في منتصف عقد السبعينات دخلت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" مرحلة جديدة في تاريخها الحافل. فقد استكملت مراحل السيطرة على قرارات الإنتاج والأسعار وأصبحت بذلك مسؤولة أمام المستهلكين عن تحقيق استقرار السوق وضمان الإمدادات، وهي من صلب الأهداف النبيلة للمنظمة.
عقدت أوبك أول مؤتمر قمة لها في مطلع 1975، صدر عنه أهم إعلان عن سياسات المنظمة منذ إنشائها. وتضمن البيان استعداد الدول الأعضاء لمد يد العون الى الدول النامية بصرف النظر عن الإقليم أو العقيدة. وتجسيداً لهذا التعهد تم إنشاء صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) الذي أمضى ما يزيد عن 34 عاماً في خدمة قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية في شتى بقاع الأرض.
ينفذ "أوفيد" برامجه من خلال عدة أدوات، أهمها مشاريع القطاع العام والخاص. ولديه العديد من المعايير التي يراعيها في برامجه للإقراض الميسر، من أهمها دراسة جدوى المشروع والملاءة المالية للدول المقترضة والاستقرار السياسي. لكن القاسم المشترك بين كل هذه المعايير هو ملاءمتها لشروط البيئة. ومن يتابع ما يموله "أوفيد" من مشاريع زراعية وصحية وبنية أساسية وغير ذلك يرى هذه الحقيقة ماثلة للعيان.
نحن في "أوفيد" ننظر الى البيئة على أنها إحدى الأركان الثلاثة للتنمية المستدامة. فهي من حيث الأهمية تتساوى مع الركنين الآخرين، وهما النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، ونرى أن هذه الأركان ينبغي أن تتكامل من حيث النتيجة ولا يؤثر أحدها سلباً على الآخر. إن مفهوم البيئة في "أوفيد" واسع وشامل، وهو لا يعدو أن يكون صدى لما ورد في البيان الصادر عن قمة أوبك الثانية عام 2000، التي نصت على أن أهم عامل يهدد البيئة هو الفقر بأشكاله كافة.
والقضاء على الفقر، الذي يتصدر أهداف الألفية، يشمل جميع أوجه الفقر، من صحة وتعليم ونظام حياة يومي وطاقة وغير ذلك. إن مفهومنا في "أوفيد" للبيئة النقية يرتكز على أساس أخلاقي، فليس من السائغ أن نطالب المعدمين بالمحافظة على البيئة من دون أن نقرن ذلك ببرنامج عمل يساعدهم على ذلك. ولذا يبادر "أوفيد" في كل مناسبة لمساندة برنامج الغذاء العالمي للتخفيف من أبشع أشكال الحرمان وهو الجوع. ولهذا قمنا بتمويل الدراسة التي نشرناها عن الوقود الحيوي وآثاره السلبية على إمدادات الغذاء وأسعاره. هذه الدراسة تصدت لما يعرف بالجيل الأول من الوقود الحيوي الذي يعتمد على الغذاء البشري، واستندت الى منهج علمي لا مجال للتشكيك فيه.
ولهذا أفردت أوبك في بيان قمتها الثالثة عام 2007 فصلاً مستقلاً موضوعه الطاقة والتنمية المستدامة، تعهدت فيه بالعمل مع الأطراف المعنية لاجتثاث فقر الطاقة، وعهدت إلى "أوفيد" بمتابعة هذا الشأن مع بقية المنظمات التنموية وشركات الطاقة في العالم. وشرعنا في وضع الأساليب الكفيلة بمعالجة هذا المطلب. ثم أتت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدلله بن عبدالعزيز في مؤتمر جدة في حزيران (يونيو) 2008، التي تمثلت بندائه الشهير لتوفير الطاقة للفقراء (Energy for the Poor). وكنا في "أوفيد" أحد المخاطبين مع البنك الدولي والصندوق السعودي للتنمية لتنفيذ هذا المبدأ، وهو أحد البنود التي تناقش حالياً في مجلس المحافظين والمجلس الوزاري لصندوق أوبك "أوفيد"، وقد أصبح هذا المبدأ مطلباً دولياً بعد أن باركته مجموعة الثمانية وقمة العشرين.
ان هذا المبدأ ينطلق من أساس أخلاقي، إذ كيف نطالب 1,6 بليون نسمة في العالم بالمحافظة على البيئة وهم لا يعرفون ما هي الطاقة الكهربائية؟ كيف نطالب 2 بليوني نسمة في العالم بالمحافظة على البيئة وهم يعتمدون على الوقود الحيوي بدرجة تكاد تكون مطلقة.
نحن في "أوفيد" نسعى لتكثيف مساعدتنا في قطاع الطاقة للخروج بهؤلاء المحرومين من أساليب الطاقة البدائية إلى أشكال تخدم البيئة وتحترم الإنسان قبل كل شيء. هذه الأشكال تشمل الوقود الأحفوري والطاقات المتجددة.
نحن نقترب من كوبنهاغن. ولكي نطمح في بصيص أمل بأن ينقلنا هذا التجمع الدولي الى مرحلة أفضل، فلا بد من التوازن في التضحيات، ولا بد من العدالة في المعاملات، ولا بد من النظر الى مشكلة الفقر بأشكاله كافة على أنه الخطر الأكبر على البيئة، تماماً كما نص بيان ملوك ورؤساء دول أوبك قبل عشرة أعوام.
سليمان الحربش المدير العام، صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد)