المكان: منطقة البصة على بعد عدة كيلومترات من عمّان. الزمان: منذ بزوغ الفجر حتى غياب الشمس. صهاريج تحمل لوحات خصوصية، وبعضها بدون لوحات. ضجيج عارم يختلط فيه خرير المياه بهدير المحركات وصراخ السائقين.
في منطقة وادي السير ومرج الحمام عدة ينابيع غير صالحة للشرب، بدليل وجود لافتات تؤكد ذلك. لكن الواقع يختلف، فهناك عدد من الصهاريج الخضراء التي تحمل عبارة ''ماء صالح للشرب'' يتحدى سائقوها القانون ويملأونها بمياه تلك الينابيع.
بحسب القانون، وزارة الصحة هي الجهة المعنية بمراقبة المياه الواصلة الى المواطنين عبر الصهاريج أو المحلات المخصصة لبيع المياه ''المفلترة''، اذ تنتهي مسؤولية وزارة المياه عند وصول المياه الى عدادات المواطنين عبر الشبكة الرئيسية. ويتعين على وزارة الصحة مراقبة كيفية معالجة مياه الشرب ونقلها وتوزيعها وتخزينها وتعبئتها، لضمان توافر الشروط الصحية في هذه العمليات، بما في ذلك منع استعمال اي مادة يمكن ان تضر بصحة المستهلك. وقد فوض وزير الصحة الحكام الاداريين، او من تراه وزارة الداخلية مناسباً، صلاحيات لحجز الصهاريج مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد عن اسبوعين، في حال ضبطها تعبئ من أحد المواقع التالية: نبع الطرابيل، نبع وادي السير، نبع البحاث، سيل وادي السير، عراق الامير، سيل حسبان، سيل ناعور، والآبار الزراعية في شرق عمان والشونة الجنوبية.
وقد أفاد رئيس قسم مراقبة المياه في دائرة صحة البيئة بوزارة الصحة المهندس محمد العبادي انه تم منذ بداية 2007 وحتى أوائل تموز (يوليو) متابعة 1155 صهريجاً في مختلف محافظات الأردن، وتبين أن هناك 242 صهريجاً مخالفاً للاشتراطات الصحية، ومعظمها يكرر المخالفة. ودعا المواطنين الى التحقق من مصدر المياه عند شرائها، وابلاغ المراكز الامنية أو مديريات الصحة في مناطقهم في حال راودهم أي شك بنوعيتها.
وقال العبادي ان الابار المرخصة لغايات الشرب تخضع لاشتراطات صحية، حيث يجب ان تكون مكلورة وتخضع لمراقبة وزارة الصحة. كما يخضع صهريج نقل مياه الشرب لعدة اشتراطات صحية، أهمها أنه يمنع تعبئته الا بالمياه المعالجة والصالحة للشرب، ومن مصادر مرخصة من وزارة الصحة، اضافة الى كتابة عبارة ''مياه صالحة للشرب'' بشكل واضح على الصهريج المطلي باللون الأخضر.
أحد السائقين، الذي تتبعته وكالة الانباء الاردنية (بترا) من أول وادي السير انحداراً حتى وصل الى نبع الطرابيل وبدأ يملأ الصهريج، ادعى أنه كان يملأ المياه لبيعها الى مزارع الدجاج في المنطقة، مستنكراً السؤال ورافعاً صوته: ''الناس لا تشرب مياه الحنفيات، فكيف تشرب مياه الصهاريج؟'' وزعم أنه يبيع حمولة الصهريج (6 أمتار مكعبة) بثمانية دنانير (الدينار يعادل 4،1 دولار) في حين حددت شركة مياه الاردن ''مياهنا'' سعر بيع المتر المكعب بـ5,1 دينار.
وعند نبع الدير في وادي السير قال سائق صهريج لا يحمل لوحة تسجيل ان وضعه المالي سيئ جداً، ولديه أبناء في المدارس وابنته في السنة الاولى في الجامعة، وانه لا يجد أي عمل اخر، مستغرباً منع شرب تلك المياه: ''انها نظيفة، انظري الى نقاوتها!''
ولدى سؤال سائق صهريج أخضر يحمل عبارة ''ماء صالح للشرب'' لماذا يملأ من هذا النبع غير الصالح للشرب، قال: ''يا أختي، دعي الناس تستفيد وترتزق. اذا عبأنا من نبع البشارات فلن نكسب قوت أولادنا''، بمعنى أنه لن يملأ صهريجه الا مرتين على الاكثر في اليوم الواحد، في حين أنه يملأه من نبعي الدير والطرابيل أكثر من ثلاث مرات يومياً ويبيعه بسعر معتدل للناس.
وقال سائق صهريج أخضر آخر انه يعبئ المياه من هناك لغايات البناء. ووقف سائق صهريج أزرق مبتسماً لكونه غير مخالف، باعتبار الصهاريج الزرق مخصصة للمياه غير الصالحة للشرب. لكن عدداً من السائقين الآخرين اتهموه بأنه ''يبيع المياه بسعر زهيد على أنها صالحة للشرب، مستغلاً لون صهريجه الازرق ليملأ من أي سيل يريد''.
مدير صحة البيئة في وزارة الصحة المهندس صلاح الحياري دعا المواطنين الى التأكد من عدة امور قبل شراء المياه من الصهاريج، أهمها أن الصهريج الأخضر مخصص لمياه الشرب، اضافة الى ضرورة حيازته إشعاراً يبين مصدر المياه ويثبت انها صالحة للشرب، متضمناً معلومات تشمل اسم السائق ورقم الصهريج وتاريخ التعبئة وساعتها واسم البئر أو المصدر، مذيلاً بتوقيع صاحب البئر أو المشرف عليه.
وأكد المهندس سعد أبو حمور، مدير ادارة الانتاج والنوعية في شركة مياه الأردن، صلاحية المياه الموزعة عبر الشبكة الرئيسية، مشدداً على أن كل قطرة تصل الى المواطنين هي مياه نقية وصالحة تماماً للشرب. وأشار الى تزايد الطلب في فصل الصيف، ما يدفع البعض الى شراء المياه من صهاريج لتعويض النقص الحاصل. وشدد على ضرورة توخي الحذر عند الشراء من الصهاريج، مشيراً الى أن ثمة سبعة مواقع للمياه الصالحة للشرب موزعة في انحاء العاصمة وتعبأ منها الصهاريج التابعة للشركة، وهي المواقع ذاتها التي تضخ منها المياه للمواطنين عبر الشبكة الرئيسية.