"كل شركة، كل مجتمع، كل منظمة، كل منزل، وكل مواطن، يجب أن يشارك في برامج لتخفيض استهلاك النفط والغاز والفحم وكبح الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري". كلام رئيس وزراء الصين وين جياباو قد يكون جديراً بالثناء، لكن العالم المتقدم لم يأخذ هذه المسألة بحماسة حتى الآن. فهل يصح ذلك على العالم النامي؟ وما العوائق التي تحول دون اتخاذ اجراء قوي؟ وماذا يمكن أن تفعله المؤسسات للتشجيع على ذلك؟ مجلة "آليانس" Alliance الصادرة في لندن، في عدد أيلول (سبتمبر) 2007، سألت أربعة أشخاص معنيين بالمسائل البيئية في بلدان نامية عن الوضع في بلدانهم وما هو المطلوب في رأيهم من أجل التغيير. "البيئة والتنمية" تنشر هذا المقال بالاتفاق مع "أليانس".
ماذا يحدث الآن؟
"لا شيء عملياً في المنطقة العربية"، بحسب نجيب صعب ناشر ورئيس تحرير مجلة "البيئة والتنمية" ومن المؤشرات على ذلك أن مجلته هي الالمطبوعة الوحيدة المقروءة والواسعة الانتشار في المنطقة التي تتعاطى القضايا البيئية. وأضاف: "يواجه مصدّرو النفط نظرية مؤامرة حول قضية تغير المناخ، فقد حُملوا على الاعتقاد أنها ابتُدعت لعرقلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في بلدانهم، من خلال فرض قيود تجارية على مصدر دخلهم الرئيسي وهو النفط". أما الدول العربية الفقيرة في المشرق وشمال أفريقيا "فما زالت تعتبر مسألة تغير المناخ ترفاً لا تستطيع تحمله". ولاحظ صعب أن تدابير الاقتصاد في استهلاك الطاقة شبه معدومة في المنطقة ككل.
ويقول فاسنت سابرفال من "مؤسسة فورد" في الهند ان القليل جداً يحدث على المستوى الحكومي في الهند أيضاً، "فهناك كثير من المقالات الصحافية حول تراجع الكتل الجليدية وتزايد حدة سقوط الأمطار وموجات الجفاف وتكرارها، ولكن لا اشارة الى اهتمام الحكومة بموضوع تغير المناخ أو تداعياته".
أما في نيجيريا، فيرى نيمو باسي من "منظمة العمل لتحصيل الحقوق البيئية" أن المشكلة الرئيسية هي المقاومة التي تبديها الشركات الكبرى، خصوصاً شركات النفط العاملة في دلتا النيجر. فالأهالي يحاولون اقناعها باطفاء مشاعل حرق الغاز في منشآتها، "ويقدر أن نحو 70 مليون متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط تحرق يومياً في منطقة دلتا النيجر، مطلقة في الغلاف الجوي تشكيلة من ثاني أوكسيد الكربون وأول أوكسيد الكربون وأوكسيدات كبريت الميثان وغازات دفيئة أخرى". وقد حددت سنة 2008 موعداً لالغاء المشاعل، لكن شركة "شل" للنفط اعتبرت أن ذلك ليس عملياً.
ويشير باسي الى أن "المجتمعات المحلية وهيئات المجتمع المدني، مثل منظمة العمل لتحصيل الحقوق البيئية، تعمل لانشاء لجان أهلية لادارة الأزمات المناخية بغية الاعداد استراتيجياً لاعتماد تدابير انقاذية وتخفيفية". والى ذلك، تقوم الحكومة النيجيرية والمجتمعات المحلية ببرامج لغرس الأشجار بهدف وقف الزحف الصحراوي وامتصاص الكربون في آن.
رئيس الوزراء الصيني وين جياباو اعترف بأهمية هذه القضية. ويقول وين بو، منسق "الصندوق العالمي للهبات الخضراء" في الصين، ان بلاده أعلنت عن برنامج وطني لتغير المناخ في حزيران (يونيو) 2007، أوجز خطوات للوفاء بهدف سابق يقضي بتحسين كفاءة الطاقة عموماً سنة 2010 بنسبة 20 في المئة عن مستواها عام 2005. وقد حث رئيس الوزراء الحكومات المحلية على كبح النمو المفرط في الصناعات الملوثة والمسرفة في استهلاك الطاقة، من خلال تدابير مثل مراقبة الامدادات الائتمانية، في حين صدرت أوامر باقفال مصانع غير كفوءة في قطاعات الطاقة الحرارية والفولاذ والألومنيوم والحديد والاسمنت.
لكن فعالية تنفيذ هذه التوجيهات والقرارات كانت مسألة أخرى، فهناك غالباً ما دعاه فاسنت سابرفال "الانفصال الكلاسيكي بين السياسة والممارسة". وهو يضرب مثلاً على ذلك في الهند، الذي يقول إن لديها قيد التشغيل أكبر عدد من مشاريع آلية التنمية النظيفة (CDM)، مع التزامات في بعض مواقعها بغرس عدد كبير من الأشجار، لكن ما تحقق من ذلك كان قليلاً. وهو يعتقد أن هذا الانفصال "يمثل جزءاً جوهرياً من إشكالية مثل هذه الحلول المطروحة للاحتباس الحراري: فكيف يُفرض الامتثال بعد دفع ثمن الخدمات البيئية؟"
البلدان النامية على الطرف المتلقي...
اتفق ضيوفنا الأربعة الى حد بعيد على أن البلدان النامية ستكون الأكثر معاناة من عواقب الاحتباس الحراري. وأضاف وين بو "انها أيضاً غير مستعدة للأزمة الايكولوجية المقبلة".
في نيجيريا، الحزام الساحلي منخفض التضاريس وتميل أجزاء منه الى الانخساف. ويقول باسي "إن الخبراء يقدرون أن ارتفاعاً تراكمياً في مستوى البحر متراً واحداً سيجعل الأراضي الواقعة ضمن مسافة 100 كيلومتر من الخط الساحلي غارقة تحت الماء".
ويحذر نجيب صعب من أن المنطقة العربية أيضاً "ستواجه مشاكل هائلة نتيجة تعرّض أكثر من 18,000 كيلومتر مربع من المناطق الساحلية المأهولة للغرق، اضافة الى جميع الأراضي البحرية المردومة والجزر الاصطناعية التي تقام في منطقة الخليج".
وفي نيجيريا مشكلتان خطيرتان أخريان بحسب باسي. فشمال البلاد يتهدده زحف الصحراء الكبرى. وتلاشي مصادر الرزق بسبب تدهور المحاصيل والضغوط على الأراضي في اقتصاد ضعيف ينذر بكارثة مأسوية.
... وتساهم في حل عالمي؟
كثيرة هي المشاكل التي تواجهها البلدان النامية، فكيف يمكنها أن تساعد في ايجاد حلول عالمية؟
يرى نجيب صعب أن "الحكومات في المنطقة العربية، إذا قدمت حوافز لسكانها من أجل اقامة أنظمة شمسية لتسخين المياه وتوليد الكهرباء ودعمت طاقة الرياح، فإن ذلك سيتيح فرصة هائلة لارساء ثقافة استخدام الطاقة المستدامة والمتجددة". ويشير الى النموذج الألماني الذي بموجبه تدعم الحكومة قروضاً ميسرة للأفراد كي يستثمروا في اللاقطات الشمسية وأبراج طاقة الرياح، مع ضمان شراء فائض الطاقة المولدة واسترداد النفقات خلال أقل من عشر سنين.
ويبدي باسي نظرة شمولية: "أمام البلدان النامية فرصة فريدة كي تبين للعالم أن ثمة مساراً آخر للتنمية. وهذا ممكن من خلال ابتداع تحول جذري عن مسار الوقود الأحفوري الذي جرّنا جميعاً الى شفا الكارثة". وهو يؤيد تفسيراً خلاقاً للتدابير المتخذة حالياً لمكافحة التغير المناخي، ويقدم كمثال مبادرة الاكوادور التي طلبت حكومتها اعتمادات كربونية في مقابل عدم استخراج النفط الخام من متنزه يانوسي الفطري، معتبراً أن ذلك "قد يكون حلاً عملياً يحفظ التنوع البيولوجي والموارد ويخفض امدادات الوقود الأحفوري، المتهم الأكبر في هذه المعادلة".
وضع المصلحة الخاصة جانباً
في ضوء ما تقدم حول الوضع الراهن للأمور، ما هي امكانية قيام حكومات البلدان النامية باعتماد تدابير لمكافحة التغير المناخي يتقبلها الناس؟ ألن تجادل الدول النامية، مثلاً، بأن العالم المتقدم يؤيد منع ممارسات كانت جوهرية لتحقيق التنمية الاقتصادية والصناعية في بلدانه، التي دخلت الآن مرحلة التنمية ما بعد الصناعية، فلماذا لا يسمح للبلدان النامية بأن تسلك سبلاً مماثلة للوصول الى الرخاء الاقتصادي؟
بالنسبة الى نيمو باسي، هذا سؤال مشروع، "فنشوء نمو قوي في البلدان النامية يثير بصورة مباشرة مسألتي الانصاف والعدالة. وفي رأيي أن ذلك ليس مجرد مسألة احتباس حراري، وانما هو من أساسيات البقاء في كلا شطري العالم. والمجادلات حول نفقات تخفيف الآثار وسواها واقعية، لكنها تناقض المسعى الحقيقي لتتبع مسارات مختارة للعمل".
وبصرف النظر عن مسألة العدالة في هذا المضمار، هناك وجهة نظر أكثر الحاحاً. فبحسب باسي "يجب على الدول أن تتجاوز المصلحة الذاتية الضيقة، وتدرك أننا نملك عالماً واحداً فقط".
يرى وين بو أن "البلدان النامية قد تقبل تعديل نماذجها التنموية شرط أن تتوفر لها المساعدة التقنية والمالية". ويشير الى أن العائق الحقيقي هو الارادة السياسية، "فالحق في التنمية هو عذر لاذكاء الشعور القومي وتفادي حاجتك لأن تكون خلاقاً في ايجاد مسار تنموي بديل".
هل الأكثر فقراً سيخسرون؟
على مستوى أعمق، يخشى فاسنت سابرفال أن تنتج الحلول المقترحة وضعاً يجعل مصالح النخبة في الهند تهيمن على مصالح الأكثر فقراً: "في الماضي، كانت حماية البيئة تعني غالباً تحويل الأراضي العشبية الى أراض غابية لا يسمح بالرعي فيها. والمشكلة هي أن من لا يمتلكون الأرض في الهند يعيشون من رعي قطعان صغيرة من الماشية على أراض عامة". ويضيف: "الأراضي العامة تصنف في أنحاء البلاد على أنها أراض بور لا تنفع، وتسلم الى وكالات خاصة لانتاج الوقود الحيوي. ويعتبر هذا الوضع لمصلحة الجميع لأن هذه الأراضي "غير منتجة". ان زراعة الجاتروفا لن تزيد الغطاء الأخضر فحسب، وانما تحسن مداخيل السكان من خلال الاعتمادات الكربونية وإنتاج الوقود. المشكلة الوحيدة هي أن الفقراء يستخدمون هذه الأراضي حالياً، لذا لا يمكن اعتبارها أراضي بوراً وغير منتجة".
بالنسبة الى نيمو باسي، النمو في أنحاء من العالم النامي وازدياد الطلب على الطاقة في البلدان المتقدمة لدعم نمط عيش شعوبها ينذر بسباق على الموارد: "العالم الآن في أزمة خطيرة سوف تتعمق ما لم يحدث تحول جذري في أنماط انتاجنا وعلاقاتنا".
تذليل العقبات
يرى نجيب صعب أن "البلدان النامية سوف تنضم بجدية الى جهود مكافحة الاحتباس الحراري عندما يصبح هناك اجماع عالمي حول هذه القضية بين البلدان المتقدمة. وهذا يجب أن يترافق مع آلية تنفيذية عملية". ويستشهد باستنزاف طبقة الأوزون كمثال: "تنفيذ بروتوكول مونتريال للتخلص من المواد المستنزفة لطبقة الأوزون لم يكن ممكناً لولا أربعة عوامل: اجماع علمي يتوافر الآن أيضاً بشأن تغير المناخ، واجماع سياسي حول أهداف واضحة، وتطوير مواد بديلة تؤدي وظيفة المواد التي يتم التخلص منها على مراحل وجعلها متاحة في السوق، وصندوق متعدد الأطراف ساعد البلدان النامية على تغطية نفقات التخلص من المواد المستنزفة لطبقة الأوزون والتحول الى بدائل مأمونة. يجب استنباط آلية مماثلة من أجل الاحتباس الحراري".
وفي ايماءة تفاؤلية، يشعر صعب أن هذا الاجماع آتٍ، مع تغير في سلوك الحكومة الأميركية والشعب الأميركي: "الادارة الأميركية المقبلة لا تقوى على تجاهل الأثر الذي أحدثته حملة آل غور الدعائية بشأن الاحتباس الحراري، مما أدى الى تغيير عميق في النظرة الأميركية الى هذه القضية، سواء على صعيد الجمهور أو الصناعات أو صنّاع القرار. وسوف تنضم الصين والهند أيضاً الى اجماع عالمي، على رغم جميع تحفظاتهما، بعد التفاوض على شروط تجارية مناسبة".
مقاربة وين بو للمسألة صريحة: "ينبغي تمكين الناس حول العالم. سوف يعرفون ما هو الأفضل لهم ولبيئاتهم، وفي معظم الحالات هم يعرفون أفضل من حكوماتهم".
اطلاع المؤسسات على "فرص العمل"
ماذا تستطيع المؤسسات أن تفعل في هذا المجال؟ وجهة نظر وين بو هي أن المؤسسات والجهات المانحة يجب أن تدعم تنمية المجتمع المدني في بلدان مثل الصين: "بناء مجتمع مدني عالمي غني وناضج يساعد على تثقيف الحكومات ودفعها الى التصرف بمزيد من العقلانية والمسؤولية". ويجب أن تدعم أيضاً "مختلف أنواع المشاريع والجهود الفردية في تصديها لتغير المناخ".
وفي ضوء مستويات اهتمام البنك الدولي وغيره من المؤسسات المتعددة الأطراف بوضع آليات للتنمية النظيفة وحلول أخرى للاحتباس الحراري، يرى فاسنت سابرفال أن "المؤسسات الخاصة الأصغر يمكن أن تؤدي دوراً رئيسياً في مراقبة تأثيرات هذه التدخلات من خلال دراسات توكل الى جهات مستقلة". وفي ما يتعلق بمؤسسة فورد التي يعمل فيها، يعترف بأن مكتب دلهي لا يفعل الكثير حول تغير المناخ، لكنه يرى فرصاً سانحة: "هناك امكانية كبيرة جداً لتحقيق أرباح على مستوى المجتمع من مقايضة الاعتمادات الكربونية أو من أشكال أخرى لدفع ثمن الخدمات البيئية. قد يكون ذلك سيفاً ذا حدين اذ يجتذب اهتمام النخبة الاستغلالية، لكنه أيضاً قد يولد فرصاً لبناء ائتلافات واجماع بين الفئات الاجتماعية. وأعتقد أن مؤسسة فورد يجب أن تدعم بعض المشاريع التجريبية للبدء في ادراك أبعاد كل عملية".
في نيجيريا، يقول نيمو باسي ان المؤسسات ناشطة حالياً في العمل مع هيئات المجتمع المدني لزيادة مستوى الوعي والحديث عن تغير المناخ. واضافة الى ذلك، يرى أن "المؤسسات يجب أن تدعم الأفعال التي تبني المعرفة حول التحديات، والتي تروج نظم الانتاج البديلة، والتي تشجع القواعد الشعبية على بناء آليات تكيف وتخفيف". ويضيف: "كثير من الجهات المانحة تشعر بأن مشاكل تغير المناخ كبيرة جداً وأعظم من قدرتها على التصدي، وهدفنا أن نبين لها الفرص الممكنة للعمل".