ارتفعت معدلات سرطان الخصيتين وازدادت عيوب الأعضاء التناسلية وتدهورت نوعية الحيوانات المنوية(sperms)، ما يشير الى أن الصحة الانجابية لدى الذكور تتراجع لدى كثير من الشعوب. ففي العام 2002، ازداد احتمال معاناة الرجال الذين تمت مراقبتهم عن كثب في أوروبا والولايات المتحدة ونيوزيلندا من سرطان الخصيتين، بمقدار ضعفين الى سبعة أضعاف عما كان عام 1960. وقد أنتجوا في المتوسط نحو نصف كمية الحيوانات المنوية في كل مليليتر من المني، بالمقارنة مع أقرانهم قبل نحو 40 سنة.
لا بد من تحليل هذه التغيرات على نحو واف، لكن ظهورها السريع لدى شباب يافعين يفترض أن يعزى، جزئياً على الأقل، الى اضطرابات بيئية أثناء النمو المبكر.
يصيب سرطان الخصيتين أقل من واحد في المئة من الذكور، لكنه بات المرض الخبيث الأكثر انتشاراً بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و34 سنة. وقد تزايدت نسبة الاصابة بين الرجال الذين تقل أعمارهم عن 50 سنة في شمال أوروبا وأوستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة بنحـو 2 ـ 4 في المئة سنوياً منذ ستينات القرن العشرين. وبما أن معدلات خفاء الخصيتين وانكماش المجاري البولية ارتفعت في وقت واحد، فقد حدد بعض الاختصاصيين انتشار ''متلازمة خلل تكوّني خصوي'' تهدد الخصوبة الذكرية. وينزع الرجال الذين ولدوا وهم يعانون من تشوهات خصوية، والناجون من سرطان خصوي، الى التعرض لمزيد من الصعوبات في انتاج حيوانات منوية سليمة كافية لانجاب أطفال.
جغرافيا الخصوبة
وجد تحليل حديث لعشرات الدراسات التي أجريت في أوروبا وأميركا الشمالية وأوستراليا منذ ثلاثينات القرن العشرين أن كثافة الحيوانات المنوية هبطت من 110 ـ 170 حيواناً منوياً في كل مليليتر من المني الى 60 فقط حالياً. وكانت هذه الدراسات مثار جدل، لأن نوعية هذه الحيوانات يمكن أن تختلف كثيراً أثناء مسيرة حياة الانسان، فترتفع أثناء فترات ''التقشف'' مثلاً، وتنخفض أثناء فصل الصيف. كما أن عينات الدراسات أتت غالباً من اشخاص يطلبون قطع قناة المني اذ يكون تعداد الحيوانات المنوية لديهم أعلى من المعدل، أو من رجال يعانون العقم أو صعوبة الانجاب اذ تكون لديهم أعداد أدنى من المعدل.
لكن هناك اجماعاً في الرأي على أن تعداد الحيوانات المنوية يختلف بحسب المنطقة، وقد هبط في بعض الأماكن أكثر مما في أخرى. فالتعداد لدى الرجال في مدينة نيويورك مثلاً أعلى بنسبة 75 في المئة مما لدى الرجال في مدينة كولومبيا بولاية ميسوري الأميركية، وهو لدى الرجال في مدينة توركو في فنلندا أعلى بنسبة 25 في المئة عما لدى الرجال في كوبنهاغن عاصمة الدنمارك. وعلى رغم أن لا لزوم لأكثر من حيوان منوي واحد لتلقيح البييضة، فقد حدد الباحثون تركيزاً بمقدار 40 حيواناً منوياً في كل مليليتر من المني كعتبة تنخفض دونها خصوبة الرجال. وتفيد دراسة أجريت عام 2006 أن نحو 40 في المئة من الرجال في الدنمارك والنروج هم أدنى من هذا المستوى.
في الولايات المتحدة، يعتبر سرطان الخصيتين أكثر انتشاراً بين سكان مدن الشمال الغربي والوسط وأقل احتمالاً في الشمال الشرقي والجنوب. وحدوثه في أوروبا هو الأعلى في المنطقة التي تضم الدنمارك وسويسرا، والأدنى في دول البلطيق وفرنسا وايطاليا واسبانيا. وأحياناً يكون هذا الاختلاف بين المناطق حاداً. فاحتمال تعرض الرجال الذين ولدوا في الدنمارك والنروج لسرطان خصوي يفوق ثلاثة أضعاف تعرض الرجال الذين ولدوا في إستونيا أو فنلندا.
قد تكون بعض الشعوب أكثر تعرضاً من الناحية الوراثية لخلل تناسلي. وسرطان الخصيتين هو أقل انتشاراً لدى الأميركيين الأفارقة، مثلاً، بمقدار خمس مرات عنه لدى الأميركيين البيض، بينما أعداد الحيوانات المنوية لدى الرجال الأوروبيين في المتوسط أعلى مما هي لدى الأميركيين أو اليابانيين. لكن هذه الاختلافات لا تفسر درجة التباين الجغرافي في الأمراض التناسلية. فعلى رغم أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالخلفيات الوراثية، يلاحظ أن أعداد الحيونات المنوية لدى الرجال في الدنمارك تقل عما هي لدى الرجال في جنوب السويد.
عوامل معيشية وكيميائية
بعض الخيارات المتعلقة بنمط الحياة تؤثر في تعداد الحيونات المنوية. فهو ينخفض عادة لدى الرجال الذين يشربون مزيداً من الكحوليات أو يدخنون مزيداً من السجائر. كما أن لزيادة الوزن والعمر واستعمال بعض العقاقير ارتباطاً بانخفاض نوعية الحيوانات المنوية. وربما تعيق الهواتف الخليوية انتاجها، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2007 أن عينة من الرجال في مدينة كليفلاند بولاية نيو أورلينز الأميركية ومدينة مومباي الهندية، الذين استعملوا الهواتف الخليوية مدة تزيد على أربع ساعات كل يوم، كان تعداد الحيوانات المنوية لديهم أقل بنسبة 25 في المئة مما لدى الأشخاص الذين لم يستعملوها أبداً. لكن هذه العلاقة قد تدحضها متغيرات أخرى، مثل نمط العيش أو العمل الذي تكثر فيه حالات الجلوس.
التعرض للمواد الكيميائية التي تؤثر في الهورمونات الجنسية يبقى التفسير المهيمن لازدياد الاضطرابات التناسلية الذكرية. وقد حدد العلماء أكثر من 50 مادة كيميائية اصطناعية تخل بجهاز الغدد الصم، وأكثر من 10 مواد اضافية مشتبه بها. أما المواد الكيميائية الأكثر ارتباطاً بالاضطرابات التناسلية فتشمل الديوكسينات التي تنبعث أثناء صناعة الورق وحرق الفحم والنفايات، وثنائيات الفينيل المتعددة الكلورة PCB التي تستعمل في مجموعة من الأغراض الصناعية المتعلقة بالكهرباء والعزل والتزييت، والمبيدات التي يشيع استعمالها في الزراعة.
الفثاليت مادة بلاستيكية مليّنة شائعة الاستعمال، ارتبطت أيضاً بأمراض تناسلية. فقد وجدت دراسة أجريت في الصين عام 2006 أن مستويات هورمون التستوستيرون الذكري كانت منخفضة لدى عمال تعرضوا للفثاليت أثناء تصنيع مواد تحتوي على كلوريد البوليفينيل. وفي دراسة أوسع أجريت في ولاية مساتشوستس الأميركية، تبين أن الرجال الذين لديهم مستويات عالية من أيضات الفثاليت (phthalate metabolites) في دمهم يعانون من انخفاض في أعداد الحيوانات المنوية وحركتها ومزيد من التشوهات التي ألمّت بها.
أخطار جدية
حُظر استعمال مركبات كثيرة يعرف أنها تعيق نمو الأجهزة التناسلية، لكن فقط بعد سنوات من الاستعمال الواسع الانتشار. فبين عامي 1950 و1975، على سبيل المثال، وصف الأطباء العقار diethylstilbestrol المقلد للاستروجين لخمسة ملايين امرأة حامل، أملاً في تعزيز نمو الجنين ومنع حالات الاجهاض التلقائية. ومضى عقدان قبل أن يلاحظ الباحثون أن حالات الخصي الصغيرة والتشوهات التناسلية وضعف نوعية الحيوانات المنوية كانت أكثر احتمالاً لدى أبناء هؤلاء النساء.
يتم حالياً انتاج أكثر من 80,000 مادة كيميائية اصطناعية، لمعظمها تأثيرات طويلة الأمد غير معروفة. واعترافاً بذلك، باشرت وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة عام 1996 برنامج مسح اختلال الغدد الصم لتقييم أثر أكثر من 15,000 مادة كيميائية. وفي أوروبا، بلغت مخاوف مماثلة الذروة في ''بيان براغ حول اختلال الغدد الصم'' لعام 2005، الذي وقعه مئات العلماء من أوروبا وأميركا الشمالية، وقد حذر من ''أخطار جدية'' لخصوبة الرجال، وحث على مزيد من المراقبة الشاملة للأمراض التناسلية الذكرية.
مما يعيق قدرة الباحثين على تحديد المواد الكيميائية الضارة أن بعضها يكون مأموناً بشكل إفرادي وخطراً إذا ترافق مع مواد أخرى. وقد وجدت دراسة أجريت حول صغار الضفادع عام 2006 أن 4 من المئة فقط نفقت عند تعرضها لكل مبيد منفرد من تسعة مبيدات شائعة الاستعمال، لكن 35 في المئة نفقت لدى التعرض لمزيج من التسعة جميعاً. واليوم، بما أن جسم كل شخص على الأرض يحتوي، بنسب مختلفة، على مستويات يمكن كشفها من مئات المواد الكيميائية الصناعية، فمن المستحيل تحديد جميع الخلطات المحتملة السمّية.
وتبعاً لذلك، دعا بيان براغ الى ''مقاربة وقائية'' لقوننة وتنظيم المواد الكيميائية التي يمكن أن ''تكون مخلة بالغدد الصّم، وهذه أيضاً دعوة الى الحذر حتى في غياب اجماع علمي حول مصادر هذا الاختلال.
كادر
الديوكسين
يزيد الاناث
تولد بنات أكثر مما يولد صبيان في بعض مناطق كندا، لأن الديوكسينات التي ينقلها الهواء يمكن ان تعدل النسب الطبيعية للجنسين، حتى لو كان مصدر التلوث بعيداً. وقد بينت دراسات مماثلة في بلدان أخرى أن التعرض للديوكسينات يترافق مع ولادة نسبة أكبر من الاناث، فضلاً عن ارتفاع معدلات السرطان.
جاء في دراسة أجراها مركز ''إنتر أميريكاز'' للبيئة والصحة في تورنتو، كندا، أن النسبة العادية للمواليد هي 51 في المئة صبياناً و49 في المئة بنات، لكنها باتت 46 في المئة صبياناً و54 في المئة بنات في مدن وبلدات كندية حيث تعرض الأهل لملوثات من مصادر مثل مصافي النفط ومصانع الورق ومصاهر المعادن. خلصت الدراسة الى أن التعرض المبكر للديوكسين، حتى على بعد 25 كيلومتراً من المصدر، زاد خطر الاصابة بالسرطان في مرحلة متقدمة من العمر لدى عينة من 20 ألف شخص تمت دراستهم خلال تسعينات القرن العشرين.
ومنذ بدأت ولادة نسبة أكبر من الاناث في 90 منطقة كندية تمت دراستها، لوحظ أن اصابتهن بسرطان الثدي والرحم وعنق الرحم والمبيض هي أكثر من أنواع السرطانات الأخرى.
والديوكسينات مواد كيميائية سامة توجد بكميات صغيرة في الهواء والماء والتربة وبعض الأطعمة. ومن مصادرها الرئيسية حرق النفايات البلدية والطبية، لكنها تنتج أيضاً عن حرق الوقود والخشب وتوليد الطاقة وانتاج الحديد والصلب.