النفايات مادة شائقة تثير الفضول. ففي لبنان، كما في بلدي، يبدي المؤرخون اهتماماً كبيراً بالنفايات التاريخية التي يعثرون عليها في الحفريات، نظراً لعلاقتها بالحضارات. وكم من حضارة مرت عبر هذه الأراضي. ومن النفايات يمكنهم الاستنتاج كيف كان الناس يعيشون، وماذا كانوا يأكلون، وكيف كانوا يعملون، وماذا كانوا يلبسون، وما الأدوات التي كانوا يستعملونها، وما الأشياء التي كانوا يرمونها. النفايات من أهم مصادر المعلومات حول الحياة اليومية في الماضي.
لهذا السبب، قد يكون من المفيد معرفة ماذا سيقول المؤرخون سنة 5000 عن الحضارة الحالية في لبنان. هناك احتمال أن لا تكون هناك أي نفايات عندذاك، فالنفايات ليست مجرد منتجات مهملة، وانما أيضاً مواد أولية يمكن استعمالها لانتاج سلع استهلاكية. ولهذا السبب تم ابتكار مبدأ اعادة تدوير المواد.
للنفايات علاقة قوية بالبيئة. واذا رغبنا في حل مشاكلنا البيئية، ففي تصرفنا من حيث المبدأ حلاّن: واحد تقني وآخر يتعلق بتغييرات في السلوك البشري. وأشدد على السلوك البشري ومسؤوليات الحكومة في التأثير على هذا السلوك.
لقد تغير تركيب النفايات وحجمها على مر السنين انسجاماً مع تزايد الرخاء الاقتصادي. وكثير من نفاياتنا حالياً هي مواد تعبئة أو تغليف. ومع أن الهدف منها حماية المنتجات، فهي لا تتحلل بسهولة طبيعياً. ويقدر أن أكياس البلاستيك وعلب المرطبات والبطاريات تدوم مئات السنين لدى تركها في الطبيعة. ان اعادة استعمال هذه المواد ليس صعباً للغاية من الناحية التقنية، شرط أن تكون مفروزة للمعالجة. ولذلك أطلقت وزارة البيئة في هولندا حملة اعلامية قبل سنوات عدة كان شعارها: ''البيئة الجيدة تبدأ في المنزل''، وكان الهدف منها فرز النفايات منزليـاً. وقد شجعت الحملة المواطن الهولندي على القيام بما يأتي:
- تقليل كمية أكياس البلاستيك المخصصة للاستعمال مرة واحدة.
- فرز النفايات المنزلية الى نفايات عضوية (مخلفات المطبخ والحديقة والخضر) ونفايات غير عضوية (بلاستيك، معادن، علب مرطبات). لذلك تحتفظ المنازل في هولندا عادة بمستوعبين مختلفين للنفايات، أحدهما أخضر والآخر رمادي، تفرغ النفايات منهما في أيام مختلفة من الأسبوع.
- عدم رمي النفايات المفيدة والتي تسهل اعادة تدويرها في مستوعب النفايات، مثل الورق والمنسوجات والزجاج والمنتجات الكهربائية أو الالكترونية، وانما تخزن مفروزة حتى يتم جمعها.
- عدم رمي النفايات المنزلية الكيميائية، مثل الدهانات وزيوت السيارات ومواد التنظيف وسواها، في مستوعب النفايات، وحفظها مفروزة حتى تجمعها سيارة نقل المواد الكيميائية مرة كل شهر.
لماذا نفرز؟ لأنه حتى كميات صغيرة من المواد الكيميائية يمكن أن تلوث النفايات المنزلية، وبذلك تعيق طرقاً أخرى لاعادة الاستعمال.
لقد أعدت وزارة البيئة في هولندا خطة خاصة لادارة النفايات، وهي تنفذ بنجاح. وأعدت الحكومة، كأساس لهذه الخطة، قائمة بالأولويات البيئية بخصوص طرق معالجة النفايات، وهي:
- التقليل: اذا تم تخفيض كمية النفايات، فلا تعود هناك حاجة للمعالجة. وهذا يعني، مثلاً، تجنب التغليف المزدوج أو الثلاثي.
- اعادة تدوير المنتجات: مثلاً، استعمال القناني وأقلام الحبر وعلب الكرتون تكراراً.
- اعادة تدوير المواد: اعادة استعمال الزجاج والورق والمعادن كمواد أولية لصنع منتجات أخرى من المادة ذاتها.
- استعمال النفايات كوقود: غاز حيوي (بيوغاز)، تسبيخ.
- التخلص من النفايات بالحرق.
- التخلص من النفايات بالطمر.
ويبقى التركيز على الدور المهم الذي يؤديه الفرد في هذا المجال، فضلاً عن الحكومة والبلديات.