تعيش إينيس فريرا دوس سانتوس (43 عاماً) مع أربعة من أولادها في منزل زاهٍ كبير عند نهاية شارع يلفه الغبار. قالت: "بالمال الذي جنيناه من قصب السكر بنينا هذا المنزل. لقد كان جيداً لنا، جيداً جداً". فهذه هي السنة الحادية عشرة التي يسافر فيها زوجها خواو مسافة 3000 كيلومتر الى ولاية ساو باولو في جنوب البرازيل للعمل كقاطع لقصب السكر.
يصحبه هذه المرة ثلاثة أبناء يعملون أيضاً في حقول قصب السكر، وابنة تتولى إعداد الطعام لهم. وكل شهر يرسلون 2000 ريال (نحو 925 دولاراً) الى بقية العائلة.
قصة آل سانتوس هي قصة غالبية أهالي بلدة برنسيسا إيزابيل التي يقطنها 19 ألف نسمة في المناطق النائية القاحلة من ولاية باريبا شمال شرق البرازيل. ومع قلة الخيارات الأخرى لكسب الرزق، فان ثلاثة من كل 10 مقيمين في البلدة عملوا كقاطعي قصب سكر.
لكن هذا الواقع يوشك أن يتغير، فأيام القطع اليدوي لقصب السكر باتت معدودة. وهو عمل مرهق كان يتولاه عبيد في ما مضى، في الولايتين الأكثر انتاجاً وهما ساو باولو وميناس غيراس، مصدر 70 في المئة من محصول قصب السكر في البرازيل.
فلأسباب بيئية، وأخرى تتعلق بالصحة العامة، تقرر التخلي عن حرق قصب السكر في هاتين الولايتين بحلول سنة 2014 في الأراضي المسطحة، وبحلول 2017 في التلال والمنحدرات. ويتم بحث مبادرات مماثلة في ولايتي ماتو غروسو دوسول وغوياس اللتين تشهدان زراعة سريعة النمو.
لكن التغيير قد يكون له أثر كبير على قاطعي قصب السكر والعائلات التي تعتمد عليهم. فالحرق المضبوط كان يستعمل منذ أمد طويل للتخلص من الأعشاب وتسهيل تحرك العمال في الحقول. ولكن عندما تكون درجة الرطوبة منخفضة تخيم غيوم من الدخان الأسود فوق الحقول. وكل سنة، يتم حصاد حصة أكبر من المحصول بواسطة الآلات، وهو اتجاه بدأ يزيد أعداد العاطلين عن العمل في بلدات نائية مثل برنسيسا إيزابيل.
تغيرات سريعة
التحول عن القطع اليدوي لقصب السكر بدأ يزداد بشكل كبير منذ سنتين، بعد انتشار أخبار الايثانول في أنحاء العالم كبديل من البنزين، مما أدى الى ازدياد الضغط لفرض معايير بيئية أكثر صرامة. وفي ساو باولو، حيث أكثر من نصف محصول هذا الموسم يقطع بواسطة الماكينات، انخفض عدد قاطعي قصب السكر الى 140 ألفاً، من 158 ألفاً عام 2006 بحسب اتحاد صناعة قصب السكر "يونيكا". ويأتي نحو 70 في المئة منهم من ولايات أخرى، خصوصاً المنطقة الشمالية الشرقية الفقيرة جداً.
قال بدرو راموس، وهو خبير بصناعة قصب السكر في جامعة كامبيناس: "سيكون هناك عدد كبير من العاطلين عن العمل. ما مصيرهم؟ على الحكومة أن تساعدهم للاستقرار في مسقط رأسهم، ولكن بذل قليل من الجهد في هذا المجال".
وفاة 20 عاملاً في السنوات الأخيرة أثناء العمل أو خلال انتقالهم الى مواقع العمل زاد الدعوات الى إحداث تغييرات. وعلى رغم أن أسباب هذه الوفيات ما زالت قيد التحقيق، فان المسؤولية تقع على ظروف العمل الوحشية التي يتعرض لها قاطعو قصب السكر، مما يزيد نفقات التشغيل. قال مدير "يونيكا" التقني أنطونيو دي بادوا رودريغز: "الحصاد بواسطة الآلات هو حالياً أرخص 25 في المئة من القطع اليدوي. وتحل كل آلة محل 90 عاملاً في اليوم. وكاشارة الى هذا الواقع، لم تستحدث وظيفة قطع واحدة في المنطقة الجنوبية الوسطى من البرازيل خلال السنتين الماضيتين، حتى مع تصاعد الانتاج من 373 مليون طن الى 487 مليوناً.
وأفاد جواكيم أنطونيو سيلفا، الذي يملك شركة لنقل العمال من برنسيسا إيزابيل الى ساو باولو، أن "الأوضاع تتغير بالفعل. هناك عدد أقل من الأشخاص الذين يذهبون الى ساو باولو هذه السنة، وقد عاد البعض الى بيوتهم. في الماضي لم يكن أحد يعود قبل انتهاء الموسم".
كارثة اجتماعية
المستقبل الحالك لمهنة القطع اليدوي لقصب السكر جعل الأهالي على حافة الفقر في برنسيسا إيزابيل، التي كانت ترسل أفواج العمال "المهاجرين" طوال 15 سنة. فقطع القصب هو المصدر الرئيسي للدخل في البلدة بعد القطاع العام. في شباط (فبراير) وآذار (مارس) من كل سنة، كانت ست حافلات تغادر البلدة يومياً متجهة جنوباً الى ساو باولو. وكانت تقلّ ما بين 2500 و3000 عامل، لا يعودون إلا في كانون الأول (ديسمبر). "وهم يرسلون النقود كل شهر. وعندما يعودون بالمال الناتج من انتهاء عقود العمل وبوالص تأمين البطالة، تهبّ المبيعات في المتاجر المحلية"، بحسب إدواردو أبرانتيس الأمين المالي في برنسيسا إيزابيل الذي أضاف: "إن مكننة قطع القصب تشكل قلقاً كبيراً لنا جميعاً، وقد بدأت تسبب مشكلة اجتماعية خطيرة جداً".
غالبية شوارع البلدة، التي سميت تيمناً بالأميرة التي وقعت قانون إلغاء العبودية في البرازيل عام 1888، هي غير معبدة. وجميع المنازل غير موصولة بنظام للصرف الصحي. المنطقة التي أنعم عليها بمناخ محلي مؤات كانت منتجاً كبيراً للفاصولياء والذرة قبل 20 سنة. لكن عدم انتظام هطول الأمطار، واغراء قصب السكر، أفرغا المزارع من هذين المحصولين. وتفاقمت الهجرة الجماعية من الريف، مما تسبب بهبوط كارثي في الانتاج الإقليمي للحبوب. وقال رينالدو دي مديروس فرانسيسكو، أحد كبار المنتجين في المنطقة: "أسوأ مشكلة هنا انعدام المساعدة التقنية للمزارعين الصغار، وهي تفوق مسألة شح المال الحكومي".
إينيس دوس سانتوس، التي سافرت الى ساو باولو مرة للعمل قاطفة برتقال، تخاف على مستقبل أولادها. قالت: "أملنا الوحيد سيكون في العودة الى الزراعة، تماماً كما كنا من قبل".