الطاقة عنصر رئيسي في تحريك قوى الانتاج والتنمية. يعتمد العالم اليوم، بصورة رئيسية، على مصادر غير متجددة للطاقة هي الفحم والبترول والغاز الطبيعي. هذه مصادر ناضبة، ومن ثم يبحث العالم عن مصادر بديلة، ويستعين على ذلك باجتهادات البحث والتطوير.
الطاقة من الكتلة الحية
كانت الكتلة الحية ـ الاخشاب ومخلفات الزراعة ـ هي أحطاب الوقود المتاحة للانسان منذ اكتشف النار في بواكير تاريخه، حتى كان عصر الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وبدأ عصر مصادر الوقود الحفرية غير المتجددة.
عاد الانسان الى امكانات الكتلة الحية. وكانت البرازيل من الدول السابقة الى زراعة محاصيل قصب السكر والذرة لانتاج الكحول، وطورت آلة الاحتراق الداخلي في السيارة لاستخدام وقود الكحول. ثم دخلت الولايات المتحدة الحلبة بتخصيص جزء من محصول الذرة لانتاج الكحول ليكون مصدراً للطاقة. هذا بديل يتاح للأقطار ذات المساحات الزراعية الواسعة، وليس الأمر كذلك في الاقليم العربي الذي يستورد جزءاً كبيراً من غذائه.
سبقت الصين والهند الى التوسع في انتاج الغاز الحيوي وقوداً من مخلفات الحقول والمنازل، وطورت وحدات صغيرة (للمنزل الواحد أو مجموعة منازل متقاربة) لانتاج الغاز. هذا مجال ينبغي أن تتوجه اليه جهود البحوث والتقنية في الوطن العربي، بقصد تطوير وحدات انتاج الغاز الحيوي وادخالها الى حلل السكن في القرى والى محطات معالجة الصرف الصحي في المدن.
ادخال وحدات انتاج الغاز الحيوي في الريف المصري، على سبيل المثال، يحل مشكلة مستعصية: الصرف الصحي في الريف مصدر رئيسي لتلوث شبكة الصرف (البزل) الزراعي وتلوث الأرض والمياه الأرضية. في مصر، تمثل مياه الصرف الزراعي مورداً هاماً لاستصلاح الأراضي واستزراعها في السنوات العشر المقبلة. مثال على ذلك، مشروع ترعة السلام يستهدف استزراع 600 ألف فدان (240 ألف هكتار) ويعتمد على اعادة استخدام قدر من مياه الصرف الزراعي. وحدات انتاج الغاز الحيوي تتيح مصدر وقود لمنازل القرية، وتقلل أحمال الملوثات التي تصب في شبكة الصرف.
مخلفات الصرف الصحي من المنازل واحدة من مخلفات الكتلة الحية في الريف. الثانية هي مخلفات الحقل، أي بقايا المحصول بعد الحصاد من القش والحطب، وبقايا إعداد الكثير من الفواكه والخضر للاستهلاك. هذه المخلفات يمكن ان تكون مصادر للطاقة، وأن تكون خامات لانتاج الأعلاف والأسمدة، أو لانتاج مواد ذات فوائد خاصة من مخلفات عصير البرتقال وغيره من الحمضيات والفواكه. هذا مجال للبحث العلمي والتطوير ذو جدوى اقتصادية وذو نفع في مجال التخفيف من مصادر تلوث البيئة. التقنيات معلومة، وليس المقصود ابتكار جديد، ولكن المقصود تطويع التقنيات بما يلائم البيئة في الموقع وبما يتوافق مع ضوابط الوضع الاجتماعي.
الطاقة من الشمس والرياح
نشرت "البيئة والتنمية" مقالات عديدة عن موضوعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهي من المصادر المتجددة التي لا تنضب. وجاء في حسابات سابقة ان قدر الطاقة الشمسية الساقطة على براح العالم العربي من المحيط الى الخليج أكبر من مخزونات النفط فيها، ولو استطاع العالم العربي في شمال افريقيا وشبه الجزيرة ان يجمع قدراً منها لكان بين يديه طاقة يصدرها الى أوروبا بأكثر ما يصدر من البترول.
تستخدم طاقة الشمس حالياً في وحدات تسخين المياه في المنازل، وفي وحدات تعتمد على الخلايا الضوئية لانتاج الكهرباء اللازمة لتشغيل أبراج تقوية شبكات الاتصالات والبث التلفزيوني. في الاقليم العربي تجارب رائدة لانشاء محطات قوى تعتمد على طاقة الرياح، ومنها على سبيل المثال محطة القوى في منطقة الزعفرانة على خليج السويس في مصر.
الاقليم العربي بأسره في حاجة الى المزيد من التوسع في استخدامات هذه الطاقات، وخاصة في ما يتصل بمشروعات التنمية في المناطق النائية ولا سيما الصحارى العربية. هذه المشروعات تحتاج الى مصادر طاقة ميسرة لضخ المياه من الطبقات الحاملة للمياه الجوفية، ولاقامة مشروعات تصنيع المنتجات الزراعية واعدادها للنقل الى الاسواق البعيدة، ولمقابلة احتياجات المجتمعات الجديدة للطاقة. ثمة تجارب محدودة في مواقع قليلة استخدمت فيها "المضخات الشمسية"، وتجارب كثيرة لاستخدام مراوح الهواء في ضخ المياه القريبة من سطح الأرض. كانت مطاحن الغلال القديمة في الريف المصري تعتمد على طاقة الرياح، وما تزال أطلال بعض هذه "السيمافورات" من معالم القرى. كذلك نتذكر مراوح الهواء في الريف الأوروبي، وخاصة الهولندي، وكانت رسوم لفنانين عظام وقصص دارت حولها أعمال أدبية مرموقة.
هذه مجالات تحتاج الى جهود اضافية في مجالات البحوث والتطوير والابتكار، بحثاً عن تقنيات ذات كفاءة فنية، وجدوى اقتصادية، وقبول اجتماعي. للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي دور هام في ايجاد تقنيات كفوءة لتطويع طاقات الشمس والرياح لخدمة التنمية، وفتح آفاق الصحارى العربية (اكثر من 70% من جملة مساحة الاقليم العربي) للتنمية والاعمار والسكن. الحديث هنا عن اقامة واحات جديدة عامرة بالحياة والانتاج معتمدة على طاقات الشمس والرياح التي لا تنضب.
الطاقة النووية
الطاقة النووية باب من أبواب المستقبل الذي لا مناص من ولوجه والاقبال عليه، تقدمت اليه دول كثيرة من دول التقدم الصناعي في الغرب والشرق، حتى أصبح الاعتماد على الطاقة النووية في توليد الكهرباء واحداً من ركائز التنمية في بلاد عديدة على رأسها فرنسا.
وقد تخوف الناس من هذا الباب عندما انفجرت محطة الطاقة النووية في تشيرنوبل بأوكرانيا في نيسان (ابريل) 1986، كان انفجاراً مدوياً، وسبقه انفجار أقل منه أصاب مفاعلاً أميركياً. تعثرت خطى التوسع، لكن العالم يقف اليوم ليستعيد خطى الاقبال على عصر الطاقة النووية.
طرقت دول عربية هذا الباب في مساع وطنية في العراق ومصر وغيرهما، ومساع اقليمية بأن نشأت في اطار جامعة الدول العربية في الستينات من القرن العشرين مؤسسة عربية للاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وخطت دول عربية ـ منها مصر ـ نحو اقامة محطات لتوليد الطاقة (سيدي كرير 1966، الضيعة 1982). لكن الخطى جميعاً تعثرت، وتأتي أخبار بأن اليمن تفكر في محطة على شاطئ البحر الأحمر. آن الأوان لتستأنف الدول العربية مساعيها للدخول الى العصر النووي بخطوات جادة تعوض الزمان الذي مضى.
مصادر جديدة للطاقة
كانت سنوات ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية سنوات أحلام العلماء والمهندسين بمشروعات كبرى. منها مقترح المهندس الفرنسي رينيه بيجار اقامة قنطرة على باب المندب يمر عليها معبر بين أفريقيا وآسيا، وتكون اداة لخفض مياه البحر الأحمر بالتبخر واقامة وحدات لتوليد الكهرباء بالافادة من الفرق بين مستوى مياه بحر العرب (المحيط الهندي) ومياه البحر الأحمر. وقد عاود دراسة المشروع العالم العربي الدكتور سيد حسن في منتصف القرن العشرين.
هذا مشروع يحتاج الى دراسات مستفيضة في مجالات التصميم وهندسة البناء، لتجاوز صعوبات وجود مضيق باب المندب على برزخ بين الطبق الجيوتكتوني الحامل لافريقيا والطبق الحامل لشبه الجزيرة العربية، وهو برزخ يتسع بمعدل عدة مليمترات كل عام، والبناء عليه يحتاج الى بحوث تقنية عالية. قد يبدو مثل هذا المشروع الضخم من "مشروعات الاحلام"، لكن علينا ألا ننفر من مشروعات الاحلام ان أردنا الدخول الى المستقبل. هذا مجال لتعاون دول حوض البحر الأحمر، لفائدتها جميعاً.
حوض البحر الأحمر وقاعه يحملان أسراراً عديدة. وقد سعت الهيئة السعودية السودانية التي نشأت في سبعينات القرن العشرين الى تقصي مصادر المعادن التي تزخر بها برك المياه الدافئة في قاع البحر. وما تزال امكانات قاع البحر في مجالات المعادن والطاقة في حاجة الى بحوث مستفيضة.