لم يبقَ الا 500 فقمة متوسطية تهددها أخطار شتى، من تلوث البحر واختلال الموائل الى الوقوع في شباك الصيد
في اليونان القديمة، اعتبرت الفقم الناسكة تحت حماية أبولو رب الشمس وبوسيدون رب البحر. ونقش رأسها على احدى العملات الأولى التي ضربت قرابة عام 500 قبل الميلاد. وتم تخليدها في مؤلفات هوميروس وبلوتارخ وأرسطو. وكان الصيادون والبحارة يستبشرون خيراً اذا لمحوها تمرح وسط الأمواج أو على الشواطئ.
أما اليوم فقد أصبحت الفقمة الناسكة المتوسطية من أندر الحيوانات في العالم، وإحدى ستة حيوانات هي الأكثر تعرّضاً لخطر الانقراض. وعلى رغم ادراجها في "الملحق 1" من الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار بالحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض "سايتس" وفي القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، فضلاً عن تصنيفها في قانون الاتحاد الأوروبي على أنها بحاجة الى حماية مشددة، تبقى الحيوان الثديي البحري الأكثر تعرضاً للخطر في أوروبا. ومن أعداد كبيرة تاريخياً كانت بالآلاف، يقدرعددها حالياً بين 400 و500، تنتشر بين بلدان متوسطية وغرب أفريقية، ويعيش نحو 200 الى 250 منها في مياه اليونان. وهي تطوف في المياه القريبة من الشواطئ بحثاً عن الأسماك والاخطبوط.
وتشمل المجموعة الوراثية للفقمة الناسكة، أو فقمة الراهب كما يدعوها البعض، ثلاثة أنواع هي " الفقمة المتوسطية (Monachus monachus) وفقمة جزر هاواي (Monachus schauinslandi) التي يقدر أنها معرضة للخطر، وفقمة البحر الكاريبي (Monachus tropicalis) التي انقرضت عام 1952.
تأثيرات النشاطات البشرية
تعيش الفقم الناسكة ما بين 20 و30 سنة. ويبلغ طول الذكر البالغ 2,4 متر في المتوسط، ووزنه نحو 315 كيلوغراماً. والانثى أصغر قليلاً، اذ تزن قرابة 300 كيلوغرام. ولون الحيوان البالغ بني أو رمادي عموماً على الظهر وأفتح على البطن حيث بقعة بيضاء. ويميل لون الذكور الكبيرة السن الى الأسود.
وهي حيوانات خجولة وشديدة التأثر بأي إزعاج يسببه الانسان. وبانتهاء القرن العشرين انخفض كثيراً عدد الفقم المتوسطية بسبب ازدياد التأثيرات البشرية، مثل الصيد الجائر وتدمير الموائل والتلوث البحري واستنزاف مخزونات الأسماك و"التنافس" على القوت مع الصيادين المحليين.
وكانت الفقم الناسكة في الأساس تستوطن الشواطئ والجزر الرملية، لكن الاستغلال المفرط للبحر والشواطئ بات يجبرها على الاختباء في كهوف بحرية. وتعمل التعديات والضغوط البشرية على تقليص الموائل المتبقية وتجزئتها وشرذمة مجموعات الفقم المتناقصة. ويؤدي وصول الانسان الى موائلها الطبيعية، وفضول السياح، وافتقار بعض مرشدي الغوص للمبادئ الاخلاقية، الى إقلاق راحتها وإعاقة تكاثرها. ومن الأخطار التي تهدد حياتها الأمراض والطحالب السامة. ففي صيف 1997، نفق ثلثا اكبر تجمع متبق من الفقم الناسكة المتوسطية في غضون شهرين على شاطئ كوت دي فوك في الصحراء الغربية.
الموائل الجديدة التي لجأت اليها الفقم غير ملائمة، اذ تضطر الإناث لتربية جرائها في كهوف بحرية غير مشوشة نسبياً، لكنها معرضة لأمواج عاتية وظروف مناخية سيئة. وهذا الوضع يهدد حياة الصغار التي قد تنجرف بعيداً أو تتعرض لاصابات أو تغرق أثناء العواصف.
وتلوث البيئة البحرية يعرض الفقم للخطر ويخفض المخزونات السمكية. فالملوثات تدخل البحر بغزارة، من خلال المخلفات التي ترمى من السفن والنشاطات القائمة على اليابسة والحوادث البحرية، وبشكل خاص مياه الصرف المنزلية والزراعية التي تصب في البحر. وكثيراً ما تقع الفقم خطأ في شباك الصيد، كما يعمد صيادون محليون الى قتلها عمداً باعتبارها منافسة لهم على موارد تزداد ندرة.
|