لم يتصور موظفو بنك البحر المتوسط أنهم سيلعبون دوراً رئيسياً في جعل مؤسستهم نموذجاً ريادياً للعمل البيئي. ولم يتوقع إداريو البنك أن تتحول فكرة بسيطة لدعم بعض المشاريع البيئية إلى ميزة دائمة لمصرفهم.
كانت الانطلاقة عام 2009، عندما اقترح رئيس مجلس ادارة البنك محمد الحريري دعم بعض المشاريع البيئية في لبنان. كانت تلك بادرة حسنة يمكن أن تستمر بضعة أشهر أو سنة على الأكثر، كجزء من مسؤولية البنك الاجتماعية. لكن ما ان بدأ البنك حملات إعلانية تدعو الى بيئة أنظف وأسلم في لبنان، حتى انهمرت عليه المشاريع.
يوضح محيي الدين فتح الـله، رئيس قسم تطوير الأعمال، ان أعضاء لجنة اختيار المشاريع الخضراء إداريون في البنك، كانت لديهم معرفة محدودة بالقضايا البيئية المأسوية في البلاد. فجأة وجدوا أنفسهم يعملون، إضافة إلى وظائفهم العادية اليومية، على مشاريع بيئية. وسرعان ما أصبحوا مهتمين جدياً بالبيئة المهملة في بلادهم، بل تبنوا القضية وشرعوا في دعم جهود الضغط على المسؤولين. أدركوا أن الفرصة متاحة لهم لإحداث تغيير ما في البلاد.
وتقول ديالا شقير، رئيسة قسم التسويق في البنك، في بروشور خاص بالبرنامج البيئي: «معظم الناس يعرفون أهمية البيئة النظيفة، لكنهم لا يدركون أن إحداث تغيير إلى الأفضل يحتاج فقط الى بعض الخطوات أو المبادرات».
تحت مظلة حملة «الكوكب السعيد»، أطلق بنك البحر المتوسط مشاريع بيئية مختلفة، مع تركيز كبير على حملات التوعية. وأضيفت الى شعاره الأزرق والأبيض أوراق خضراء هي أحد رموز «الكوكب السعيد».
التفكير الأخضر
انطلقت حملة صحافية واسعة دعت الجمهور للانضمام إلى القضية الخضراء «من أجل أطفال الغد». ونشرت لافتات على الطرق تعرّف بمشاكل بيئية في البلاد وتدعو الى حلها. وشاركت شخصيات شهيرة بالظهور في إعلانات تشدد على الحاجة الى حماية الطبيعة. وتحت عنوان «لنجعل أيدينا خضراء»، نفذ البنك مشاريعه الكثيرة: شواطئ نظيفة، غابات خضراء، سيارات خضراء، طاقة شمسية، مصارف خضراء، وغيرها. والهدف دفع الجميع الى «التفكير الأخضر».
وبالتعاون مع منظمات غير حكومية، مثل «حملة الأزرق الكبير»، قام البنك برعاية جهود تنظيف الشواطئ والأنهار اللبنانية، كما طلب من موظفيه المشاركة في هذه الأعمال. وفي محاولة لإشراك الجمهور، أعلن أن جميع حاملي بطاقاته الائتمانية يساعدون بشكل غير مباشر في أعمال التنظيف من خلال استعمال بطاقاتهم. وقد بدأ المشروع عام 2011، على أن يدوم أكثر من سنة، وتم حتى الآن تنظيف ثلاثة أنهار. يقول فتح الـله: «كان تنظيف الأنهار مريعاً، لم نتصور أنها قذرة بهذا الشكل».
وانخرط البنك في مشروع «الحياد الكربوني»، حيث تراقب الشركات كمية انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المباشرة وغير المباشرة الصادرة عنها وتمول مشاريع بيئية للتعويض عنها. وقد التزمت ست شركات لبنانية بهذه الآلية، بما فيها بنك البحر المتوسط. ومن المبادرات الأخرى اقتناء سيارات خضراء، بما في ذلك إهداء سيارة هايبريد تعمل بالبنزين والكهرباء إلى وزارة البيئة.
وشارك البنك في تحريج محمية أرز الشوف، مع إطلاق حملة إعلانية حول المحمية ساهمت في زيادة زوارها بنسبة 35 في المئة. ودعم إقامة مشتل للأشجار في عكار بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، لإحياء الاهتمام بالنباتات الأصلية في لبنان. كما ساهم في غرس أكثر من 2000 شجرة أرز في منطقة عيون أرغش في شمال لبنان، إضافة إلى رعاية جهود البلديات في التحريج لإعادة الغطاء الأخضر إلى جبال لبنان. وفي مبادرة نموذجية لترويج استخدام مصادر الطاقة المتجددة، موّل إنارة دير القديسة تريزيا في كسروان بواسطة اللاقطات الشمسية.
نموذج في المسؤولية البيئية للشركات
استهدفت الحملة الأطفال والشباب بشكل خاص من خلال برامج موجهة إلى المدارس، بما في ذلك تقديم فلترات مياه إلى مدارس حكومية، ومشروع «أجندتي» الذي تم من خلاله توزيع 70 ألف مفكرة على أطفال المدارس الحكومية تتضمن معلومات ونصائح بيئية في كل صفحة. ونظمت مسابقات بيئية وعلمية للمدارس، فشارك في السنة الأولى 4000 تلميذ، ووصل العدد هذه السنة إلى 15 ألف تلميذ. ويتم تكريم الفائزين في حفل استقبال خاص في المقر الرئيسي للبنك. ويرعى البنك ورش عمل بيئية خاصة، مثل ورشة «المهندس الصغير»، حيث يتعلم الأولاد استعمال مصادر الطاقـة المتجددة والمشـاركة في مشاريـع إعـادة تدوير الورق.
وأطلق البنك موقعاً إلكترونياً خاصاً بحملة «الكوكب السعيد». وأصبح معروفاً برعاية المشاريع الخضراء، مثل معرض الحدائق وسوق الطيب. وهو يمنح قروضاً ميسرة لمشاريع العمارة الخضراء، ويدعم مشاريع حيوية لتخفيض تلوث الهواء وترشيد استهلاك الطاقة في لبنان.
تقول ديالا شقير ان فعالية هذه الحملات يمكن قياسها فقط في المدى الطويل، «ونحن هنا لسنا بصدد تحقيق ربح، بل نحاول رفع مستوى الوعي حيال المشاكل البيئية العالمية التي نواجهها جميعاً. وسوف نشهد جميعاً على النتيجة النهائية في المدى الطويل».
العمل البيئي الحماسي لبنك البحر المتوسط اجتذب اهتماماً دولياً بعدما قام صحافيون أجانب بالكتابة عنه، حتى بات مثالاً يُستشهد به في المسؤولية البيئية للشركات. وهو الآن عضو في المنتدى العربي للبيئة والتنمية. ويقول محيي الدين فتح الـله: «إنها مسؤوليتنا جميعاً أن نتخذ خطوات إيجابية في بلادنا وندخل التغييرات المطلوبة. كثير من الناس يهتمون، وعلينا جميعاً أن نشارك في العمل لبيئة أفضل».