Sunday 22 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
عودة الجيوسي الوقف البيئي والتنمية المستدامة  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2007 / عدد 112-113
 كثيراً ما ينظر إلى محدودية مصادر التمويل كأحد العوائق الأساسية أمام تحقيق الأهداف التنموية في الوطن العربي. وهذه النظرة بحاجة إلى مراجعة ناقدة. إن الدعم الخارجي للعالم الثالث خلال العقود الخمسة الماضية لم يحقق المؤمل منه، بل على النقيض، عمل على الحد من قدرة الدول النامية على إدارة مواردها وزاد من اعتمادها على الدعم الخارجي. وهذا حصل في منطقتنا العربية، على رغم الثراء المتوافر. والفرصة مؤاتية مع النمو الاقتصادي في قطاع النفط لتطوير مصادر تمويلية محلية عربية مستدامة، مثل الوقف البيئي.
عرف المجتمع العربي الاسلامي نظام الوقف منذ أربعة عشر قرناً، حيث كان يُمثل قاعدة اقتصادية ومعنوية لبناء مؤسسات المجتمع المدني ودعمها في المجالات العلمية والتعليمية والصحية والخدمية. ومما لا شك فيه أن نظام الوقف لا يزال يحمل بداخله عوامل بقائه وامكانات تطوره إذا هيئت له البيئة الممكنة كي يرى النور. والتحدي يكمن في قدرة العقل العربي على بناء مؤسسات المجتمع المدني المعاصر باستلهام الحضارة العربية بحيث يحقق مفهوم التنمية المستدامة.
لقد بقي مفهوم الوقف منحصراً في معناه الفقهي الذي لخصه ابن قدامه الحنبلي قبل نحو ثمانية قرون بأنه "تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة"، وفي هذا إشارة الى وضعه الشرعي كونه " صدقة جارية " المراد منها استدامة الثواب والقرب من الله تعالى، عن طريق دوام انفاق ريع تلك الصدقة في وجه أو أكثر من وجوه البر والخيرات.
ورث المجتمع العربي الحديث كثيراً من المؤسسات المدنية التي ساهم نظام الوقف في انشائها والمحافظة عليها، مثل المدارس والمكتبات العامة ودور الرعاية الصحية والاجتماعية وأسبلة مياه الشرب وغير ذلك من المنافع العمومية التي عملت في صميم البناء الاجتماعي ودعمت شبكة العلاقات الاجتماعية. لكن انتشار مفهوم المجتمع المدني بمضمونه المستمد من المرجعية المعرفية الغربية يؤدي إلى الغفلة عن مكونات قيمية ومؤسسية أصيلة، مثل التراحم والاحسان والزكاة والصدقات والأوقاف بمعناها الشامل، ولهذه كلها اسهامات هامة في بناء نظام اجتماعي بيئي مستدام.
ومما يُكسب الوقف أهمية في هذا المجال الاهتمام الملحوظ بالمجتمع المدني في العقدين الأخيرين، ومحدودية الموارد المالية المحلية وعدم استدامتها لتفعيل دوره، والسعي الحثيث لتوفير مصادر تمويلية خارجية ترهق كاهل الدول والشعوب وتحدث خللاً بنيوياً في رأس المال البشري والاجتماعي والفكري، بحيث تكرس مبدأ التبعية وتحد من المبادرات التنموية المعتمدة على المعرفة المحلية التي تحقق الاستدامة.
لكي يتسنى لأي مجتمع أن ينعم بنوعية حياة مستدامة، ، لا بد من تكوين بنية اقتصادية ومالية محلية تضمن الاستقرار والأمن البيئي. من هنا يأتي دور الوقف البيئي كمصدر مستلهم من التراث والحضارة العربية كإسهام مؤسسي مالي وقانوني لتمويل العمل البيئي. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يساهم الوقف البيئي في توفير دعم للزراعة العضوية والصناعات النظيفة والطاقة النظيفة ومشاريع المياه للحد من الفقر، ودعم البحث العلمي، وإنشاء مكتبة بيئية عربية وتشجيع الاعلام البيئي وحركة الترجمة إلى العربية، وتطوير تشريعات وسياسات بيئية على المستوى الإقليمي.
ولعل أهم النقاط التي ينبغي تأكيدها عند إعادة إحياء مؤسسة الوقف البيئي ضمن منظومة المجتمع المدني هي الآتية:
ـ الوقف هو إحدى مؤسسات وصيغ المجتمع المدني التي ترفد مفهوم التنمية المستدامة.
ـ الوقف صيغة محلية المنشأ ومن نتاج الثقافة العربية الاسلامية.
ـ الوقف أهلي المنشأ والإدارة والوظيفة والعائد، ويدعم أهداف الدولة على صعيد التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ووسيلة هامة من وسائل الاستقلالية الاقتصادية وتحقيق مبدأ التنمية المرتبطة بالانسان والموارد المحلية.
ـ الوقف ليس عقاراً فقط، بل مال وأدوات إنتاج أيضاً، ويمثل آلية تمويلية لرفد أهداف الألفية للتنمية.
خلاصة القول ان الوقف البيئي في مضمونه وحقيقته الاقتصادية هو عملية تنموية، اذ يتضمن بناء الثروة الانتاجية المحلية من خلال عملية استثمار، تنظر بعين الاعتبار للأجيال القادمة وتقوم على التضحية بفرص استهلاكية آنية مقابل زيادة الثروة الانتاجية.
الدكتور عودة الجيوسي هو المدير الإقليمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في غرب ووسط آسيا وشمال أفريقيا
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.