تصوروا مبنى مصنوعاً من مياه. جدرانه ستائر مائية، تبرمج لتعرض صوراً أو رسائل، وتستطيع أن تتحسس جسماً مقترباً فتنفتح تلقائياً آذنة له بالدخول.
''جناح المياه الرقمية''، الذي صممه معماريون ومهندسون من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا MIT، مبنى تفاعلي مصنوع من ستائر مائية يتم التحكم بها رقمياً، سوف يقام عند مدخل معرض ''إكسبو ''2008 الدولي في ساراكوزا، اسبانيا، أمام جسر جديد صممته المهندسة المعمارية العربية العالمية الصيت زها حديد. وسيحوي المبنى صالة عرض ومقهى وأماكن عامة متنوعة.
يقول كارلو راتي رئيس مختبر سنسيبل سيتي التابع للمعهد :''لكي تفهموا فكرة المياه الرقمية، تخيلوا شيئاً شبيهاً بطابعة مكتبية عملاقة، تتحكم بقطرات المياه المتساقطة''. وتتكون ''الجدران المائية'' التي صنع منها المبنى من صفّ صمامات متقاربة على ماسورة ممتدة في الهواء. هذه الصمامات يمكن أن تنفتح وتنغلق بتردد عال من خلال تحكم إلكتروني، فتنتج ستارة من المياه المتساقطة، مع وجود فجوات في مواقع محددة، في نمط من الجسيمات pixels المكونة من هواء وماء بدلاً من نقاط مضيئة على شاشة. ويصبح السطح بكامله شاشة عرض رقمية تنسدل باستمرار نحو الأسفل.
جميع جدران الجناح ستكون مصنوعة من مياه رقمية، وكذلك الفواصل الداخلية العمودية على حافة سطح المبنى وفي داخله. والسطح الذي تغطيه طبقة رقيقة من المياه سوف تدعمه مكابس كبيرة ويمكن أن يتحرك صعوداً ونزولاً. وعند اشتداد الرياح ينخفض السطح، وعند إقفال الجناح يهبط الى الأرض ويختفي المبنى بالكامل.
يقول وليم ميتشل، رئيس مختبر التصميم في MIT والعميد السابق لكلية العمارة في المعهد :''المياه التي تندفع بقوة الجاذبية كانت تقليدياً العنصر الأكثر ديناميكية في الحيز المعماري والمديني. منذ قرون حدد المعماريون أشكالها ووجهوها بواسطة قنوات وأنابيب وفوهات وصمامات. وجلبت الحقبة الصناعية مضخات قوية مكنت من استعمال العناصر المائية على نطاق أوسع، مثل النوافير التي تدفع الماء عالياً في الهواء. والآن، في الحقبة الالكترونية الرقمية، هناك تشكيلات وخلطات حديثة من تكنولوجيا التحسس، والذكاء الضمني، والربط الشبكي، والمضخات والصمامات الموجهة بالكومبيوتر، وبرامج التحكم، تتيح إمكانات مثيرة للمياه العالية التفاعل التي يتم التحكم بها بدقة وعلى نطاق مديني''.
ستكون واجهة الجناح المائي شبيهة بشاشة عرض كبيرة جداً، تحمل نصوصاً وحروفاً وأنماطاً تفاعلية. ويشرح ميتشل:''بامكانك أن تقذف الجدار بكرة، فترى دائرة مفتوحة تهبط لملاقاتها بدقة حيثما ـ وعندما ـ يتقاطع مسارها المنحني مع سطح المياه. ومن خلال برمجة مناسبة، فان ملامسة سطح الماء في أي نقطة يمكن أن يموِّج أنماطاً أفقية على طول الجدار الى مواقع أخرى''. وأوضح أن الجدران المائية المزودة بأجهزة تحسس يمكنها أن تكتشف اقتراب الناس، ''وكما انشق البحر الأحمر للنبي موسى، تنفتح لتسمح لهم بالمرور عبرها من حيث يريدون. وهذا يجافي النظرة المعمارية الأساسية الى الفتحة على أنها باب في مكان ثابت''.
يجسد الجناح امكانية استعمال ''المياه الرقمية'' كوسط ناشىء. وكانت هناك محاولات سابقة للتحكم رقمياً بقطرات المياه، ولكن هذه هي المرة الأولى التي استعملت فيها الفكرة لخلق حيز معماري. وبما أن السمكرة والالكترونيات ليست مكلفة أصلاً، والمياه المعاد تدويرها وافرة ورخيصة الثمن، فيبدو من الممكن إقامة جدران مائية على نطاق واسع.
يقول راتي :''كان حلم العمارة الرقمية إنشاء مبان سريعة الاستجابة وقادرة على تغيير مظهرها. فكروا في حيزات يمكن أن تتمدد أو تتقلص بحسب الحاجة أو نوع الاستعمال. ليس من السهل تحقيق هذه التأثيرات عند التعامل بالإسمنت والطوب والملاط. لكنها تصبح ممكنة مع المياه الرقمية التي تظهر وتختفي''. وأضاف :''في التسعينات، قادتنا التكنولوجيا الرقمية الى تخيل عوالم بعيدة. والآن تقدمنا، فمستقبل العمارة قد يتعامل مع بيئات معززة رقمياً، حيث المقادير الصغيرة والذرات تندمج من دون التحام''.
كادر
الجدار المائي الرقمي
تم ابتكار مفهوم الجدار المـائي الرقمي في المقرَّر الدراس Zaragoza Digital Mile في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بقيادة وليم ميتشل ودنيس فرنشمان ومشاركة مايكل جوروف وكارلو راتي. وتولى تصميم ''جناح المياه الرقمية'' والتر نيكولينو وكارلو راتي وكلوديو بونيكو وماتيو لاي في مكتب ''كارلو راتي أسو سياتي'' للهندسة المعمارية (تورينو)، والشركة الهندسية ''أروب'' (لندن ومدريد) وشركة ''تير'' لهندسة تحسين المناظر الطبيعية (باريس).
|