يُعتبر التخطيط الإنمائي من مهمات السلطة الوطنية، في إطار أعمالها المتعددة الأشكال لجذب المستثمرين المحليين والأجانب والعودة بالفائدة على المواطنين. ويعتبر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن «الاقتصاد الأخضر هو اقتصاد يدفع إلى تحسين الرفاهية البشرية والعدالة الاجتماعية، مقلصاً المخاطر البيئية ونقص الموارد بشكل ملحوظ».
فكيف يساهم التخطيط الإنمائي في التحول الى اقتصاد أخضر في بلدان المغرب العربي، وتحديداً الجزائر وتونس والمغرب؟
الجزائر: الاقتصاد الأخضر
في قلب التخطيط الإنمائي
وفق دراسة لوزارة تهيئة الإقليم والبيئة في الجزائر، يمكن خلق 1,400,000 فرصة عمل في قطاع الاقتصاد الأخضر بين 2011 و2025، مقارنة مع 273,000 فرصة عمل كانت موجودة عام 2010 في مجالات العمل المرتبطة بالبيئة، ومنها على سبيل المثال إعادة تدوير النفايات والطاقات المتجددة.
وتشير الحكومة بوضوح، في وثيقة تعرض أهداف «المخطط الوطني للتهيئة الإقليمية»، الى أن التنمية المستدامة تشكل بعداً يوجه مجموعة الخطوط التوجيهية للمخطط الوطني للتهيئة الإقليمية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الحديث عن التنمية المستدامة يعني الحديث عن الاقتصاد الأخضر.
يقوم الخطّ التّوجيهي الأول الذي وضعه القانون، وهو استدامة الموارد، على ثلاثة برامج عمل إقليمية تفيد الاقتصاد الأخضر، وهي: استدامة الموارد المائية، المحافظة على التربة ومكافحة التصحر، حماية النظم الإيكولوجية.
وقد ترجم تطبيق المخطط الوطني للتهيئة الإقليمية بعدد من الإجراءات العامة التي تندرج في إطار الاقتصاد الأخضر. فصدر عدد كبير من القوانين والأنظمة التي تهدف الى تعزيز التنمية المستدامة وحماية الموارد الطبيعية وتثمينها. وأنشئت مؤسسات عامة مهمتها المساعدة على تصور سياسات للتنمية المستدامة وتطبيقها. فتأسس المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، والمركز الوطني لتنمية الموارد البيولوجية، والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، والمركز الوطني للتدريب البيئي، والمركز الوطني لتكنولوجيا الإنتاج الأنظف، وشبكة رصد نوعية الهواء. أما في مجال المياه، فتم إنشاء وكالة الحوض المائي، والمكتب الوطني للصرف الصحي، والمكتب الوطني للري والصرف، والشركة الجزائرية للمياه الصالحة للشرب.
وفي موازاة تطبيق التسعيرة الجديدة لمياه الشفة والمياه المستخدمة في الصناعة والزراعة، يتم تقديم دعم لمبادرات الاقتصاد في الاستهلاك عبر استخدام تقنيات ملائمة في الري، مثل الري الموضعي والرش. وبذلك، من المتوقع أن تبلغ المساحات الزراعية المجهزة بتقنيات الري الموفرة للمياه 997 ألف هكتار سنة 2014، بعد أن كانت 350 ألف هكتار عام 2011.
وقدمت مساعدات لمشاريع تنمية الطاقات المتجددة والاستثمارات العامة فيها. ويجري إنشاء مصنع للوحدات الفوتوفولطية خلال الفترة 2011 ـ 2014، ومصنع لسخانات المياه بالطاقة الشمسية، وجهاز مركزي للهاتف مجهز بلوحات فوتوفولطية، وحقل لطاقة الرياح في منطقة أدرار بقدرة 10 ميغاواط تقريباً، ومحطتين للطاقة الشمسية المركزة في الواد وبني عباس قدرة كل منهما 150 ميغاواط، وتزويد بعض القرى وتجهيزات الضخ في الجنوب الكبير والمرتفعات بطاقة شمسية فوتوفولطية. ويتوقع البرنامج الجزائري لتنمية الطاقات المتجددة تأمين 40 في المئة من الاستهلاك المحلي للكهرباء من مصادر متجددة سنة 2030.
وتم توفير مهن مرتبطة بالاقتصاد الأخضر لخلق فرص عمل للشباب. وتشكل إدارة النفايات مصـدر عـدد كبير من الوظائف الخضراء. وتقوم الأعمال العامة في هذا المجال بشكل أساسي على إنفاذ القانون المتعلق بإدارة النفايات والتخلص منها (قانون ألحقت به أحكام تنظيمية)، وعلى إنشاء الوكالة الوطنية للنفايات المكلفة وضع نظام Eco-Jem لإعادة تدوير نفايات التغليف، وعلى الدعم الكلي لعشرات المكبات المراقبة والمطامر.
تونس: كفاءة المياه والطاقة المتجددة
يعتمد المخطط الوطني للتهيئة الإقليمية في تونس، الصادر عام 1994، على مبدأ التنمية المستدامة، ويستوحي من «أجندة 21» المطبقة في تونس، ويتوخى بلوغ الأهداف التنموية الثلاثة الأساسية لأفق 2020، وهي: تنمية فعالة من حيث القدرة على المنافسة العالمية، وتنمية مستدامة في مواجهة الضغوط الممارسة على الموارد الطبيعية، وتنمية عـادلة تؤمن مستـوى عالياً من التمـاسك الاجتماعي.
عرف اقتصاد المياه في تونس زخماً كبيراً عززته قرارات سياسية منذ العام 1995، خصوصاً زيادة الإعانات لممارسات الري الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 30 و60 في المئة بحسب فئات المزارعين. والهدف من البرامج المختلفة هو بلوغ فعالية مائية شاملة في مجال الزراعة المروية تقارب نسبة 85 في المئة على مستوى التوزيع، وفعالية شاملة في نطاق خدمة مياه الشرب بنسبة 80 في المئة سنة 2025. وتوخى البرنامج الوطني لاقتصاد المياه في الري، بشكل خاص، تجهيز المعدات الموفرة للمياه لنسبة 90 في المئة من المساحـات المروية البالغ مجموعهـا 40 ألف هكتار عام 2006، وتحسـين فعالية الري بمعدل 75 في المئة كحد أدنى في نهاية 2006.
وقد بدأ استخدام الطاقة المتجددة في تونس منذ التسعينات، وتحديداً طاقة الشمس والرياح والغاز الحيوي. وانخرط صناعيون منذ عام 2000 في صناعة سخانات المياه والبطاريات الشمسية. وتعتزم تونس بحلول سنة 2030 أن تولد 1.67 جيغاواط من الطاقة الشمسية.
ويشير تقرير تونس الذي عرض في مؤتمر «ريو +20» الى أن من جملة متطلبات الاقتصاد الأخضر تعزيز الطاقات المتجددة، وضمان كفاءة استخدام الطاقة، وإعادة تدوير النفايات، فضلاً عن تقوية قطاع الزراعة العضوية، والحد من التلوث الصناعي، والارتقاء البيئي للمؤسسات. وتوقع التقرير تعزيز قطاعات استراتيجية جديدة للنمو الأخضر، تعتمد تقنيات مستحدثة وإجراءات مختلفة على الصعيد الوطني، في مجال الحوافز الضريبية لتشجيع الاستثمار الخاص ودعم الاقتصاد الأخضر.
المغرب: خلق الثروات وفرص العمل
هناك نصّان أساسيان في المغرب يفرضان تنمية الاقتصاد الأخضر. الأول هو الميثاق الوطني لتهيئة الاقليم والتنمية المستدامة الذي تم إقراره عام 2010، والثاني هو الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة. ويذكر الميثاق الأول تحدِّيين من جملة التحديات التي تواجه التخطيط الإنمائي، هما حماية الموارد المائية ومكافحة تدهور المساحات الطبيعية.
في إطار تطبيق أحكام ميثاق البيئة والتنمية المستدامة، تبنّى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب تقريراً في آذار (مارس) 2012 عنوانه «الاقتصاد الأخضر: خلق الثروات وفرص العمل». ويوصي هذا التقرير بإعتماد آليات تمويل مكرسة لتنمية الاقتصاد الأخضر، عن طريق إجراءات تحفيزية لتنمية الاستثمارات الخاصة في قطاعات الاقتصاد الأخضر، وحوافز ضريبية تتعلق بالبيئة والطاقة تتكيف مع القطاعات الجديدة.
أما الميثاق الوطني لتهيئة الاقليم فيشدد بشكل خاص على الاقتصاد بالمياه وترشيد إدارتها. وتشمل الاجراءات في هذا الخصوص تجهيز 50 في المئة من المساحات المزروعة بأنظمة الري بالتنقيط بحلول سنة 2030 عبر تمويل بنسبة 100 في المئة لتجهيزات المزارعين الصغار، بالإضافة الى رفع تسعيرة مياه الري التي ارتفع مؤشرها من 100 عام 1969 الى 650 عام 1990 والى 1621 عام 2005.
وإلى جهود دعم الاقتصاد الأخضر في مجال المياه، تبذل جهود حثيثة في مجال الطاقة. فقد بدأ المغرب توليد طاقة الرياح منذ العام 2000 بمحطة قدرتها 500 ميغاواط قرب طنجة، وتبعتها تركيبات أخرى في السنوات اللاحقة. واستثمرت الطاقة الشمسية منذ عام 2007 بأشكال مختلفة. ويتوقع المغرب تأمين 42 في المئة من حاجاته الطاقوية من مصادر متجددة في أفق سنة 2020.
والاقتصاد الأخضر في المغرب حاضر أيضاً في تصور المصانع والمدن. وقد افتتحت مجموعة «رينو ـ نيسان» في أيار (مايو) 2012 مصنعاً للسيارات في طنجة تعتزم أن تكون انبعاثاته «صفر كربون»، إلى جانب عدم طرح أي مياه صناعية في الطبيعة، وتقليص استعمال الماء بنسبة 70 في المئة، وإنتاج الطاقة من الرياح والكتلة الحيوية. ومن جهة أخرى، سيتم بناء 15 بلدة جديدة حسب مفاهيم الاقتصاد الأخضر.
عموماً، في بلدان المغرب العربي الأوسط الثلاثة، تشدد المخططات الوطنية على تعزيز طابع الاستدامة في التنمية، وعلى ضرورة الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. ويتطلب هذا الأمر تعزيز الأعمال العامة التي تشجع تنمية اقتصاد أخضر تسعى إليه سلطات هذه البلدان باعتباره أحد اهتماماتها الرئيسية.