرارته
السنة القطبية الدولية 2007 ـ 2008 تسلط الضوء على المناطق القطبية والتهديدات التي تواجهها وأهميتها للمناخ العالمي والتنمية البشرية. فهي من آخر الأماكن البرية في العالم حيث البيئة ما زالت نظيفة نسبياً وثمة مساحات شاسعة لم يمسسها التدهور.
وتشهد البيئات القطبية أكبر مظاهر التطرف، فأشعة الشمس محدودة، ودرجات الحرارة تصل الى حدودها الدنيا، ومواسم النمو قصيرة، وفيها جليد بحري وغطاء جليدي وأنهار جليدية، والأرض دائمة التجمد. وهي غنية بالموارد الطبيعية الحية وغير الحية، ومنها مصائد الأسماك والبترول والغاز. وهذه المناطق حيوية للعمليات ذات الصلة بالتيارات والدورات البحرية والمناخ العالمي والتنوع البيولوجي.
بشكل عام، لا تزال حالة البيئة القطبية مرضية، فأثر النشاط البشري فيها كان أقل مما في أماكن أخرى. إلا أن نظمها البيئية تعاني تحت الضغوط الناشئة عن التنمية وزيادة استخدام الموارد الطبيعية والتلوث الطويل المدى وتغير المناخ. وتشير نماذج المناخ العالمي الى أن الاحترار سيزداد حدة في المناطق القطبية، مما سيتسبب بحدوث تغيرات في المدى الذي يصل اليه الجليد البحري، وازدياد ذوبان الأرض الدائمة التجمد وكتل الجليد القطبية، مع ما يترتب على ذلك من مضاعفات بيئية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية خطيرة في كل أنحاء العالم. وبالفعل، يحدث الاحترار في أجزاء من المناطق القطبية بمعدل ضعفي او ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.
وتعتبر المناطق القطبية ''حوضاً'' طبيعياً للمواد الكيميائية السامة المنتجة في أنحاء العالم. وتنتقل الملوثات العضوية الثابتة الى المنطقة القطبية الشمالية عن طريق الرياح وتيارات المحيط من مناطق بعيدة الى الجنوب، وتتراكم في الكائنات في قمة السلاسل الغذائية، مثل الثدييات البحرية والطيور البحرية، مما يشكل تهديداً للحيوانات نفسها والنظم البيئية التي تتخذها موئلاً وللبشر الذين يأكلونها.
المحيط المتجمد الشمالي
هناك بعض الفوارق الجغرافية والسياسية الهامة بين المنطقتين القطبيتين الشمالية والجنوبية. فالمنطقة الشمالية هي عبارة عن محيط متجمد جزئياً تحيط به مساحات طبيعية متنوعة متأثرة بالغطاء الثلجي الموسمي والأرض الدائمة التجمد، بما في ذلك الجليد والأراضي القاحلة وسهول التندرة والأراضي الرطبة والغابات.
وتتكون ''القلنسوة الجليدية'' في المنطقة القطبية الشمالية من أنهار جليدية أو مجالد (glaciers) وصفائح جليد وجبال جليد، بالاضافة الى جليد بحري قديم وحديث يغطي 7,5 ـ 15 مليون كيلومتر مربع من المحيط وتبلغ سماكته في المتوسط نحو ثلاثة أمتار. وأثناء فصل الصيف، تتراوح المساحة التي لا يغطيها الجليد بين 10 ـ و15 في المئة من المحيط المتجمد الشمالي.
وتعد الصفيحة الجليدية في غرينلاند أكبر كتلة جليدية في المنطقة القطبية الشمالية، وتشكل 10 في المئة من إجمالي احتياطات المياه العذبة في العالم. ولن يؤدي ذوبان الجليد البحري الى زيادة منسوب البحر، لأنه عائم وآخذ أصلاً حجم ما يعادلة من الماء. ولكن إذا حدث وذاب كل الجليد في جزيرة غرينلاند فسوف يرتفع منسوب البحر في محيطات العالم بمعدل 7 أمتار.
هناك أعداد قليلة من الأنواع الحية المعروفة في المنطقة القطبية الشمالية، مقارنة بما يوجد في منطقة خطوط العرض الوسطى، لكن لها أهمية كبرى لثقافات السكان الأصليين واقتصاداتهم. والمنطقة بالغة الحساسية للازعاج والتلوث، ويعتمد الكثير من سكانها بشكل مباشر على صحة النظم البيئية.
القارة القطبية الجنوبية
المنطقة القطبية الجنوبية، أو أنتارتيكا، هي قارة يحيط بها محيط. إنها أكثر القارات برودة ورياحاً وارتفاعاً وجفافاً على وجه الأرض. وفيها صفيحة جليدية تغطي نحو 99 في المئة من مساحتها بمتوسط ارتفاع يبلغ نحو 2,500 متر فوق سطح البحر وبعمق نحو 2,000 متر، وبلغ أكبر عمق تم قياسه نحو 4,700 متر. ويشكل جليد أنتارتيكا نحو 91 في المئة من إجمالي الجليد في العالم، وإذا حدث وذاب كله فسوف يرتفع منسوب البحر أكثر من 60 متراً.
لا تعيش في أنتارتيكا فقاريات أرضية متوطنة، لكن أعداداً كبيرة من الطيور البحرية والفقم تذهب الى هناك لتتوالد. وتتواجد نسبة كبيرة من فقم العالم في المحيط حول أنتارتيكا. وفي فصل الصيف تمخر الحيتان عباب المياه هناك.
ويعيش نحو 45 نوعاً من الطيور المعششة في جنوب منطقة الالتقاء القطبية الجنوبية (Antarctic convergence). وتشكل طيور البطريق 85 في المئة من الكتلة البيولوجية للطيور البحرية في أنتارتيكا، ونصفها من نوع ''أديلي''. وتعد القشريات الصغيرة، أو الكريل، أساس شبكة الغذاء في المحيط الجنوبي التي تعول عليها الأسماك والثدييات البحرية والطيور.
ولا يقطن في أنتارتيكا سكان أصليون، ولكن تتزايد أعداد العلماء والباحثين والموظفين الذين يعملون في محطات الأبحاث، كما يزداد عدد السياح.