Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
الدكتور كاظم المقدادي أستاذ جامعي عراقي مقيم في السويد. نهر الحسينية هل تلوَّث إشعاعياً؟  
تموز-آب/ يوليو-اوغسطس 2012 / عدد 172-173
نهر الحسينية الكبير هو أحد الأنهر المتفرعة من الفرات، ويغذي مئات الدونمات من البساتين في محافظة كربلاء التي تبعد 108 كيلومترات جنوب غرب بغداد. ويعد مشروعه واحداً من المشاريع المهمة التي تشهدها المحافظة، ويأتي ضمن تخصيصات وزارة الموارد المائية بكلفة 75 بليون دينار عراقي (65 مليون دولار)، ومن المؤمل أن يساهم في الحفاظ على مياه النهر من التجاوزات وتقليل منسوب المياه الجوفية في الأراضي المحاذية للنهر («شفق نيوز»، 26/12/2011).
من أجل الحفاظ على مناسيب المياه ومنع تسربها وتحولها الى مياه جوفية لا يستفاد منها، عملت الحكومة المحلية على تغليف الأنهر في المحافظة عبر تبطينها بتربة من مواقع أخرى وتغليفها بصبّات خرسانية. وبعد المباشرة الفعلية للمشروع، قبل قرابة عامين، انتشرت إشاعات قوية تقول بأن تربة التبطين ملوثة بإشعاعات ومواد سامة أخرى مسببة للأمراض، لكونها منقولة من مقالع منشأتي «حطين» و«الفتح المبين» العائدتين للتصنيع العسكري، اللتين شيدهما النظام السابق وتعرضتا للقصف الجوي الأميركي أثناء حربي الخليج عامي 1991 و2003، في وقت امتد التبطين من مركز المدينة حتى سدة الهندية في محافظة بابل على بعد 100 كيلومتر جنوب بغداد. فأشار مهندسون عملوا في التصنيع العسكري السابق الى احتمال تلوث تلك المناطق بنسب مختلفة من المعادن الثقيلة، مثل النيكل والرصاص والكادميوم واليورانيوم المستنفد.
وربط أطباء بين التلوث وظهور الحالات السرطانية في منطقة الحسينية، حيث كشف الطبيب حميد حسن أن العام 2011 شهد تسجيل عشرات الإصابات بين أهالي القرى المحاذية للنهر. وأكدت مصادر في مستشفى مرجان في الحلة ارتفاع الإصابات السرطانية في المحمودية باتجاه الحلة ومحيط كربلاء، وهي مناطق تمتد مسافات طويلة في محاذاة مناطق التصنيع العسكري. وسجل مركز بابل لعلاج الأورام السرطانية إصابات جديدة كل عام. وتضاعفت الإصابات السرطانية عام 2011 («إيلاف»، 23/12/2011).
حيال هذا الوضع، طالب مدير قسم الصحة والسلامة المهنية في دائرة الضمان الاجتماعي في كربلاء الدكتور حيدر العطار الحكومة المحلية بالتوقف عن استخدام مياه نهر الحسينية، مؤكداً أن اللجان الطبية المشكلة للكشف عن اصابات السرطان وجدت في ناحية الحسينية أكثر من 40 حالة سرطانية لأطفال بأعمار مختلفة، ومنها ما هو من نوع سرطاني واحد لدى العائلة الواحدة («أكانيوز»، 26/12/2011)، في حين أكد الدكتور جعفر حسن الكربلائي أن العدد يتجاوز 55 إصابة («كتابات»،17/2/2012).
آخر التصريحات كان تأكيد مديرة دائرة العلوم والتكنولوجيا في كربلاء مها عباس أن وزارة العلوم والتكنولوجيا «وضعت نهر الحسينية، الذي أثير حوله لغط إعلامي أنه ملوث، تحت المراقبة لمدة خمس سنوات لأغراض الأمانة والحماية».
 
خلافات المسؤولين المتنفذين
تعمقت المشكلة وتوسعت بسبب الخلافات القائمة بين المسؤولين المتنفذين، التي ابتدأت عقب إعلان الوكيل الفني لوزارة البيئة الدكتور كمال حسين «وجود تلوث إشعاعي ومواد معدنية ثقيلة سامة في مياه نهر الحسينية، تسبّب بارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية بين سكان المحافظة». وهو حمّل مدير بيئة كربلاء المهندس حيدر فؤاد رشيد المسؤولية، كونه هو من أعطى الموافقات الخاصة باستخدام تلك الأتربة من دون استشارة المراجع العليا المتمثلة في وزارة البيئة، موضحاً أن المدير أخذ 30 عينة فقط من المنشأتين العسكريتين اللتين تتجاوز مساحتهما 3500 دونم، وكان يستوجب أخذ أكثر من 12 ألف عينة للتأكد من خلو المنشأتين من الاشعاعات («آكانيوز»، 26/12/2011). وتمت تنحية المدير، وحملته الوزارة مسؤولية أية تبعات صحية يتعرّض لها سكان المحافظة («يو بي أي»، 13/2/2012). وفي ما بعد، اعتبر المفتش العام لوزارة البيئة جاسم عبد الساده «متواطئاً» مع محافظة كربلاء لأنه أصدر كتاباً يؤكد فيه «عدم ممانعة الوزارة» نقل تلك الأتربة الملوثة، وهو إجراء غير قانوني لأنه يعد تجاوزاً على صلاحيات الجهات الفنية في الوزارة. وأكد الوكيل الفني أن المواقع المذكورة شُخصت من قبل وزارة البيئة بتلوثها بعناصر كيميائية ثقيلة خطرة («شفق نيوز»، 24/12/2011).
لقد قيل إن استخدام تراب ملوث من مقالع قريبة عمل مقصود لأنه أقل كلفة للمقاول من تراب نظيف من مقالع أبعد، ونسب ما حدث الى عمليات فساد مالي وإداري رافقت المشروع. وأعلن النائب الكربلائي جواد الحسناوي: « أثبتت نتائج التحقيقات تلوث نهر الحسينية بالاشعاعات، وأثبتت لجنة مشكلة من خمس وزارات، بإشراف الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وجود تلوث كبير في النهر». وأكد عضو مجلس محافظة كربلاء جاسم الفتلاوي «إيقاف تدفق مياه النهر لوجود نسبة عالية من الرصاص والنيكل في مياهه» («السومرية نيوز»، 13/2/ 2012)، بينما رأى مهندس الري جواد كاظم، الذي عمل سنوات في المنطقة، أن هناك مبالغة لا تصب في صالح المواطن، وأن بعض الإشاعات مقصودة لأجل منافع شخصية، بل لم يستبعد أن يكون التهويل من صنع جماعات تحاول خلق نـوع من الفوضى، خصوصاً أن المشروع يُعد ـ في رأيه ـ ناجحاً بكل المقاييس، حيث سيحد من التجاوزات على النهر ويقلل منسوب المياه الجوفية في الأراضي المحاذية («إيلاف»، 27/12/2011).
واعتبر مستشار محافظ كربلاء لشؤون الموارد المائية حسن الشريفي الحملة الاعلامية التي قامت بها جهات رسمية، معلنة عن وجود تلوث إشعاعي وكيميائي، تهدف إلى التأثير والتشهير والحصول على دعاية اعلامية، أو تحقيق أهداف إدارية وسياسية. وكل هذا سببه خلاف في وزارة البيئة بين الوكيل والمفتش العام للوزارة ومدير بيئة كربلاء («طريق الشعب»، 1/2/2012). وكانالمهندس عمادخليل سبتي، مسؤول لجنة البيئة في محافظة كربلاء، أعلن أن وزارة الموارد المائية أكدت في كتاب لها أن المقالع الخاصة بمنشأة «الفتح المبين» الملغاة قد تم فحصها مسبقاً بإشراف العديد من الدوائر المعنية، وبينت النتائج «عدم وجود أي أثر للتلوث». وأكدت وزارة العلوم والتكنولوجيا في 17/4/2011 أنها ضمن الخلفية الاشعاعية الطبيعية، وخلو النماذج من الملوثات الكميائية العضوية («وكالة نون الخبرية»، 29/5/2011).
وعقد اجتماع طارئ لحكومة كربلاء وأعضاء مجلس النواب ومديري الدوائر المعنية في المحافظة تدارس الموضوع وأكد أن «كربلاء تعيش حالة من القلق والترقب على خلفية ما أثير من معلومات حول التلوث («بغداد الدولية»، 29/12/2011). وطالبت لجنة تقصي الحقائق، المشكلة من خمس وزارات بإشراف الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بايقاف استخدام مياه النهر فوراً للحيلولة دون إصابة المزيد من المواطنين بأمراض سرطانية («البغدادية نيوز»، 26/2/ 2012). ودعا محافظ كربلاء المهندس آمال الدين الهر وزارة الصحة إلى تشكيل لجان لمعرفة أسباب الإصابة بأمراض السرطان، معلناً تسجيل 300 إصابة سرطانية رسمياً في عـدة مناطـق في كـربلاء، منوهـاً بأن نسبة الاصابات المسجلة في منطقة الحسينية لا تشكل سوى 10 في المئة من مجموع الاصابات في المحافظة (وكالة «أصوات العراق»، 4/2/2012). وكشف المحافظ عن وصول ملف نقل الأتربة الى الجهات القضائية، بعد قرار وقف أعمال التبطين، بانتظار النتائج التي ستصدرها المحكمة («الصباح»،31/1/2012).
لكن لجنة الطاقة في مجلس الوزراء العراقي أعلنت أن الفحوصات والتحاليل التي أجرتها الجهات المختصة أكدت أن نهر الحسينية «لا يشكل تهديداً للسكان». وذكر بيان لها أن اللجنة عقدت اجتماعاً برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الدكتور حسين الشهرستاني، حضره وزراء النفط والعلوم والتكنولوجيا والبيئة والكهرباء والدولة لشؤون المحافظات، ورئيس هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء، وبحثوا احتمالية تلوث نهر الحسينية. وقد راجعت اللجنة جميع البحوث والدراسات التي أجريت على مياه النهر وشبكة توزيع المياه، واتضح لها أن مستوى تركيز عنصري النيكل والرصاص في جميع النماذج كان ضمن الحدود المسموح بها(«السومرية نيوز»، 16/2/2012). وتأكيداً لهذا، جاء تصريح النائب الأول لرئيس مجلس النواب الدكتور قصي السهيل، الذي زار المنطقة على رأس وفد برلماني وأجرى تحاليل ميدانية، بأن «تربة كربلاء نظيفة وخالية من الاشعاع والتلوث، والمحافظة هي الأقل إصابة بالأمراض السرطانية قياساً ببقية المحافظات» («الاخبارية»، 12/3/2012). كما أكدت وزارة العلوم والتكنولوجيا على لسان مستشارها العلمي د. ضياء المولوي خلو النهر والمنطقة من أية مواد إشعاعية على الإطلاق ومن مواد عضوية ملوثة تسبب السرطان («راديو سوا»، 13/3/2012).
 
تساؤلات مشروعة
تناقض النتائج المعلنة وتضارب التصريحات حول مشروع نهر الحسينية خلقا وسط المواطنين قلقاً وخوفاً متزايدين، حتى أن الطبيب حيدر العطار قال: «من شدة خوفي على عائلتي صرت أقتني مياه الشرب من محافظة بابل («وكالة نون الخبرية»، 25/2/2012). وقال المهندس الزراعي سعد الياسري إن أضراراً صحية لحقت بالمواطنين، بينما دار جدل واسع وتضارب في الآراء والمواقف واتهامات بالفساد والتغطية عليه بين الجهات المعنية. وتحاول كل جهة التنصل من الأمر، بل ان جهات كذبت خبر التلوث واعتبرته محاولة لإفشال مشاريعها («إيلاف»، 13/2/2012).
وفيما طالبت لجنة حقوق الإنسان في مجلس كربلاء بتشكيل لجنة محايدة للتحقيق في القضية، معتبرة التضارب في التشخيص بين عدة جهات، ومنها وزارة البيئة، التي كانت تقر بوجود تلوث، والحكومة المحلية التي تنفيه، مدعاة لتشكيل لجنة محايدة وإجراء فحص عينات من النهر خارج العراق («السومرية نيوز»، 13/2/2012)، أصدرت لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب بياناً في 18/2/2012 طمأنت فيه المواطنين بأنه «لا توجد أي علاقة سببية بين مشروع الحسينية وما أشيع عن وجود زيادة في الحالات السرطانية». واتهم وزير الصحة السابق وعضو اللجنة الدكتور صالح الحسناوي «بعض الجهات السياسية بترويج الإشاعات حول وجود ملوثات في النهر المذكور». وكشفت عضو اللجنة النيابية ايمان عبدالرزاق النقاب عن «استضافة اللجنة الوكيل الفني لوزارة البيئة عدة مرات لاستيضاح قضية تلوث نهر الحسينية، وكان الوكيل يؤكد تلوثه أحياناً وينفيه أحياناً أخرى» («السومرية نيوز»، 18/2/2012).
ما تفسير المسؤولين للتناقضات الصارخة والمتضاربة في نتائج اللجان التي تشكلت؟ ألم تثر كثرة «التأكيد» و«النفي» المتسرع غباراً على صدقية النتائج المعلنة؟
أما كان يفترض حصول تنسيق بين الوزارات العراقية المعنية فور نشوء المشكلة، وتشكيل لجنة علمية مشتركة، وحسم الجدل وفقاً لنتائج العينات وتحليلها في مختبرات متخصصة ذات صدقية علمية؟
الكل تحدث عن معادن ثقيلة، مثل النيكل والرصاص والزنك، في الأتربة التي استخدمت فـي تبطين نهر الحسينية وفي مياهه، وهذا ليس تلوثاً إشعاعياً. فلماذا جرى الحديث عن «وجود» و»عدم وجود» تلوث إشعاعي؟ ولماذا تراجع الوكيل الفني لوزارة البيئة عن تصريحاته السابقة، معلناً أن «الفحوصات السابقة والحالية أثبتت عدم وجود أي تلوث إشعاعي في نهر الحسينية بكربلاء» («آكانيوز»، 7/2/2012)؟ ربما تذكر، متأخراً، أنه وقّع على وثيقة رسمية، مع محافظ كربلاء ورئيس جمعية البيئة العراقية وآخرين، تؤكد «عدم وجود أي تلوث إشعاعي لا في موقـع منشأة الفتح المبين الذي تم نقل أتربة التبطين منه، ولا في مياه نهر الحسينية»، وأن الوثيقة تضمنت سبع نقاط، نصت الثالثة منها: «لا يوجد أي ربط بين حالات السرطان الظاهرة والمسجلة وتلوث المياه المزعوم، لا علمياً ولا صحياً». وجاء في الرابعة: «ظهرت التجاذبات السياسية والدعائية واستغلالها من قبل بعض القنوات الفضائية والصحف من أجل إثارة الفتنة أو مآرب شخصية» («المدى»، 15/2/2012).
لقد شبهت صحيفة عراقية تصرف المسؤولين المتنفذين بشأن مشروع نهر الحسينية بـ «فيلم هندي في بلد العجائب والغرائب». ولعله ليس غريباً ولا عجيباً أن يحمّل الموقعون على الوثيقة المذكورة وسائل الأعلام مسؤولية ما حصل، بدلاً من محاسبة من افتعل «التجاذبات السياسية والدعائية» في قضية بيئية أقلقت المواطنين، بل أرهبتهم، وهم يعلمون أن مَن افتعلها هم مسؤولون كبار نتيجة خلافات ومصالح شخصية. ولليوم، لم يحاسبهم أحد.
الأدهى من ذلك أن من أثار زوبعة تلوث نهر الحسينية بالإشعاع هو نفسه من ينفي وجود التلوث الإشعاعي في العراق، وينكر علاقة انتشار الإصابات السرطانية في البلاد باستخدام أسلحة اليورانيوم المستنفد.
أفليس ما حصل هو تجسيد آخر لسوء الإدارة وانعدام المسؤولية المهنية والوطنية والإنسانية؟
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.