يقال عادة ان العمل الناجح له 1000 شخص يدعون أنهم سبب نجاحه. ويبدو أن هذه العبارة صحيحة بالنسبة الى بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة للأوزون، حيث أن جهود الرقابة والتخلص التدريجي من المواد المستنفدة للأوزون متخمة بقصص المئات من أصحاب الرؤية من أفراد ومؤسسات قاموا باتخاذ تدابير مبدعة وشجاعة للتصدي لخطر حقيقي وملحّ يتهدد الحياة على الأرض.
حتى العام 2006، قامت الأطراف الـ 191 التي صدقت على بروتوكول مونتريال بخفض استهلاكها مجتمعة من المواد المستنفدة للأوزون بنسبة 95 في المئة. وقد حققت البلدان النامية، على رغم التحديات العديدة التي تواجهها، خفضاً لأكثر من 72 في المئة مع تحقيق أهداف البروتوكول للتخلص التدريجي قبل المواعيد المقررة بكثير. وفي هذه العملية، قام البروتوكول والصندوق المتعدد الأطراف المبتكر التابع له بدعم إنشاء وتشكيل وحدات الأوزون الوطنية في 140 بلداً، وتصميم وتنفيذ ما يزيد على 5000 مشروع ونشاط تفوق قيمتها بليوني دولار.
على رغم هذه الإنجازات، يتعين أن يستمرالنظر الى بروتوكول مونتريال ومهمته المتمثلة في حماية طبقة الأوزون على أنه نجاح قيد الإنجاز وليس عملاً مكتملاً. وفي الواقع، يعتبر وصول ثقب الأوزون فوق قارة القطب الجنوبي (أنتارتيكا) الى مستويات قياسية عام 2006 بمثابة رسالة تذكير بأن تأثير انبعاثات المواد المستنفدة للأوزون سوف يظل لفترة طويلة، وأنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به قبل أن يطمئن العالم تماماً الى أن طبقة الأوزون أصبحت آمنة لهذا الجيل والأجيال القادمة.
وتقوم طبقة الأوزون الحامية للحياة، الموجودة على ارتفاع 10 ـ 16 كيلومتراً فوق سطح الأرض، بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية الخطرة الصادرة عن الشمس، وبذلك تحمي صحة وبيئة جميع قاطني الأرض. وتشير العلوم الحديثة الى أن طبقة الأوزون تكونت منذ نحو 400 مليون سنة، وظلت دون اضطراب عملياً طوال ذلك الوقت. ولذا تلقى المجتمع العالمي باهتمام عام 1974 الفرضية التي تقدم بها اثنان من الكيميائيين من جامعة كاليفورنيا في إرفين، وهما شيروود رولاند وماريو مولينا، ومفادها أن طبقة الأوزون قد تكون معرضة للخطر بسبب الانبعاثات المستمرة من مركبات الكلوروفلوروكربون (CFC) الصناعية المستخدمة على نطاق واسع. فعندما تصل هذه المواد الى الغلاف الجوي، يؤدي تعرضها للأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس الى تحللها، فتنطلق من عقالها ذرات الكلورين وتبدأ سلسلة من التفاعلات التي تدمر كميات كبيرة من الأوزون الستراتوسفيري. وقد تتضمن نتائج استنفاد الأوزون زيادة معدل الإصابة بسرطان الجلد، والطفرات الوراثية، وتدمير المحاصيل، وربما تغييرات هائلة في المناخ العالمي. ولذا رأيا أن من الضروري اتخاذ إجراءات لخفض مستويات الكلوروفلوروكربون.
الخائف لا ينام!
أثار افتراض رولاند مولينا اهتماماً واسعاً لدى أجهزة الإعلام والأوساط العلمية. وطوال عامي 1975 و1976 أجري المزيد من البحوث التي أيدت ما توصلا إليه. وعقد عام 1977 اجتماع للخبراء نظمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة أسفر عن وضع خطة عمل عالمية بشأن طبقة الأوزون وزيادة البحوث التعاونية بشأن نظرية استنفاد الأوزون.
ومن حسن الحظ أنه، على رغم أن النظرية لم تكن قد أثبتت بعد، اقتنع الكثير من البلدان بالحاجة الملحة الى لتخاذ تدابير وقائية، واتخذ العديد منها في أواخر السبعينات إجراءات لحظر مركبات الكلوروفلوروكربون في استخدامات الأيروصول غير الأساسية. وتواصلت الدعوة الى اتخاذ إجراءات عالمية منسقة للتعامل مع المشكلة. وفي العام 1985، أسفرت هذه الجهود عن ظهور اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، التي تزامنت مع تأكد الدليل الأول على أن استنفاد الأوزون في طبقة الستراتوفير الجوية يحدث فعلاً فوق القطب الجنوبي. وكانت تلك أول مرة يطلق فيها اسم "ثقب الأوزون" على الترقق الشديد في طبقة الأوزون، وهي عبارة غير دقيقة، لكنها اجتذبت خيال الجمهور وساعدت الجهود الدولية الرامية الى تعبئة الدعم للعمل في هذا المجال.
وفي ضوء هذا الدليل الواقعي الأول على استنفاد الأوزون، أعرب العديد ممن أقلقتهم تأثيراته المدمرة المحتملة عن عدم رضاهم لتركيز اتفاقية فيينا على البحوث بدلاً من العمل على فرض انخفاضات في استخدام المواد الكيميائية المستنفدة للأوزون. لكن ذلك كان متعذراً حينئذ، نظراً الى مدى انتشار هذه المواد في المجتمع الحديث. فقد كان الناس "يعتمدون" عليها في حياتهم اليومية: في مكيفات الهواء والثلاجات التي توفر البرودة لمنازلهم وأغذيتهم، وعلب الأيروصول التي تحتوي مزيلات العرق وسبراي تصفيف الشعر، والرغاوي المريحة في حاشيات فرشهم ووساداتهم وتحت سجادهم، والرغاوي العازلة في سخانات المياه والثلاجات، ورغاوي الأمان في لوحات أجهزة القياس وعجلات القيادة في السيارات. وكان بروميد الميثيل مستخدماً في زراعة البندورة (الطماطم) وغيرها وتدخين الكثير من المنتجات الغذائية التي يستخدمونها يومياً. وكانت الهالونات تستخدم على نطاق واسع لتوفير الحماية من الحرائق في مكاتبهم وأعمالهم، فضلاً عن مراكز الكومبيوتر ومحطات الطاقة التي تيسر حياتهم اليومية. وربما استخدمت المذيبات المستنفدة للأوزون في التنظيف الجاف لملابسهم، وصنع الأجزاء المعدنية الموجودة في الأجهزة الإلكترونية، وتلميع الأخشاب على المكاتب. والواقع ان استخدام المواد المستنفدة للأوزون التأم بصورة وثيقة في نسيج الحياة اليومية. وعلاوة على ذلك، فإن انتاجها وبيعها واستخدامها شمل ملايين العمال وبلايين الدولارات من رؤوس الأموال المستثمرة.
بدأت اتفاقية فيينا موجة أخرى من النشاط الدولي في عشرات الاجتماعات وحلقات العمل التي أدت الى الاتفاق عام 1987 على بروتوكول مونتريال، بعدما طلب مجلس ادارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة من المدير التنفيذي للبرنامج تشكيل فريق عمل بغرض اعتماد بروتوكول للتحكم في مركبات الكلوروفلوروكربون.
وخلال العامين التاليين قام "يونيب" وبالتنسيق مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وغيرها من الشركاء، بعقد عدد كبير من المفاوضات والاجتماعات، توصلت البلدان خلالها الى تفاهم أفضل بشأن طائفة كاملة من المواد الكيميائية المثيرة للقلق (التي تتضمن الآن الهالونات ورابع كلوريد الكربون وكلوروفورم الميثيل)، والخيارات المتاحة للتحكم، والنتائج المحتملة لاتخاذ أو عدم اتخاذ اجراءات مختلفة.
وقد شهدت هذه الفترة أيضاً تحولاً هاماً وجذرياً في موقف الصناعة. ففي البداية كانت الصناعات التي تنتج وتستخدم مركبات الكلوروفلوروكربون وتستخدمها تصر على ضرورة عدم النظر في أية ضوابط قبل أن تثبت الصلة بين استنفاد الأوزون وهذه المواد الكيميائية البشرية الصنع. ولكن في العام 1986 أعلنت مجموعة صناعية كبرى هي "التحالف من أجل سياسة مسؤولة بشأن مركبات الكلوروفلوروكربون"، بالتضامن مع شركة "دوبون" التي تنتج نحو ربع إنتاج العالم من هذه المركبات، موافقتهما على وضع حدود عالمية لاستخدامها.
في أيلول (سبتمبر) 1987، وقع 24 بلداً في مونتريال على بروتوكول بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون. وكانت الوثيقة قصيرة لا تتعدى ثماني صفحات، إلا أن تأثيرها كان كبيراً على المجتمع العالمي.
يتمثل جوهر البروتوكول في الضوابط المفروضة على المواد المستنفدة للأوزون. ولم يتمكن اجتماع المفاوضين في مونتريال في أيلول (سبتمبر) 1987 من الاتفاق في البداية إلا على الرقابة على ثماني مواد كيميائية، بالمقارنة مع 100 تقريباً تفرض عليها الرقابة الآن. وعلاوة على ذلك، نص الاتفاق على خفض 50 في المئة فقط من مركبات الكلوروفلوروكربون، وتجميد فقط للهالونات (مقابل التخلص التدريجي الكامل من الهالونات التي ووفق عليه بعد ذلك بخمس سنوات).
ودارت مناقشات حامية عما اذا كان ينبغي تطبيق تدابير الرقابة على البلدان النامية. وتمشياً مع الطابع العالمي للمسألة، استقر الرأي على شمولها مع إعطائها "فترة سماح" تمتثل بعدها للشروط التي يتعين أن تستوفيها البلدان المتقدمة. وبذلك وضعوا موضع التنفيذ ما قد يكون أول استخدام لمفهوم "المسؤوليات المشتركة المتمايزة". لكنهم أقروا بأن البلدان النامية في حاجة الى مساعدة لتمكينها من الامتثال لتدابير الرقابة المتفق عليها. لذلك أنشئ الصندوق المتعدد الأطراف لتنفيذ بروتوكول مونتريال.
فن التفاوض
عمل الكثير من ممثلي الحكومات والمنظمات غير الحكومية والدوائر العلمية معاً لتطوير البروتوكول، إلا أن فن التفاوض والإقناع كان له أيضاً دور رئيسي. وعلى وجه التحديد، لا يمكن التقليل من أهمية الدور الذي اضطلع به المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة آنذاك الدكتور مصطفي كمال طلبه. فقد تمكن، بما يمتلكه من معرفة متخصصة بكل من علم الأوزون والأوساط المعنية من اقامة شبكة من العلاقات اجتمعت معاً في مشاورات غير رسمية ضمن مجموعة من المندوبين الرئيسيين الذين وصفهم بأنهم "اصدقاء المدير التنفيذي". وتمكن أعضاء هذه المجموعة، الذين كانوا يتحدثون بصفتهم الشخصية، من بحث الحقائق العلمية التي كانت تحت تصرفهم واختبار حدود مرونتها. وكان ذلك عنصراً رئيسياً لتمكين الأطراف من التوصل، عن طريق التفاوض، الى توافق في الآراء.
فقد اعتبرت البلدان النامية أن التكاليف المتكبدة ينبغي أن تتحملها البلدان المتقدمة التي هي مسؤولة عن المشكلة، وان يكون التمويل بمعزل عن المساعدات التقليدية لا بديلاً منها. وبعد سنة من المناقشات اعتمد تعديل لندن للبروتوكول عام 1990 الذي تضمن اتفاقاً بشأن الصندوق المتعدد الأطراف. وتقرر أن تدعم الصندوق أمانة، مقرها لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهي مسؤولة أمام لجنة تنفيذية من سبعة بلدان متقدمة وسبعة بلدان نامية. ويشير التوازن بين البلدان المتقدمة والنامية في اللجنة التنفيذية الى التحول الكبير عن الطابع التاريخي من الانقياد للمانحين، الذي كانت تتسم به أجهزة التمويل العاملة في ذلك الوقت، ويظهر روح المساواة التي أصبحت ترسم أعمال بروتوكول مونتريال. واتفق على أن تعد الأنشطة وتنفذ بواسطة الوكالات الدولية العاملة، بما في ذلك البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفي وقت لاحق منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية. وأخيراً أتيح للبلدان المانحة مجال للقيام بمشاريع ثنائية.
وبعد التمويل الأولي للصندوق، الذي بلغ نحو 240 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الأولى، حصلت خمس عمليات تجديد للموارد غطت كل منها فترة ثلاث سنوات. وقد بلغ متوسط التمويل المتاح نحو 120 مليون دولار سنوياً خلال السبعة عشر عاماً الأخيرة، وساهم في تنفيذ ألوف المشاريع المتنوعة.
ويمثل نقل التكنولوجيا حجر زاوية في نجاح الصندوق. وكان يتعين عليه، للتمكين من الامتثال، تزويد البلدان النامية بتكنولوجيات جديدة غير مستنفدة للأوزون. وقد أدى ذلك بمرور الوقت الى إحداث ثورة تكنولوجية في العديد من قطاعات الاقتصاد في البلدان النامية. فعلى سبيل المثال، عشرات البلدان النامية التي كانت تنتج ثلاجات تعتمد على مركبات الكلوروفلوروكربون، قدمت لها التكنولوجيا والمعدات لإنتاج أنواع جديدة "نظيفة" من أجهزة التبريد. وقدم لأكثر من 50 بلداً نامياً كانت تنتج الرغاوي المعتمدة على هذه المركبات، معدات جديدة التدريب لتحقيق الإنتاج بمستوى سيصبح سريعاً وفق المعايير العالمية الجديدة. وفي كثير من الحالات، تمكنت هذه البلدان من المنافسة في الأسواق العالمية. وساعدت المعدات الجديدة في الوصول الى منتجات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، مما يحقق منافع بيئية إضافية.
وساعد الصندوق على إنشاء وحدات وطنية للأوزون في 140 بلداً نامياً، كانت رصيداً لضمان التنفيذ الفعال لمشاريع التمويل ولوضع وإنفاذ القوانين والتشريعات الوطنية لضمان الرقابة الملائمة على المواد المستنفدة للأوزون.
يمكن مشاهدة النتائج الإيجابية التي تحققت حتى الآن على جبهات متعددة. فمن ناحية التعاون، حقق بروتوكول مونتريال درجة من المشاركة العالمية أكبر من أي معاهدة أخرى للأمم المتحدة. ومن ناحية الأداء، تخلصت البلدان المتقدمة تدريجياً من إنتاج واستهلاك أكثر من 99 في المئة من جميع المواد الكيميائية الخاضعة للرقابة. وكان لدى البلدان النامية، بمساعدة الصندوق المتعدد الأطراف في نهاية العام 2005، مشاريع موافق عليها للتخلص من 231 ألف طن من الاستهلاك و156 الف طن من الإنتاج، وحققت خفضاً بنسبة 72 في المئة عن مستواها السابق في استهلاك المواد المستنفدة للأوزون. كما وافقت هذه البلدان على مشاريع مستقبلية لخفض نحو 90 في المئة من المواد المتبقية التي ينبغي التعامل معها بحلول سنة 2010. وكثير من البلدان، المتقدمة والنامية، حققت أهداف التخلص التدريجي قبل الموعد المحدد لها.
ومن حيث النتائج العلمية، أثبتت المشاهدات العالمية أن مستويات المواد المستنفدة للأوزون الرئيسية في الغلاف الجوي آخذة في الانخفاض، ويعتقد أن طبقة الأوزون سوف تعود الى مستوياتها التي كانت قبل عام 1980 خلال الفترة 2050 ـ 2075 في حال التنفيذ الكامل لجميع أحكام البروتوكول.
غير أن الأمر المؤكد هو المنافع البيئية والصحية. وفي حين أن هيئات التقييم لم تضع تقديرات عالمية محددة لأعداد المصابين بالسرطان وإعتام العدسة وغير ذلك من المشاكل الصحية التي أمكن تجنبها، فإن أحدث تقديرات وكالة حماية البيئة الأميركية تشير الى أنه، في سنة 2165، ستكون تدابير حماية طبقة الأوزون قد أنقذت أرواح نحو 6،3 ملايين نسمة في الولايات المتحدة وحدها كان يمكن أن تذهب ضحايا لسرطان الجلد، وسوف تحقق ما يقدر بنحو 4،2 تريليون دولار من المنافع الصحية والاجتماعية في الولايات المتحدة خلال الفترة 1990 ـ 2165.
ونظراً الى أن المواد المستنفدة للأوزون هي ذاتها غازات مسببة للاحترار العالمي، فان الانخفاض العالمي من ذروة مستوياتها عام 1990 حقق بحلول عام 2000 انخفاضاً متكاملاً صافياً في قدره نحو 25 بليون طن من معادلات ثاني أوكسيد الكربون. وهذا رقم ضخم، يجعل بروتوكول مونتريال واحداً من المساهمين العالميين الرئيسيين في مكافحة الاحترار العالمي.
عام 1995، أتى الاعتراف بأهمية مسألة الأوزون في جائزة نوبل للكيمياء التي منحت لشيروود رولاند وماريو مولينا وبول كروتزن لأعمالهم الرائدة بشأن استنفاد طبقة الأوزون. وفي 2003 جاءت الإشادة بالبروتوكول من الجانب السياسي في بيان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان حيث قال: "لعل أنجح اتفاق بيئي دولي حتى الآن هو بروتوكول مونتريال". ووصفه تقرير الأمم المتحدة لعام 2006 عن الأهداف الإنمائية للألفية (تحت الهدف 7) بأنه قصة نجاح عالمية لدوره في تحفيز العمل الدولي للمساعدة في خفض كمية المواد الكيميائية التي تدمر طبقة الأوزون.
التحديات المقبلة
سيكون من الضروري القيام بقدر كبير من العمل الإضافي لضمان أن تظل طبقة الأوزون سليمة. والأمر الأكثر أهمية هو أن تحافظ الأطراف على زخمها لاستكمال المهمة. والواقع أن البلدان النامية سوف تكون، من بداية 2007 حتى نهاية 2009، قد قضت على العشرين في المئة الأخيرة من إنتاجها واستهلاكها لمركبات الكلوروفلوروكربون والهالونات، ونسبة الـ 15 في المئة الأخيرة من استهلاكها من رابع كلوريد الكربون. وقد أثبتت التجربة أن الكمية الأخيرة هي التي يكون التخلص منها الأصعب، خصوصاً عندما ندرك أن الجزء الأكبر من الاستهلاك المتبقي من الـ CFC هو لدى الملايين من أصحاب الثلاجات وأجهزة تكييف الهواء المتنقلة.
وثمة تحد آخر، فقد أظهرت التجربة أنه مع اقتراب التخلص النهائي قد تزداد الحوافز على الاتجار غير القانوني، خصوصاً في المجالات التي ما زال من المسموح فيها استمرار الانتاج للاستخدامات غير الخاضعة للرقابة. ولذلك يتعين على المجتمع العالمي أن يضاعف جهوده للتصدي لهذه المسألة.
وقد يتبين أن التخلص من مركبات الهيدروكلوروفلوروكربون (HCFC) التي تسهم أيضاً في الاحترار العالمي يشكل تحدياً هائلاً في كل البلدان المتقدمة والبلدان النامية. وقد تتطلب عملية التخلص من هذه المواد الكيميائية الشائعة، التي تستخدم كبديل موقت لمركبات الكلوروفلوروكربون، إنجازات تقنية أكبر من التي استدعتها عملية التخلص التدريجي. وفي حين تحقق تقدم كبير في التخلص من استخدام بروميد الميثيل في التدخين الزراعي، من الواضح أن التخلص النهائي لن يكون سهلاً. والى ذلك، سوف يكون إيجاد بدائل للاستخدامات المتبقية من الهالونات في الأطر الهوائية الجديدة والمعدات العسكرية أمراً أكثر إلحاحاً مع بداية الانخفاض المحتم لكميات المخزون من الهالونات خلال السنوات المقبلة.
تبقى مسائل رئيسية أخرى تتعلق بكيفية التعامل، بطريقة حساسة بيئياً، مع الكميات الضخمة من المواد المستنفدة للأوزون المستخدمة حالياً في الأجهزة أو الموجودة في المخازن. فهذه المخزونات الضخمة سوف تطلق في نهاية المطاف انبعاثات خلال العقود المقبلة ما لم يتم التصرف حيالها. وفي ما يتعلق بالرقابة، يتعين على الأطراف البحث عن المواد الكيميائية الجديدة القادرة على استنفاد طبقة الأوزون، والمسائل الجديدة التي يمكن أن تهدد ما حققته المجتمعات العالمية من مكاسب بشق النفس.
ولكن على رغم التحديات الكثيرة، يؤمل مواصلة الجهود الدؤوبة لحماية طبقة الأوزون بروح التفاني والتعاون والابتكار التي اتسمت بها الجهود الأولى.