الصيف الأعلى حرارة في التاريخ، فصل الأعاصير الأسوأ في الولايات المتحدة، الربيع الأكثر جفافاً في أوروبا. بعض من العناوين التي غدت شائعة في الفترة الأخيرة. ولو كان في دولنا العربية مؤسسات بحث علمي فاعلة، لكنا قرأنا عناوين مثل: الشتاء الأبرد والصيف الأدفأ في السعودية، أو: ربيع لبنان يتحول شتاء. المواطن العربي العادي في أي مكان يلاحظ أن المناخ بدأ يتغير. لكن يبدو أن مؤسساتنا العلمية والرسمية غائبة.
أستاذ دكتور التقيت به الشهر الماضي، أسهب في شرح نظريته عما سماه ''مؤامرة تغير المناخ''. فهذه، بنظره، اخترعتها الدول المتقدمة ''لضرب الدول المصدرة للبترول، ومنع العالم النامي من التطور''. مسؤول كبير في وزارة بترول تصدى للدكتور، مؤكداً أن تغير المناخ أصبح حقيقة علمية واقعة. فاستبشر السامعون خيراً، حين ظنوا أن المسؤول النفطي سيكون أكثر رأفة بالبيئة من الأستاذ الجامعي في علوم البيئة. لكن الأمل تبخّر حين تابع المسؤول أن قصة تغيرالمناخ، على الرغم من أهميتها، لا تعني العرب، اذ ان مساهمة العالم العربي من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ لا تتجاوز 3 في المئة من المجموع العالمي.
هذا الكلام، الذي كان يروجه في السابق ''لوبي'' الصناعات الكبرى وقلة من الهيئات العلمية الممولة منه، أصبح من التاريخ. فالعلم أثبت أن تغير المناخ صار واقعاً راهناً لا مجرد توقعات. وتقارير اللجنة الدولية الحكومية حول تغير المناخ، التي صدرت هذه السنة، أكدت بما لا يقبل الشك أن السبب الرئيسي لتغيرات المناخ هو النشاط الانساني، خاصة زيادة انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون الناتجة عن استخدام الوقود الاحفوري، من نفط وغاز وفحم حجري. والتزامات بروتوكول كيوتو، التي تقاعست دول كثيرة، بزعامة الولايات المتحدة، عن احترامها، أصبحت الآن من الماضي. فحتى مع تخفيض الانبعاثات عشرة أضعاف عما حدده كيوتو، يؤكد العلماء أن معدل ارتفاع الحرارة لن يقل عن درجتين خلال خمسين سنة. أما عدم الالتزام بتدابير صارمة، فقد يؤدي إلى ارتفاع في الحرارة يصل إلى ثماني درجات. إنها ''ثماني درجات إلى الجحيم''، كما سماها علماء شاركوا في الدراسة الأخيرة للجنة الدولية.
وإذا كانت مساهمة العرب من الانبعاثات المسببة للمشكلة لا تتجاوز 3 في المئة، فإن أثرها على العالم العربي لن يقل عن مئة في المئة. فإن 18 ألف كيلومتر من المناطق الساحلية العربية المأهولة ستكون معرّضة للغرق جرّاء ارتفاع مستويات البحار، ناهيك عن مناطق الردم البحري والجزر الاصطناعية. ومع ارتفاع درجات الحرارة، ستزداد حدة الاختلاف بين الفصول، مع ما يستتبع هذا من تغييرات في المواسم الزراعية ونظم الحياة عامة. هذه الآثار آتية، حتى مع ارتفاع الحرارة درجتين فقط، وقد فات الوقت لوقفها الآن. أما ارتفاع الحرارة بمعدل 4 و6 و8 درجات، فسيؤدي إلى جفاف كامل وارتفاع في مستوى البحار يصل إلى عدة أمتار. وهنا الكارثة التي ما زال ممكناً تجنبها.
دول العالم تضع خططاً للمواجهة، على الأقل لسيناريو ارتفاع الحرارة المؤكد درجتين. هولندا، مثلاً، خصصت مساحات شاسعة يمنع البناء فيها وتستخدم الآن كمراعٍ، لتحويل مياه البحر اليها وحصرها فيها حين تأتي ساعة الحقيقة، وبهذا يتم تجنيب مناطق مأهولة خطر الغرق. دول كثيرة تطوّر بدائل زراعية تتناسب مع انتشار الجفاف، بما يمكّنها من الاستمرار في انتاج الغذاء. فماذا يفعل العرب؟ من المعيب أنه من بين مئات آلاف الأبحاث العلمية في العالم خلال السنوات العشر الماضية حول تغير المناخ، لم يتم إحصاء سوى خمسة من العالم العربي.
إن مواجهة تحديات المستقبل لن تكون بنظريات الأستاذ الدكتور الذي ما زال يعتبر أن الحديث عن تغير المناخ مؤامرة على الثروة النفطية. أما المسؤول الذي يعتبر أن ليس على العرب المساهمة في المساعي الدولية لمعالجة مشكلة تغير المناخ، لأن مساهمتهم في مسبباتها ضئيلة، فنعتقد أنه لن يبقى لديه وقت لتحديد المسؤوليات حين تلتهم المياه قصره الفخم على شاطئ الخليج. ولن يهتم ''الأستاذ الدكتور''، بالطبع، بتحديد المسؤوليات حين يصاب هو أو أحد أفراد عائلته بمرض عضال ناتج عن آثار تغير المناخ. ولن يفيدنا دفن رؤوسنا في الرمال. على العرب أن يصبحوا جزءاً من العالم المتنور، قبل أن يبتلعهم البحر.
|